بـيـن صـنـّاع القـرار وأصـحـاب القـرار المـهنـدس فـؤاد الصـادق
الرئيس بوش لـيـس رئـيـسـاً للولايات المـتـحـدة الأميريكية سيل التحليلات والإسـتـشرافات التي تـناولت نتائج إنتخابات الكونغرس الأخيرة بعد الأخطاء الكبيرة في العراق وغيره قـد تـُصور للبعض ان هناك ثورة قد وقـعت في الولايات المتحدة ، ولا سـيما انها تـزامنت مع إسـتقالة رامسفيلد وجون بولتون ، وتعيين الرئيس جورج دبليو بوش من قبل للجـنـة بيكر - هاميلتون لمراجعة سياسات البيت الأبيض بخصوص الأزمة العراقيـة . فهل مع التركيبة الجديدة للكونغرس لم يعـد الرئيس بوش رئيـسـاً ؟ أو انـه لـم يـكـن رئيـسـاً ومنـذ إقـحامـه في البيت الأبيـض ؟ بواسطة مخططات القوى الخفية التي تدير العالم طبقاً للنص المكتوب سلفاً كما في أي مسرحية حيث ما يجري على خشبة المسرح يطابق السيناريو المدون على الورق مسبقاً, كما يتصور أتباع نظرية المؤامرة ، أو انـه لـم يـكـن رئيـسـاً لأنـه .... فـي تـصـوري : أن الرئيس بوش لـيـس رئـيـسـاً للولايات المـتـحـدة الأميريكية ؟ ! كـيــف ؟ ! بين السـياسـة والإدارة هنـاك خلط كـبـيـر عـنـدنـا بـين عـمليـة صنع القرار ، وعملية إتخاذ القرار، العملية الأولى طـويلة صـعبة ومعـقـدة ، والثانـية قصيرة سـهلة وأقل تـعـقـيـداً بـكـثـيـر مـن الأولـى ، صناعة القرارعادة يقوم بها كثيرون ، وإتخاذ القرار يقوم به عادة عدد قليل أوفرد واحد . بعض القرارات الصائـبة تسـقط كلياً أوجزئياً بسبب هذا الخلط المتمثل في أن المدير أو المسـؤول يتصور أن مسؤوليته تـنحصـر فـي تقـرير ما يجب عمله ، ومن ثم إعـلان القـرار بكل بساطة : لـمـاذا الـقـرار ؟ هناك مشكلة تريد حلاً ، والحل يريد قراراً ، وفـي الـواقـع صـنـاعـة القرار تمر بمراحل هي : 1- البحث عن الـقـرار ( الدراسة و الإستشارة ) : أوبعبارة أدق البحث عن الخيار الأنسب ، ويقوم بذلك الخبراء والإستشاريون من داخل المؤسسة او خارجها ، لأن أصحاب القرار لا خبرة لهم في الموضوع أولا يمتلكون الوقت لذلك ، وذلك لتشخيص المشكلة وتحليلها ، تحليل بدائل الحل ، تحديد بدائل الحل الممكنة ومقارنتها واختيارالبديل المناسب ومن ثم رفع خلاصة ونتائج ذلك الى أصحاب القرار محصورة في عدة خيارات ، طبعاً يقوم بالبحث عن الـقـرار أيضاً جماعات الضغط وأصحاب المصالح والنفوذ من جهة ثانية ، والإعلام والتلفزيون والسينما من جهة ثالثة ، ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب من جهة رابعة ، وتقوم كل جهة من هذه الجهات بتسويق ما تراه خيار أنسباً الى أصحاب القرار بحسب دورها ورسالتها ورؤيتها وأهدافها وغاياتها وبمقدار إمكاناتها ونفوذها ، وبذلك يـتـبـلور أمام أصحاب القرار عدة حلول أو خيارات ، وكل جهة تعتبر خيارها هو الأنسب ، ووارء كل واحد منها مقدار من القوة الذاتية للخيار ، ومقدار من الضغط من الجهات المذكورة . 2- إتخاذ القرار : ( إختيار القرار وإعلان القرار) ، إختيار القرار وذلك بواسطة أصحاب القرار، ومن بين الخيارات المتبلورة أعلاها بشكل أو بأخربعد دراسة نتائجها الخارجية والداخلية ، وبمشاركة معاونيهم ومستشاريهم الرسميين ، ومع حضور فاعل لقوى الضغط وأصحاب النفوذ والمصالح يرافقه إتصالات لإيجاد التزام داخلي بالقرار ، وتواصل مع منْ ينفذ القرارَ أو يساعد على تنفيذه أو يمكنه أن يعـرقل تنفيذ ه ، وأحياناً تكون التسريبات لقرار معين قبل إعلانه عبارة عن بالون إختبار لجـسّ النبض قبل إعلان القرار، وكأنه إعلان إختباري للقرار يشبه الى حد ما يطلق عليه بالتطبيق الإختباري Pilot الذي يؤخذ به في التغييرات الجوهرية الحساسة. وهل يـنـتـهـي كل شـيء مـع إخـتـيـار الـقرار وإعلانه ؟ ابـداً فـهنـاك أيـضـاً : 3- تسويق القرار : وأوتسويغه ، ويقوم بذلك صـنـّاع القرار المنتصرون ( إنْ صـح َّ التـعـبـيـر ) ، لإنتاج الإلتـزام بالقرار، وذلك مع إعلان القرار وخلال تنفيذه عـبرالإقـناع بالقرار والدعاية له ، لصنع علاقة أونظرة ايجابية للقرار، وذلك لدى الإعلام والتلفزيون والسينما ،ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب الرأي العام ، وجماعات الضغط وأصحاب المصالح والنفوذ ، وأصحاب القرار ، و كل منْ ينفذ القرارَ أو يمكنه أن يعـرقل تنفيذ القرار . 4- إنجاز القرار : تفويض التخطيط لتنفيذ القرار، مراقبة تقدم تنفيذ القرار، تعديل خطـة تنفيذ القرار، مراجعة القرار ، الإعداد للقرار التالي . السـياسـة في الولايات المـتحـدة ؟ الرئيس ( مع جهازه ) والكونغـرس ( بمجلسيه ) يعلنان القرار بعد إختياره من بين المقترحات المقدمة إليهم من قبل صـنـَّـاع القرار ، وهما لا يمثلان إلا جزءاً محدداً ومـعيناً من صـنـَّـاع القرار حسب الدستور ، ودور اللوبي ، ولأن الرئيس والكونغرس ككتلة واحدة معرضة للتغيير كل عامين حسب التوقيتات الإنتخابية ، فسيف الإنتخابات مسلط ، وأي من الحزبين لايمكنه أن يمدد الترشيح إعتباطاً للدور المذكور لصـنـَّـاع القرار الذي يخضع له الحزبان أيضاً ، ولأن ... الـخ . لنرجع الى الممثل في الكونغرس ( الشيخ اوالنائب ) فهو أيضاً أقرب ما يكون الى متخذ للقرار ، وليس بصانع للقرار ، لمـاذا ؟ لأن لكل عضو هيئات تقدم له الدراسات ، ولجان مساعـدة تقوم بإعداد وتجهيز أوراق العمل المنسـقة والمدروسة والمرفقة برأي وتقييم تلك اللجان المساعدة بشكل ملخص مضافاً الى ما يأتيه من وجهات نظر ودراسات من اللوبي . مما تقدم َ يـتـضح الفـرق بين صـنـَّـاع القرار من جهة ، ومالكي القرارالنهائي من جهة أخرى ، بين صناعة القرار ، وإتـخاذ القرار ، ولذلك قلت في تصوري : أن الرئيس بوش لـيـس رئـيـسـاً للولايات المـتـحـدة الأميريكية ، أي ليس رئـيـسـاً بالمعنى المتعارف الذي يجعله صانعاً ومتخذاً للقرار ، وهكذا الكونغرس طبعاً بنسبة أخرى . طبعاً قبول ذلك صعب لأن المتعارف عليه إختزال كل مراحل صناعة القرار في إتخاذ القرار وإعلانه ، وفي يد شخص واحد ، أو في أحـسن الاحوال في لجنة واحدة أوهيئة واحدة ، وليس في القرارات العادية بل حتى في تغيير الإسـتراتيجيات أحياناً، لذلك وغيره باتت حتى بعض القرارت الصائبة تلد ما يناقضها ، ولم نتمكن من التأثير على الإدارة الأميركية كما نجحت إسـرائيل ، لنرجع الى سؤالنا : فهل مع نتائج الإنتخابات النصفية الأخيرة للكونغرس والتي فاز بها الديمقراطيون والإستقالات التي رافقته يمكن القطع بأن السياسات الأميركية ستـتـغير رأساً على عقب ؟ لا أتصـور لأن صـنـَّـاع القرار في الولايات المـتحـدة لم يتغـيـروا ؟ و صـنـَّـاع القرار هم الذين دفعوا الساسة ومن الحزبين بدرجات متفاوته متأرجحة لتبني ما يريدونه ، وهم مازالوا على مواقفهم ، والمحافظون الجدد الذين لا يشكلون إلا جزءاً منهم منهمكين في إعادة إنتاج سـريعة لأفكـارهم وفي نفس الإتجاه ، وعليه فلا أسـتـبعد سياسات أكـثر تشـدداً ، وربما حتى مع فوز مرشح الديمقراطيين في إنتخابات الرئاسـة القادمـة عام 2008 ، ولذلك يجب أن لا تتوقف مشاريع الإصلاح الداخلية ومتوازية مع التنمية الشاملة ، ودون تراتبية ، فالإصلاح لنا في كل الأحوال ، نعم صـنـَّـاع القرار في واشنطن لم يتغيروا ، والرئيس هناك ليس رئيساً لقد كان ريتشارد نيكسون نفسه واحداً من أشد المنتقدين لإتباع أي سياسة إنفتاح مرنة تجاه الصين في الاربعينات والخمسينات ، ولكن في ظل رئاسـة نيكسون نفسه تحققت واحدة من اكبر مفاجآت السبعينات عندما أنهت إدارته ثلاثين عاماً من التصلب والإنغلاق في التعامل مع الصين .
|