شبح العطش ليس خرافة !!

 

 

سميح مسعود

 

صدر في تشرين الثاني ( نوفمبر) الماضي « تقرير التنمية البشرية لعام 2006»، بعنوان : « أبعد من الندرة : القوة والفقر وأزمة المياه العالمية». و أكد التقرير أن الوصول إلى مصادر مياه آمنة ورخيصة الكلفة حق أساس من حقوق الإنسان، على الحكومات اقراره والتعهد بضمان توفير 20 ليتراً من المياه النظيفة يومياً على الأقل لجميع المواطنين، وتقديمها مجاناً للفقراء الذين لا يتوافر لهم المال اللازم لدفع ثمن هذه الكمية من المياه.

وطالب التقرير بإعداد خطة عمل عالمية بقيادة مجموعة الثماني الكبار، بهدف وضع مشاكل المياه والصرف الصحي في مركز أجندة التنمية الدولية، كما طالب أيضاً جميع الدول النامية بإعداد خطط وطنية لزيادة التقدم في توفير المياه وخدمات الصرف الصحي، وأن تحدد هذه الخطط أهدافاً طموحة تعتمد لها مخصصات مالية لا تقل عن 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول ، بحيث يبلغ الإنفاق العام الحالي على الموارد المائية فيها أقل من نصف في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

كذلك طالب بزيادة المساعدات الدولية السنوية المخصصة للمياه والصرف الصحي بمقدار يراوح بين 3.4 و 4 بلايين دولار. واعتبر هذه المساعدة استثماراً تأخر حدوثه، له آثاره الإيجابية على الصحة والانتاجية ونوعية الحياة.

وقدم التقرير عند اطلاقه في كاب تاون، المدير العام لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي في بيان مشترك مع وزير المال في جمهورية جنوب إفريقيا، انتقى منه ثلاثة مقاطع مثيرة للدهشة، يشير أولها الى عدم الاعتراف بوجود سبب منطقي (مالي أو لوجستي أو جغرافي) يمنع تزويد الفقراء بمياه نظيفة كافية لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، )مع تأكيد التقرير على أن حوالى بليون انسان لا يحظون بمياه نظيفة، وان 2.6 بليون يفتقرون الى نظم صرف صحية ملائمة(. ويشكّك الثاني في صحة التكهنات حول ما يحمله المستقبل من «حروب مياه مقبلة» لا يمكن تجنبها، واعتبارها تخوفاً مبالغاً فيه. وثالثها، اعتبار التقرير بمثابة دراسة رائدة تدحض العديد من «خرافات» عدة حول صراعات وحروب المياه العابرة للحدود في مناطق الإجهاد المائي.

ومع تقديري للجهود المبذولة في هذا التقرير، لم أجد فيه ما يثبت أن أزمة المياه العالمية، والصراعات المتوقعة حول المياه مجرد «خرافة». ويكفيني في هذا الشأن التذكير بالمنتدى العالمي الرابع للمياه الذي عقد في آذار (مارس) الماضي في العاصمة المكسيكية بمشاركة ممثلين عن 130 دولة ، لمناقشة إمدادات المياه في الدول الفقيرة وأزمة المياه العالمية بشكل عام . اذ اعترف هذا المنتدى بصحة توقعات ما يحمله المستقبل من «حروب مياه» مقبلة، وناقش إنشاء قوة حفظ سلام دولية للتعامل مع الأزمات التي قد تندلع في المستقبل حول مصادر المياه. كما أكد في الوقت نفسه أن حوالى40 في المئة من سكان العالم البالغ أكثر من ستة بلايين نسمة لا يحصلون إلا على كميات ضئيلة من المياه ولا يتمتعون بنظام صرف صحي، منهم 1.1 بليون انسان من دون مياه نظيفة للشرب، ما يؤدي إلى وفاة أكثر من ثلاثة ملايين إنسان سنوياً.

كذلك أجمع المشاركون في اعمال المنتدى على أن أزمة المياه العالمية حقيقة ملموسة ، وليست «خرافة»، لأن شبح العطش يلقي بظلاله على غالبية دول الشرق الأوسط، وحتى باكستان ، وعلى كل افريقيا جنوب الصحراء، مع عدم المساواة في الاستهلاك بين الدول المتقدمة صناعياً، التي يستهلك فيها الفرد 400 إلى 600 ليتر يومياً، والدول الأكثر فقراً التي يقل فيها الاستهلاك عن 20 ليتراً للفرد، مع عدم المساواة أيضا بين هذه الدول في الإمكانات اللازمة للحصول على المياه الآمنة.

