من السبل الاستراتيجية لمكافحة الفـقـر
كلمة سماحة أية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي في مؤتـمر الإمام علي سلام الله عليه السنوي السادس الذي أقامه مركز الفردوس العالمي للثقافة والإعلام تزامناً مع ذكرى مولد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في 13 رجب 1427 هـ ، وذلك في قاعة بروجستر بالعاصمة البريطانية لندن :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وآله الغر الميامين واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين. قال الله تعالى: (هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها)1. وقال تعالى: (وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين)2. وقال تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)3. وقال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: (لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته)4. ما هو الفقر؟ تعريفه: لكي نعرف مدى خطورة مشكلة الفقر يجب أن نقوم بتعريفه التعريف الصحيح الشمولي، فأن الفقر لا يعني الفقر المادي فحسب -كما يتوهمه عامة الناس- بل ان له شعاعا واسعاً ونطاقاً عريضاً إلى أبعد الحدود ، فإن الفقر يعني الحاجة والحرمان وهو على هذا يستبطن كافة العناوين التالية: 1- الفقر العاطفي وفي الحديث (وهل الدين إلا الحب)5؟ و(ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)6 وفي الدعاء (واعطف علي بمجدك)7. 2- والفقر والحرمان من التعليم اللائق (لشؤون الدين والدنيا)، قال تعالى: (يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)8. 3- ومن الرعاية الصحية الشاملة (للجسد والنفس والروح والعقل) ففي الحديث (انما العلوم أربعة.. وعلم الطب لحفظ الأبدان)9. 4- ومن القدرة على ممارسة الرياضة التي يحتاجها الإنسان (للحفاظ على صحة بل ولتطوير سلامته: الجسمية والروحية والعقلية)، وذلك من أسباب استحباب السباحة والرماية وركوب الخيل في الإسلام. 5- ومن المسكن المناسب (الذي يلبي حاجاته الجسدية والروحية والنفسية كلها) وقد ورد في الحديث (من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع)10. 6- والملبس، قال تعالى: (خذوا زينتكم)11 وقال: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً)12. 7- والمأكل والمشرب (بحيث يوفر للإنسان كل حاجاته من السعرات الحرارية الكافية إلى غير ذلك)، قال تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطمعهم من جوع)13. 8- والمركب، وفي الحديث (ودابة سريعة)14. 9- والجماليات والكماليات والزينة (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده)15. 10- 11-12- والحرمان من الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، قال تعالى: (وآمنهم من خوف)16، والخوف يشمل كل ما يهدد الإنسان سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً. قال جل وعلا: (يضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم)17، وهذه الاصار والأغلال التي حطمها رسول الله صلى الله عليه وآله هي كافة الاغلال والقيود التي تحد من حرية التجارة والزراعة والصناعة والحركة والسفر والحضر وحتى الاعراف والتقاليد الكابتة للحرية. 13- ومن الحقوق الأولية والثانوية - كحقه في حرية الرأي والتعبير، وحقه في السفر والإقامة وحقه في تملك الأراضي والعقارات وحقه في التجارة، والاستثمار وحقه في ألف شيء وشيء حسب القاعدة الفقهية المصطيدة من قوله صلى الله عليه وآله: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)18 ومن الآية (النبي أولى)19، وقال: (لا ضرر ولا ضرار)20 وقال تعالى: (لكم دينكم ولي دين)21. 14-15- والفقر الفكري والفقر العقائدي، قال تعالى: (ولقد آتينا إبراهيم رشده)22 ، وقال تعالى: (يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)23. 16-17- وحيث ان الفقر ليس خاصاً بـ (الفقر الفردي) بل يشمل (فقر الدولة) و(فقر المجتمع بما هو مجتمع), لذا فإن من مصاديق الفقر الظاهرة: فقر الدولة والمجتمع للمؤسسات الدستورية وفقر الدولة والمجتمع من مؤسسات البنية التحتية. 18-19- وكذلك فقرها وحرمانها من الاستقلال الاقتصادي والسياسي. الفقر في نصوص الإمام علي عليه السلام وقد نبّهنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى هذا المعنى الواسع للفقر. فقد أشار الإمام إلى الفقر العلمي بقوله: (لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل)24 والجهل في حد ذاته فقر وحرمان علمي وثقافي وهو سبب من أهم أسباب الفقر الاقتصادي أيضاً. واشار عليه السلام إلى الفقر والحرمان من الثقافة والوعي والرشد الفكري بقوله: (أكبر الفقر الحمق)25. وأشار عليه السلام إلى الفقر والحرمان من الأمن والحماية الاجتماعية والسياسية بقوله: (وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم)26 ، والزوافر جمع زافرة: وهي من البناء: ركنه، ومن الرجل أهله وأنصاره وهذا الفقر يعم الفقر الفردي وفقر الدولة وفقر التجمعات أيضاً. واشار إلى الفقر الروحي والأخلاقي بقوله: (شر الفقر فقر النفس)27 ، و(أكبر البلاء فقر النفس)28. كما يشمل اطلاق قوله أو ملاكه (رب فقير أغنى من كل غني)29: الفقير في ماله لكنه غني بصحته فهو أغنى من الغني بماله الفقير في صحته، أو الفقير المحروم من حقوقه الأولية والثانوية (كحرية التعبير والرأي وحرية السفر والحضر وحرية التملك والاستثمار.. الخ) وإن كان غنياً بماله فإن أسوأ حالاً من الغنى بحقوقه وإن كان فقيراً بماله، كما أشار إلى الفقر الديني والعقائدي بقوله صلى الله عليه وآله: (الفقر سواد الوجه في الدارين)30 والمقصود الفقر من الدين والتقوى والورع والمثل الأخلاقية العليا وهي السبب في خسران الدنيا والآخرة، فإن الفقير من الوازع الديني: يسرق ويغتصب ويقتل ويعتدي و.. وإن الدولة المجردة من الوازع الديني والأخلاقي: تصادر حريات الناس وتلقي بالأحرار والأبرياء في السجون وتقمع الأكثرية والأقلية معا! وتلك كلها سواد الوجه في الدارين! وإن الآية الشريفة التي حكت قول موسى النبي عليه السلام (قال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)31. وإن كان شأن نزولها الطعام، إلا انها تشمل ا طلاقاً أو ملاكاً كل المعاني الممكنة للفقر فإن الإنسان مفتقر في كل شؤونه إلى كل أنواع عطايا الله. وكذلك الدعاء الشريف (اللهم اغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك)32. وكذلك ما جاء في صحف ادريس (لا غنى لمن استغنى عنك ولا فقر بمن افتقر إليك)33. وقال الإمام علي عليه السلام: (افقر الناس من قتر على نفسه مع الغنى والسعة وخلفه لغيره)34، فالفقر ليس عدم تملك الأموال والثروات بل هو الحرمان من الاستفادة منها واستثمارها لرفع حوائج الإنسان: المادية منها والمعنوية، السياسية منها والاجتماعية، العلمية منها والفكرية والثقافية، الأساسية منها والجمالية والكمالية.. إذاً: فمن يملك المليارات لكنه لا يستثمرها في الدفاع عن حقوقه وحقوق أمته فهو (فقير) بل هو (أفقر الناس) .. والدولة التي تملك مئات المليارات لكنها لا تصرفها في مؤسسات البنية التحتية وتقوية المؤسسات الدستورية فهي فقيرة.. وهكذا هلم وجرا. لماذا الإمام علي عليه السلام؟ لماذا انتخبنا الإمام علي عليه السلام كمنطلق لبحث السبل الاستراتيجية لمكافحة الفقر؟ أولاً: لأنه الأعرف بمنهج السماء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها)35. ثانياً: لأنه كان التجسيد الحقيقي لمنهج السماء في مكافحة الفقر قبل أن يصبح حاكماً وبعد أن أصبح حاكماً لأكثر من خمسين دولة بجغرافية اليوم. وثالثاً: لأنه خلف أعظم الوثائق والحكم والحلول النظرية والعملية المكتوبة لمشكلة الفقر. وإليكم التفاصيل: ان الفقر يعد أحد أهم التحديات التي واجهت البشرية على مر التاريخ، ويشكل هو والجهل والمرض وانعدام الأمن (السياسي والاجتماعي وغيرهما) الاضلاع الأربعة للتخلف والشقاء البشري، ولايزال الفقر يشكل الظاهرة الأخطر والهاجس الأكبر للبشرية رغم كل التطور العلمي وكل المخططات الاقتصادية المحلية والدولية، وقد كتب رئيس البنك الدولي (من بين 6 مليارات بشر يوجد 2.8 مليار إنسان يعيشون بأقل من دولارين باليوم، ويوجد 1.2 مليار بشر يعيشون بأقل من دولار لليوم ومن كل مائة رضيع يموت ستة قبل أن يبلغ السنة الأولى.. أما الأطفال الذين بلغوا سن المدرسة فإن 9 ذكور و14 أنثى من بين كل مائة طفل لا يدخلون الابتدائية. ولأن معادلة الفقر معقدة جداً ومتداخلة مع كافة مناحي الحياة الأخرى: السياسية، والاجتماعية، والدولية، الفردية والعائلية، النفسية والفكرية والروحية، القانونية والحقوقية والدينية ولأن كل عامل من تلك الدوائر (السياسية، الإجتماعية … الخ) يؤثر في تحقق الفقر وبالعكس الفقر يؤثر في كل تلك العوامل، لذلك عجز البشر عن التوصل إلى حل متكامل لمشكلة الفقر. وكان (الإله) الحكيم المحيط القادر هو القادر على ذلك لمعرفته المطلقة بكافة مكونات وأنماط ثلاثي: البشر – الثروات - النظم والمناهج. لذلك فإننا حاولنا أن نتعرف على حل مشكلة الفقر على ضوء التعالية الإلهية، التي أرشد إليها القرآن الكريم وكلمات رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وننطلق من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام باعتباره: 1- الأعرف بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنهج السماء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أعلمكم علي)36 . 2- ولأنه خلف لنا في أحاديثه وكلماته وخطبه خاصة عهده لمالك الأشتر: خطوطاً عريضة ترسم استراتيجية واضحة المعالم لمكافحة الفقر على مدى التاريخ. 3- ولأنه تميز بالمعاناة الشخصية. فقد ولد في بيئة فقيرة.. ذاق فيها طعم الفقر الشديد.. فكان ان احس بعمق مأساة الفقراء. 4- كما تميز عليه الصلاة والسلام بخبرة شمولية عميقة فقد عاشر رسول الله صلى الله عليه وآله .. فترة الفقر الشديد.. ثم فترة الثروات الطائلة التي انهالت على رسول الله صلى الله عليه وآله .. ورأى وتعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله كيف يتعامل مع الفقر؟ وكيف يتعامل مع الغنى؟ وكيف يوظف كل ذلك لوضع وصفة شاملة: نفسية، ثقافية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية لمكافحة الفقر. 5- ولأن معاناته استمرت فترة طويلة، وتحولت إلى ممارسات عملية ميدانية لمكافحة الفقر. فعندما تزوج، عاش حياة الفقراء مع زوجته الصديقة الطاهرة.. فكان أحياناً يرهن درعه ليقترض 3 اصوع من الشعير لقوت يومه. وقد عمل وكد وكدح.. في التجارة والزراعة.. ثم عندما انهالت عليه الثروات كان له ذلك المنهج الشمولي المتميز في مكافحة الفقر والذي كان من بنوده (الضمان الاجتماعي) و(التكافل الاجتماعي) وغير ذلك – مما سيأتي بيانه- فكان ان وظف كل ثرواته لمكافحة الفقر. 