ويمكن أن نتبين هذه الأزمة العالمية من تقارير المجلس العالمي للمياه، الذي دأب على المطالبة بضرورة مضاعفة الاستثمارات المالية لمواجهة عدم المساواة في توزيع المياه في العالم. وقدر أن هيئة الأمم المتحدة بحاجة الى 20 - 30 بليون دولار سنوياً حتى عام 2015 لكي يتحقق أحد «الأهداف الانمائية للألفية» الذي يطالب بخفض عدد الذين لا يحصلون على مياه الشرب الآمنة وبنى الصرف الصحي في الدول النامية.

كما يمكن ان نتبين أزمة المياه من مؤشرات كثيرة تدل على خطورة الوضع المائي العربي، لأن الدول العربية تتسم بندرة الموارد المائية فيها، من حيث متوسط نصيب وحدة المساحة الارضية المزروعة، أو نصيب الفرد من المياه، أو عدم ملاءمة توزيع هذه الموارد جغرافياً وصعوبة السيطرة على الكثير منها واستغلاله.

وغني عن البيان أن الدول العربية من أقل مناطق العالم وفرة في المياه، وتمتلك نحو واحد في المائة فقط من المياه العالمية المتجددة، في حين يعيش فيها 5 في المئة من سكان العالم. وأفاد تقرير قدمه المجلس العربي للمياه لمنتدى المياه الرابع السابق ذكره، أن المخزون المتاح للفرد الواحد من المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخفض من 4000 متر مكعب سنوياً عام 1950 إلى أكثر قليلاً من 1000 متر مكعب حالياً، ويتوقع أن يهبط إلى 577 متراً مكعبأً في المنطقة بحلول عام 2050.

ويعطي التقرير الاقتصادي العربي الموحد صورة مستقبلية أكثر حدة للوضع المائي العربي، إذ يقدر أن ينخفض نصيب الفرد إلى نحو 500 متر مكعب في عام 2025 ، في ضوء معدلات النمو السكاني المرتفعة، وتناقص كميات المياه التي ترد الى الدول العربية من الأنهار المشتركة من الخارج، والتي تمثل نصف كميات المياه المتاحة. كما يقدر التقرير ذاته العجز المائي العربي اللازم لانتاج الغذاء محلياً بنحو 58 بليون متر مكعب في العام ويتوقع ان يرتفع في عام 2030 إلى 378 بليوناً، ما يؤثر سلباً على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي العربي.

وينذر مستقبل المياه في الدول العربية بخطر كبير، ليـــــس فقط بســـبب محدودية الموارد المائية، بل لأن غالبية المنابع المائية الرئيسة العربية تقع في دول غير عربية، وليست لها سيطرة كاملة عليها، ما يفاقم حدة المشاكل المائية، ويساعد على بروز خلافات اقتصـــادية وســــياسية خطيرة حول توزيع الموارد المائية اقليميا، قد تؤدي إلى نزاعات وحروب في المستــــقبل. علماً أن مثل هذه النزاعات ظهرت فعلاً خلال السنوات الســــابقة، منها ما يتعلق بنزاعات المياه العربية - الإسرائيلية، حول تحكم اسرائيل بمنابع نهر الاردن، وسحبها كميات كبيرة من نهر اليرموك، وتحكمها حالياً بأكثر من بليوني متر مكعب من الموارد المائية العــــربية. ومــــنها ايضاً خلافات بين سورية والعراق مع تركيا حول حوض دجلة والفرات، حيث لتركيا مشاريع ضخمة وبعيدة المدى للاستفادة من مياه نهر الفرات، إضافة إلى خلافات بين مصر والسودان وأثيوبيا في شأن مياه النيل.

إن تنظيم استثمار الموارد المائية العربية المحدودة، يشكل أساس التنمية المستدامة، ما يتطلب تعزيز التعاون العربي في مجال الاستغلال الأمثل للموارد المائية المتاحة وتحسين استخدامها والحفاظ عليها.

*خبير اقتصادي في المركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الحياة اللندنية-20-1-2007