6- وتميز بمثابرة استثنائية وبإرادة جبارة لمكافحة الفقر فعندما فرضت عليه الإقامة الجبرية لمدة 25 سنة لمعارضته للدكتاتورية وللإنقلاب على منهج رسول الله صلى الله عليه وآله .. كان يقضي وقتاً طويلاً في استصلاح الأراضي.. وفي تثقيف وتربية الناس في مختلف الأبعاد. 7- وتألق أكثر عندما أضحى حاكماً على إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، فقد وضع منهجاً اقتصادياً –نظرياً- وطبقه علميا فتحولت البلاد إلى جنة لا يرى فيها فقير واحد - في أقل من 5 سنوات - حتى قال هو عليه السلام: (ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع)37 وحتى ان افريقيا لم يُعد بها فقير واحد كما يذكر المؤرخون38! ويعكس عهده لمالك الأشتر جانباً من منهجه الاقتصادي المتميز والمبتكر في مكافحة الفقر. والأن لننطلق معاً لنتلمس بعض ملامح الأسس التي وضعها الإمام علي عليه السلام لمعالجة ظاهرة الفقر، وبعض معالم استراتيجيته الخالدة: الحلول الإستراتيجية والحلول تنقسم إلى قسمين: حلول ترتبط بالبنية التحتية أو المنهج العام أو الأرضية التي تعد حاضنة لمشكلة الفقر، وهي حلول تحول دون تولد الفقر مما يصطلح عليه بـ (الدفع) وحلول تعالج الفقر بعد حدوثه مما يصطلح عليه بـ (الرفع). 1- الالتزام باتباع فلسفة الله في الكون وهي ببساطة التجاوب والتفاعل مع قوله تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)39 فكل الثروات لكل الناس وهذا يعني ان الدولة لا تملك: الأراضي والمعادن، والبحار والأجواء، ... بل هذه كلها للناس مباشرة فمن حاز شيئاً كان له وعلى الدولة ان تنظم فقط هذه العملية. وهذا يعني ببساطة أن تكاليف هائلة جداً ترفع عن اكتاف الفقراء، فلكي يمتلك الفقير مسكناً لا يحتاج إلى شراء الأرض إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (الأرض لله ولمن عمرها)40 بل يملكها بالحيازة فلا يتحمل إلا نفقات البناء فقط. 2- يوجه ذلك أكبر ضربة للغلاء والتضخم إذ وفرة العرض تسبب الرخص خاصة وفرة العرض بهذا الشكل الكبير. 3- زيادة قدرة الفقراء على الاستثمار فإن رأس المال الذي يحتاجه ذوو الدخل المحدود لأن يبني مزرعة أو أن يربي الدواجن أو أن يرعى الأغنام والأبقار وغيرها سينخفض بنسبة هائلة، إذ لا يحتاج في توفير أرض المزرعة أو أرض الرعي، إلى أن يدفع أي مبلغ للدولة وكذلك لا يحتاج في أن يبني معملاً إلى توفير قيمة شراء الأرض أو توفير قيمة شراء مواد البناء بل كل ذلك له مجاناً فله أن يستقطع من الجبار أو من أشجار الغابة أو من المعادن: الجص وغيره، وهذا المنهج هو الذي طبقه الإمام علي عليه السلام في دولته الواسعة الشاسعة، فكانت الأراضي مباحة للجميع وكذا الغابات وغيرها وبالمصطلح الفقهي فإن (الأنفال) – وهي شطوط الأنهار وسيف البحار وقمم الجبال وبطون الوديان وغيرها كانت كلها مباحة للناس: والمهم أن ينطلقوا ويبنوا ويزرعوا ويستثمروا دون أن يدفعوا فلساً لشراء ما خلقه الله بالأصل لهم، ودون أن يمروا بأي روتين إداري، ودون أن يدفعوا ضريبة لمجرد أنهم بنوا داراً أو معملاً أو مزرعة! ألم يقل تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)! 2- الأولوية المطلقة للإعمار والتنمية والاستثمار في البنية التحتية إذ كان من منهجه عليه السلام أنه سن قانوناً يقضي: أن الأولوية المطلقة هي للاعمار والتنمية والإنتاج، وليس للضرائب! وهذا نص القانون الذي أصدره لمالك الأشتر الوالي من قبله على مصر: (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج)41 وعلل ذلك بتعليل يكشف عن النظرة الاستراتيجية الثاقبة والرؤية الاقتصادية الشاملة (لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً)42. فالحكومات تخطأ عندما تركز على الضرائب مرتين، مرة بتحطيمها قدرة المزارعين وصغار المستثمرين على الإنتاج، فيزيد ذلك من نسبة الفقراء أولاً وتعود النتيجة للحكومة سلباً إذ سوف تتناقض نسبة الضرائب التي ستحصل عليها أوتوماتيكياً، ومرة لأن التركيز على الضرائب (يهلك العباد): أ- ويسبب الاضطرابات الاجتماعية التي قد تنتهي بثورات دموية تحرق الأخضر واليابس وتزيد الوضع الاقتصادي سوءً على سوء. ب- كما يسبب العديد من الامراض الناجمة من الضغوط النفسية التي يواجهها المزارعون وصغار المستثمرين نظراً لضغط الدولة على الضرائب. وكذلك الأمراض التي تنجم عن عدم قدرتهم عندئذ على توفير مقومات العيش بسلامة.. والأمراض تعني مزيداً من الفقر ومزيداً من الحرمان. ج- كما يسبب التركيز على الضرائب تضاؤل قدرة الفقراء ومحدودي الدخل على: التعليم والتعلم، وعلى توفير مستلزمات الحياة الكريمة، وغير ذلك، مما ينعكس بدوره سلباً على الاقتصاد. وقد سبق الإمام علي عليه السلام بأكثر من ألف و350 عاماً عدداً من أبرز اقتصاديي التنمية الذين ذهبوا إلى أن (الوصول إلى معدل استثماري يصل إلى 25% أو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، لعدة سنوات متصلة، يقضي على الركود والتخلف ويسبب انطلاق الاقتصاد وهذا هو ما يراه البنك الدولي أيضاً من أن تدفق الاستثمارات والأموال يحل المشكلة. (راجع www.siironline.org) ومنهج الإمام علي عليه السلام إضافة إلى أسبقيته، فإنه أكثر تطوراً بكثير إذ لا يحدد الإمام نسبة 25% أو 30% بل يفتح الباب على مصراعيه للاستثمار في البنية التحتية لتوفير ليس الحاجات الأساسية فحسب بل الكمالية أيضاً. 3- ترشيد الإنفاق كما كان (ترشيد الإنفاق) في حكومة أمير المؤمنين عليه السلام من أهم أسس سلامة الاقتصاد وطرق القضاء على الفقر. ولذلك عشرات النماذج والأمثلة التي تعكس مدى دقة الإمام في وضع قوانين تحول دون التفريط حتى في الدرهم من حقوق الناس.. ومن الواضح أن ذلك لو كان هو المنهج العام لتم توفير المليارات من الأموال التي تبذر هنا وهناك، والتي تبدو مجرد قطرات وذرات وأموالاً تافهة إلا انها تشكل بمجموعها ميزانية ضخمة كان ينبغي أن تصرف في تنشيط اقتصاد البلاد وتكامل البنية الإقتصادية التحتية ورفع العوز عن المعوزين. ومن الأمثلة: إطفاء الإمام السراج- وكان من أموال بيت المال أي أموال الحكومة بمصطلح اليوم- عندما جاءه شخص ليتحدث في أمر شخصي. وكان يقارب بين السطور في رسائلة. وكان ان أصدر قراراً عاماً لعماله (ادقوا أقلامكم وقاربوا بين سطوركمً)43. ومن قراراته أيضاً: (واحذفوا عني فضولكم واقصدوا قصد المعاني)44 وذلك يعني الاقتصاد في وقت الحاكم والاقتصاد في وقت العمال والموظفين، والوقت له قيمته الكبرى، ومجموعة هذه الأوقات تشكل ثروة هائلة للبلاد لو صرفت في القضايا الإستراتيجية والأهم والأساسية (واقصدوا قصد المعاني) لا في الهوامش وترف القول (واحذفوا عني فضولكم). 4- الضمان الإجتماعي وكان الضمان الإجتماعي من أهم الأسس التي وصفها الإسلام وقام بتنفيذها الإمام علي عليه السلام للقضاء على الفقر، ومن القوانين التي شرعها الإمام علي عليه السلام في هذا المجال ما ذكره في عهده لمالك الأشتر «ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى (شدة الفقر) والزمنى (ذوي العاهات) فإن في هذه الطبقة قانعاً (وهو السائل) ومعتراً (وهو المتعرض للعطاء بلا سؤال) واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك من غلات (أي الثمرات) صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى مثل الذي للأدنى وكل قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم بطر (الطغيان بالنعمة)»45. والضمان الإجتماعي يشمل حتماً الأقليات من الأديان الأخرى فمثلاً أجرى الإمام علي عليه السلام راتباً من بيت المال لذلك الشيخ المسيحي الذي فقد فرصة العمل. - وأقر الإسلام على بيت المال دفع أي دين للعجز المدين عن دفعه. - كما أقر على بيت المال تكفل نفقات أية زوجة لا يقدر زوجها على الإنفاق عليها، أو أي ابن لا يقدر أبوه على الإنفاق عليه أو أي أب لا يقدر ابنه على الإنفاق عليه. 5- التوازن بين الريف والحضر في التخطيط الاقتصادي فإن من أكبر أسباب اللاتوازن الاقتصادي وشيوع الفقر ان الحكومات تميل إلى مساعدة المدن على استغلال الأرياف مما يسبب نزوح الكفاءات والخبرات من الأرياف للمدن نتيجة وجود فرص عمل أكثر، وراحة ورفاهية ومغريات أكثر في المدن، ويسبب ذلك كله ضعف الإنتاج الزراعي وشبهه وزيادة نسبة الفقر في الأرياف، وتخلف الأرياف علمياً وثقافياً أيضاً مما ينعكس بدوره على الاقتصاد. والإمام علي عليه السلام كان أول داعية لإيجاد التوازن بين القرى والأرياف إذ يقول في عهده لمالك الأشتر «فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعيت حقه»46 أي ان الحقوق الاقتصادية التي للأقصى – وهم أهل الأرياف والبوادي- مثل الحقوق التي للأدنى – وهم الحضر (وكل قد استرعيت حقه)47 فالحاكم مسؤول عن كلا الحقين ولا يجوز له أن يفرط باي منهما. كما قال: «وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم»48 فالعناية بالريف هي سبب أساسي في الحفاظ على اقتصاد سليم متطور. 6- التكافل الإجتماعي وقد أرسى الإمام علي عليه السلام دعائم التكافل الإجتماعي حيث ان الإسلام قد وضع أسس التكافل الإجتماعي في أبعاد عديدة ويعد ذلك من أهم عوامل مكافحة الفقر إضافة إلى كونه عامل استقرار اجتماعي. - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع)49 و(وليس بمؤمن من بات شبعاناً وجاره جائع)50. يقول الإمام الشيرازي في الفقه الإقتصاد ج107 من موسوعة الفقه ص298: (هذا الحديث إما اخلاقي يراد به الإيمان الكامل أو فقهي يراد به مع الضرورة كما في عام المخمصة حيث له أن يأخذ قدر حاجته الضرورية مع البدل وأن لم يستطع فالبدل والضمان على بيت المال). ويقول إذ اقترض فإنه مسؤول عن التسديد إلى سنة وإن لم يستطع فعلى بيت المال. - وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)51 ومن أبرز مصاديق البر (أو اطعام في يوم ذي مسغبة*يتيماً ذا مقربة*أو مسكيناً ذا متربة)52. - وأقر الإسلام قانون تكفل الزوج لكافة نفقات الزوجة. - كما قرر تكفل الأب لكافة نفقات أولاده ماداموا محتاجين. - كما قرر تكفل الابن كافة نفقات والديه ما داموا محتاجين. وذلك كله يعني محاصرة الفقر من كافة أطرافه فإن الزوجات والآباء والأبناء يشكلون أكثرية المجتمع.. وكان ذلك كله مطبقاً في حكومة الإمام علي عليه السلام. راجع كتاب أمير المؤمنين شمس في أفق البشرية والفقه: الاقتصاد لسلطان المؤلفين آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي والسياسة من واقع الإسلام لآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي. 7- معايير وضوابط للمسؤولين الاقتصاديين كما أن الإمام علي عليه السلام وضع أسساً وضوابط دقيقة هامة لكافة من يدير الشأن الإقتصادي في البلاد: من حاكم ووال (وذلك يعني أيضاً كل من له صلاحيات اتخاذ قرارات مصيرية في شأن اقتصاد الناس مثل: رئيس البنك المركزي). ومن الضوابط: 1- أن لا يكون بخيلاً، (ومن الواضح أن البخيل يميل إلى ملأ خزائن الدولة ورفع نسبة (الاحتياطي) –وإن فلسفها بفلسفة اقتصادية!- بل و يحاول عرقلة أية طريقة تهدف إلى بذل الأموال للناس فهو يعادي التأمين الصحي ويعارض زيادة الإنفاق على التعليم بل و يسعى دوماً لتقليص نسبة ميزانية كافة الأمور الإنسانية لصالح زيادة ميزانية الأسلحة! (الحكومة الأميركية الحالية مثالاً والكثير من حكومات الدول الإسلامية نموذجاً). 2- أو غير خبير بأرقى المستويات. 3- أو جافياً. 4- أو حائفاً للدول (أي ممالئاً ومتعاطفاً مع شركة أو منظمة أو حزب أو شخص). 5- أو مرتشياً، وواضح أن المرتشي، يحابي الأغنياء على حساب الفقراء فبدل أن يعطي مناقصات الدولة –مثلاً- للشركة أو للجهة التي تقدم أفضل الإنتاج وبأرخص الأسعار، يعطي المناقصة للجهة التي تقدم له مالاً أكثر أو دعماً سياسياً أو ما أشبه، وإن كانت غير الأفضل مما يعني ضربة مزدوجة للاقتصاد وللفقراء. يقول الإمام عليه السلام: (وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين: البخيل فتكون في أموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم ولا المرتشي في الحكم)53. 8- تكريس مبدأ المسائلة والمحاسبة كما كرس الإمام علي عليه السلام مبدأ المسائلة والمحاسبة والشفافية بل وفتح باب عزل الحاكم فيما إذا خرج عن المنهج الإقتصادي أو السياسي السليم الذي يعطي الناس حقوقهم. وقال عليه السلام: (ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والأمانة عليهم)54. وهذا من أهم الفروق بين الإسلام وبين الحكومات المستبدة ففي الإسلام وعلى ضوء منهج الإمام علي عليه السلام فإن (العيون والجواسيس) يكونون على الحكام والمدراء ومسؤولي الاقتصاد، لصالح الناس، اما في الحكومات المستبدة فإن العيون والجواسيس توضع على الناس لخنق أنفاسهم لصالح الحكام والولاة والمسؤولين! ولنقرأ كامل القانون العلوي عليه السلام كما عهده للأشتر «ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فإن تعاهدك في السر لأمورهم، حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية، وتحفظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة»، وههنا كلام طويل في التعليق على فقرات هذا الحديث العظيم نتركه لمجال آخر. 9- تنشيط حركة الأموال ونسف كنـزها كلما تحركت رؤوس الأموال أكثر، كلما تنشط الإقتصاد وتوفرت السيولة بيد الناس وتمت معاملات أكثر وانخفض التضخم.. أما الكنز فهو يجمد الأموال والثروات أولاً وهو يقلل ويبطيء من دورات رأس المال ثانياً، ولذلك حاربه الإسلام بشدة. قال تعالى: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)55. وليست حرمة الكنز منحصرة في الذهب والفضة بل هما من أبرز الأمثلة والمصاديق على ذلك والدول الآن تقوم بهذه العملية الخطيرة: الكنز وتكديس الاموال باسم (الاحتياطي) حيث تتجمد المليارات بل مئات المليارات والأشكال مضاعف باعتبار ان هذه الأموال الضخمة هي بيد بيروقراطية إدارية. بينما نجد في المنهج الإقتصادي للإمام علي عليه السلام: يجب أن تعطى كل الأموال التي تجبى من الضرائب أو غيرها، للناس فوراً، ولذلك لم يكن يستبقي أموال بيت المال حتى ليوم بل كان يوزعها نفس اليوم وكان يكنس بيت المال في نفس اليوم. وهذا يعني أن كل هذه الأموال تصب في جيوب عامة الناس والفقراء خاصة مما يحد من نسبة الفقر بشكل كبير أولاً ثم يرفع من سرعة حركة ودورات رأس المال إضافة إلى تأثيره الإيجابي الآخر على وضع الدولة والناس إذ أن اعطاء الأموال كلها للناس يوفر لهم فرصاً أكبر لاستثمار الأرض- بالبناء والزراعة والرعي وتشييد المصانع- والمعادن وسائر الثروات مما يعني وارداً أكبر للناس ومما يعني وارد اً أكبر من الضرائب للدولة التي تصب مرة أخرى في جيوب الناس. وهكذا نجد أن صب الاحتياطي الفدرالي وغيره بيد الناس يوفر إمكانية هائلة مباشرة وغير مباشرة للقضاء على الفقر ويزيد من رصيد وقوة الدولة والشعب لأنه يرفع من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير وهذا هو (الاحتياطي الحقيقي الفاعل) وهذا هو الذي يشكل الخلفية الإقتصادية الأكبر لدعم العملة. ولقد كانت ضرورة تنشيط حركة راس المال وتسريع دورانه، من الأسباب الرئيسية التي كانت وراء القرار الذي اتخذه رسول الله محمد المصطفى صلى الله عليه وآله، عندما حول نظام تبادل البضائع إلى النظام النقدي وجعل المقياس الذهب والفضة كما ثبت قيمة العملة أيضاً (قرر: مثقال الذهب=دينار، مائة دينار=جمل) وواضح أن النظام النقدي ووجود واسطة سهلة الحمل والنقل والتداول وصالحة لأن تتحول إلى كل بضاعة وبالعكس، مما يسرع حركة الأموال جداً ويقضي على التضخم وعلى بقاء حاجات كثيرة معطلة أومؤجلة وعلى فساد بضائع كثيرة عندما تكون المعاملات على معادلة: بضاعة-ببضاعة. 10- تقليص ساعات العمل لقد دعى الإسلام إلى تقليص ساعات العمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة وهذا يعني توفر مساحة أكبر للفقراء للمشاركة في الإنتاج لانتشال أنفسهم من الفقر وقد سلكت فرنسا هذا المسلك فقد قالت وكالة الاحصاء القومية ان (قانون العمل) الذي قلص ساعات العمل من 39 ساعة بالأسبوع إلى 35 ساعة اتاح 350 ألف فرصة عمل منذ بدأ تطبيقه عام 1998 حتى 2002 علماً بأن توقعاتهم كانت توفير 600 ألف فرصة عمل وكانت حسب الأسوشيتد برس نسبة البطالة هي 10%. لكن البرلمان الفرنسي الذي يسيطر عليه المحافظون عدل القانون بعد ذلك. والنقص في قانون العمل الفرنسي أنه لم يستطع علاج المشكلة بأطرافها أي انها كانت مفردة واحدة. المصدر CNN العربي 25-6-2006. والإمام علي عليه السلام دعى إلى تقليص ساعات العمل عبر طرق عديدة. منها: التحريض على الخروج مبكراً من السوق. ومنها: الالتزام بالصلوات في أوقاتها مما يعني الخروج من السوق لمدة جيدة مرتين أو أكثر يومياً. ومنها: التحريض على تخصيص قسم جيد من الوقت: للعبادة –وللعائلة-وللأصدقاء-وللنزهة، ففي الحديث (ينبغي للعاقل إذا كان عاقلاً أن يكون له أربع ساعات من النهار، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه...)56. 11- المرونة في الضرائب: إن من أهم عوامل الفقر: الضرائب المجحفة .. وقد ذكرنا في بند آخر (ان من أسباب الفقر جعل الضرائب على الاستهلاك لا على الأرباح) وهنا نقول: ان من الحلول إضافة إلى ضرورة أن تكون الضرائب على الأرباح لا على الاستهلاك –أن يكون النظام الضرائبي مرنا، إذ يجب أن تنخفض نسبة الضرائب كلما انخفضت نسبة الأرباح وهو أمر عقلي وفي ذلك نطالع نص القانون الإنساني الذي أصدره أمير المؤمنين عليه السلام قال: «فإن شكوا» أي أهل الخراج الذين تأخذ منهم الضريبة «ثقلاً57 أو علة58 أو انقطاع شرب59 أو بالة60 أو إحالة أرض61 اغتمرها غَرَق أو اجحف بها عطش خفقت عنهم بما ترجو ان يصلح به أمرهم». ولان الإمام عليه السلام يعرف بثاقب نظره ان الولاة والحكومات يصعب عليها –بل يكاد يمتنع- أن تخفف من الضرائب، أضاف «ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من اجمامك لهم62، والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما اذا عولت فيه عليهم من بعد، احتملوه طيبة أنفسهم به فإن العمران محتمل ما حملته، وإنما يؤتى خراب الأرض من أعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لاشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر»63. 12- اطلاق حريات الناس فإن الأصل في الإسلام الحرية فقد عد الله تعالى من أهم أهداف بعثة الرسول صلى الله عليه وآله (ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم)64 وقال الإمام علي عليه السلام: (أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة وان الناس كلهم أحرار)65. وقال عليه السلام: (من توفيق الحر اكتساب المال من حله)66. وقال عليه السلام: (الحرية منـزهة عن الغل والمكر)67. وقال عليه السلام: (من أوحش الناس تبرأ من الحرية)68. فإن الحرية هي السبب الأول في النمو والازدهار الاقتصادي. ولذلك نجد الإمام الشيرازي افتى بحرمة كل ما يعمل على خفض الإنتاجية (راجع قراءات في فكر الإمام الشيرازي) وقال في الفقه العولمة: (يحرم أي قانون أو تخطيط يسبب تحجيم وتقليل الإنتاج زراعياً كان أم صناعياً، ويحرم تخطيط وتنفيذ ما يضر بالإنسان أو يخدش كرامته ولو بتقليل دخله اليومي). والحرية هي السبب الأساسي في تفتق المواهب والطاقات والإبداع مما يعني: مقدرة أكبر على ابتكار طرق وتكنولوجيا زراعية وصناعية و.. بمقدورها مكافحة الفقر بشكل أقوى وأسرع. ولهذا حديث مفصل جداً فليراجع (الفقه الحريات) للإمام الشيرازي و(الفقه الإقتصاد) و(الصياغة الجديدة) لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام)، حيث برهن أن الحريات الاقتصادية في عالم اليوم لا تصل إلى 10% من الحريات الإقتصادية في الإسلام. 13- الإشراف لا الإنتاج يجب على الدولة أن تضطلع بمهمة حفظ النظام، ومراعاة العدل، والتخطيط لازدهار الاقتصاد.. وفي المقابل فإن على الدولة أن تتجنب أن تقوم بأي دور اقتصادي يعد بديلاً عن دور الناس – شركات وأفراداً.. وعلى ذلك فإن التأميم –المقصود به ملكية الدولة للصناعات الأم، خطأ فاحش، وتدخل الدولة في الإنتاج المباشر خطأ آخر، وكل ذلك من أسباب تزايد الفقر ولذلك قال الإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الأشتر: (ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات واوص بهم خيراً.. وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك ..) وقال عليه السلام: (وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله)69. فمسؤولية الحاكم هي الرعاية وتوفير الأمن الاقتصادي والعناية بسلامة مسيرة عملية الإنتاج لا الإنتاج للسلع أو الخدمات. ولهذا البحث كلام طويل جداً فاليراجع (الفقه السياسة)، و(الفقه الاقتصاد) و(الفقه الحقوق)، و(الفقه الدولة الإسلامية)، للإمام الشيرازي وغيرها. 14- محاربة كافة أنواع الفقر إن هناك أسباباً كثيرة تخلق الفقر مباشرة أو بالواسطة كتلك التي ترفع الأسعار وتوجب الغلاء وبالتالي تسبب ارتفاع نسبة الفقراء، وزيادة درجة فقرهم. وهذه مجموعة من اهم تلك العوامل المباشرة وغير المباشرة: 1- تملك الدولة لمصادر الثروات الطبيعية الأراضي، المعادن، الغابات، البحار وثرواتها وواضح أن ذلك يسبب الفقر والحرمان مباشرة، والغلاء معاً فإن الأرض وغيرها لو كانت متاحة ومجانية للكل فإن مجموعة تكاليف هائلة تسقط عن كاهل الفقراء فتنخفض نسبة الفقر بشكل دراماتيكي، كما تتوفر للفقراء مصادر جديدة هائلة للإثراء. وحسب الإسلام فإن كل تلك مملوكة لله ثم هي للناس عامة ولا حق للدولة بأن تمنع أحداً من امتلاكها. قال تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)70. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من سبق إلى ما لا يسبقه إليه المسلم فهو أحق به)71. وقد أطلق الإمام علي عليه السلام للناس حرياتهم وإعطاهم مطلق الحق في أن يزرعوا ما شاؤوا من الأراضي أو يبنوا ما شاؤوا أو يرعوا حيثما شاؤوا أو يرعوا حيثما شاءوا أو أن يستثمروا ويحوزوا كما شاءوا من الغابات والمعادن وغيرها72. 2- كثرة الموظفين فإن أي موظف زائد يشكل عبئاً على الفقراء حيث يعيش دون إنتاج ويستهلك وهذه مشكلة عامة في الدول الديمقراطية وغيرها ومن الأمثلة: 1- الألوف من الموظفين العاملين في الاستخبارات. 2- الألوف من الموظفين العاملين في دوائر الجوازات والحدود. 3- الألوف من الموظفين العاملين في كافة ما يقيد حريات الناس. 4- الالوف من الموظفين الذين جاءت بهم البيروقراطية والروتين الإداري ونجد أن الإمام علي عليه السلام قام بأمر مدهش في مجال القضاء على تضخم الموظفين حيث أنه وبتخطيط استراتيجي شامل ومتكامل سياسياً-اقتصاديا-إدارياً، استطاع أن يحكم العدل في الكوفة ذات الأربعة ملايين نسمة، بقاض واحد! (وقارن ذلك بالألوف من القضاة وأعوانهم وحجّابهم وكتّابهم في دولة الفرس والروم ذلك اليوم وفي دول عالم اليوم، الديمقراطي منها والدكتاتوري!) كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله اكتفى بعد أن فتح مكة بأن نصب شخصاً واحداً حاكماً على مكة اسمه عتاب رغم ان مكة كانت عاصمة مناهضة للرسول طوال عقود وكانت تعج بالمعارضة المسلحة! (لمعرفة أسباب المقدرة على تحقيق ذلك راجع: الصياغة الجديدة لعام لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام- والفقه: الدولة الإسلامية، والفقه القضاء للإمام الشيرازي وكذلك كتاب (دولة الرسول) للدكتور القزويني. 3- سباق التسلح إن الأسلحة تستهلك سنوياً مئات المليارات من الدولارات فمثلاً حسب تقرير معهد أبحاث السلام فإن النفقات العسكرية العالمية عام 2004 تجاوزت الف مليار دولار وفي عام 2006-قاربت ألفين وثمانمائة ملياراً أي ترليونين و800 مليار دولار،ومن البديهي أن هذه الأموال التي كان يجب أن تصرف على توفير الحاجات الأساسية للناس، صرفت على أدوات وأجهزة وأسلحة الهلاك والدمار وللاسلحة مفعول سلبي مزدوج فهي : 1- تثقل كاهل الناس إذ توفرها الحكومة من الضرائب مما يشكل عبئاً إضافياً على الفقراء، أو أنها تستقطعها من وارد الدولة من الثروات الطبيعية كالنفط وهذا يعني سرقة أموال الناس لمجرد تعزيز القوة وللمزيد من السلطة والدكتاتورية. 2- ثم الأسلحة من الواضح أنها ستجد مجراها للحروب، بل يخطط تجار الأسلحة والدول أيضاً لإثارة حروب ولو بالوكالة، كي تباع تلك الأسلحة، والحرب هي الدمار الشاملة وواحد من أهم أسباب فقر الشعوب. وقد أوضح الإمام الشيرازي ان الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف يعيد الأسلحة، إلى الأسلحة البدائية كالسيف والرمح مما يعني أولاً صب كافة الأموال التي تتوفر من ذلك –وهي كما شاهدنا مات المليارات-، في جيوب الناس والفقراء وما يعني ثانياً: تضاؤل أخطار وأضرار الحروب –الاجتماعية والاقتصادية- إلى الأقل من الواحد بالمائة ألف! (راجع كتابه عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف). 4- سرقات الحكومات والسرقة قد تكون مقنعة73 ، وقد تكون غير مقنعة ، ولهذا البند حديث طويل يترك لمحله. ونكتفي بالمثال التالي: فقد احتج تلميذ الإمام علي عليه السلام أبو ذر الغفاري على معاوية عندما بنى لنفسه قصراً بأربعة ملايين دينار ذهبي فقال له: إن كنت بنيت قصرك هذا بأموال الله فقد اجترحت اثماً وارتكبت حراماً وان كنت بنيته بأموالك فقد أسرفت! 5- سوء توزيع الثروات العالمية فإن الله تعالى هو خالق الأرض كلها وهو خالق البشر كلهم وقد جعل الأرض بثرواتها كلها للبشر بأجمعهم وصرح قائلاً: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)74، فـ (ما في الأرض جميعاً) هو (لكم) جميعاً.. لكن البشر لجهلهم جزؤوا العالم ووضعوا الحدود الجغرافية فكان ان اتخم بلد بالثروات وناء بلد تحت ضغط الحاجة. وللحدود الجغرافية ضرر مزدوج فهي من جهة حرمت البلاد الفقيرة من ثروات كانت لهم فيها حصة حسب القانون الإلهي وهي من جهة منعت التبادل التجاري الحر بين البلاد وكانت وراء وضع الجمارك مما اضر بفقراء كل البلدين. ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وآله ألغى الحدود الجغرافية بين الدول التسع التي خضعت لحكومته.. وألغى الإمام علي عليه السلام الحدود الجغرافية بين الدول الخمسين التي خضعت لحكومته.. وسيلغى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الحدود الجغرافية بين كافة دول العالم عندما يظهر في آخر الزمان فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً (اللهم عجل لوليك الفرج والعافية والنصر، آمين رب العالمين). 6- القمار قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما)75. فإنه سبب أساسي لتدمير النسيج الإجتماعي للفقراء ولتحطيم الحياة العائلية مما ينعكس سلباً على الإنتاج أولاً ثم انه عملية استهلاك خالصة فليس المقامر بمنتج بل يعيش على أكتاف الآخرين وتفصيله في الكتب المتخصصة. 7- الرشوة والفساد المالي قال الإمام علي عليه السلام: (إنما هلك من كان قبلكم انهم منعوا الناس الحق فاشتروه، واخذوهم بالباطل فاقتدوه)76 وقال: (لا ينبغي أن يكون الوالي... المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع)77. فإن الرشوة تزيد الفقراء فقراً، وأنه زيف واستغلال وفساد وإفساد، فإن المرتشي يستغل حاجة الطرف الآخر فقيراً كان أم غنياً مما يزيد نسبة الفقر أو درجته في الصورتين وأما الأغنياء فإنهم يعوضون خسائرهم من الرشوة بزيادة قيمة منتجاتهم وبضائعهم. 8- الاحتكار قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)78 وقال الإمام علي عليه السلام في عهده للأشتر: (فامنع من الاحتكار فإن رسول الله منع منه وليكن البيع سمحاً بموازين عدل واسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع)79 ولهذا حديث طويل يترك لمحله. 9- الربا قال الله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)80 .. وقال الإمام علي عليه السلام: (معاشر الناس الفقه ثم المتجر والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا)81 وهو إشارة لتحريم الربا المقنع او الاحتيال في الربا كما في مثال علبة الكبريت!! إنّ من أهم أسباب الفقر، الربا، فإن المقترض: أ- اما ان يقترض لحاجة ماسة كما لو احتاج إلى عملية جراحية أو علاج ولا يملك المال الكافي، أو يحتاجه لزواج ابنه أو لتسديد دين آخر او لدفع غرامة أو ضريبة. ومن الواضح ان هذا الإنسان يعد من ذوي الدخل المحدود وان وارده بالكاد يفي باحتياجاته الأولية، فأخذ الربا منه حتى ولو بنسبة منخفضة يعني تشديد الضغوط عليه وزيادتهم فقراً على فقر أو تحوله من الطبقة المتوسطة إلى طبقة الفقراء. ب- واما أن يقترض للتجارة أوالتوسع في التجارة. ومن الواضح ان أخذ الربا منه ينتهي إلى تشديد الضغط على الفقراء، فإنه لكي يعوض نسبة الربا المفروضة عليه يضطر إما لتخفيض أجور العمال (وهم عادة من ذووي الدخل المحدود) واما لزيادة قيمة منتجاته مما ينعكس سلباً على الفقراء أيضاً. ثم ان الربا يخلق شريحة غير منتجة إذ ان كثيراً من الناس سيدفعهم هذا الاثراء السهل إلى التحول إلى مرابين –بدءاً من مستوى القرية وانتهاء بالمستوى العالمي- ومما يعني خلق شريحة غير منتجة بل شريحة تعتمد في إثراءها على مص دماء الآخرين مما يسبب ازدياد الهوة بين الأغنياء والفقراء فيزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً وهذا بدوره يسبب سلسلة من الاضطرابات الاجتماعية على المدى القصير والبعيد، فعلى المدى القصير من الواضح أن الضغط الاقتصادي على الفقراء يحطم حياتهم العائلية ويزيد من مرض الكآبة بل من إمكانية شتى الأمراض ويسبب تدهور الأعصاب مما ينعكس كل ذلك على الإنتاج مباشرة ويزيد الفقراء فقراً من عدة جهات. وقد توصلت اليابان إلى الأضرار الكبيرة للربا فخفضت نسبة الفائدة إلى أن أوصلتها إلى قريب من نسبة الصفر ثم أوصلتها إلى الصفر في شهر 6 أو أواخر شهر 7 حسب مجلة نيوزويك وغيرها، وفي الإتجاه المعاكس فإن تحريم الربا يدفع للإنتاج الواقعي المثمر: المزارعة-المضاربة-البناء وما إلى ذلك. وبتعبير آخر فإن الربا يحول النقد من واسطة سليمة لتبادل البضائع إلى (بضاعة كاذبة). وإلى بعض ما سبق، وغيره أشار الإمام الصادق عليه السلام (عندما سأله هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن علة تحريم الربا؟ فقال: أنه لو كان الربا حلالاً لترك الناس (والمقصود كثير من الناس) التجارات وما يحتاجون إليه فحرم الله الربا لتنفر الناس عن الحرام إلى التجارات وإلى البيع والشراء فيتصل ذلك بينهم في القرض)82. 10- إفساد البيئة من أهم أسباب الفقر الإضرار بالبيئة وقد حذر الله من ذلك بقوله (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)83. وإفساد البيئة عامل تتعاون فيه الحكومات والشعوب. فالحكومات هي السبب الرئيس في إفساد البيئة، ومن الأمثلة على ذلك رفض أميركا للدخول في اتفاقية كيوتو للحد من انبعاث الغازات السامة التي تسبب أضراراً بليغة بطبقة الأوزون، ومثال المعمل النووي في الإتحاد السوفياتي السابقة (شرنوبيل)، وغير ذلك. والشعوب مسؤولة أيضاً. وواضح أن افساد البيئة يزيد الفقراء فقراً كما يسبب تحول مجاميع كبيرة من الطبقة المتوسطة إلى الفقراء إذ فساد البيئة من أهم أسباب الأمراض والأمراض من أهم اسباب الفقر لأن المرض أ- يسقط العامل عن العمل والإنتاج فتحرم الأسرة من عائلها. ب- ويضع تكاليف هائلة على أكتاف الأسرة، مما لا تستطيع حتى الأسر المتوسطة في كثير من الأحيان تحمل ذلك. وفساد البيئة يضر بالانتاج الزراعي أيضاً مما ينعكس سلباً على الفقراء. للتفاصيل راجع الفقه البيئة للإمام الشيرازي). 12 - الاسراف والتبذير قال تعالى: (إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين)84 وقال الإمام علي عليه السلام: (التبذير عنوان الفاقه)85 وقال: (من افتخر بالتبذير احتقر بالافلاس)86 وقال: (كن سمحاً ولا تكن مبذراً، وكن مقدراً ولا تكن مقتراً)87. 13- التطفيف والغش قال تعالى: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)88. وقال الإمام عليه السلام: (لا ظهر البخس في الميزان إلا وظهر فيهم الخسران والفقر)89. وقال تعالى: (فاوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)90 وهذا ما يقوم به التجار والدول أيضاً الآن وهو من أسباب الفقر لأن التطفيف في الميزان ينعكس سلباً على الطبقة محدودة الدخل بشكل مباشر وكما التطفيف، كذلك الغش فإنه يضغط على الفقراء مباشرة وقد نهى الإمام الباقر عليه السلام هشام من أن يبيع السابري (وهو نوع قماش ثمين) في الظلال وقال عليه السلام: (يا هشام إن البيع في الظلال غش والغش لا يحل)91. ومن ارشادات الإمام الصادق عليه السلام: (ولا تكتم عيباً يكون في تجارتك ولا تغبن المسترسل فإن غبنه لا يحل ولا ترض للناس إلا بما ترضى لنفسك واعط الحق وخذه ولا تخن ولا تخف)92. وواضح أن عدم كتمان العيب وعدم غبن البسطاء، له أثر مباشر في تخفيف الضغط على الفقراء وله أثر غير مباشر من حيث اشاعته الثقة بين الناس مما ينعكس إيجاباً على العلاقات الإجتماعية ويخفف بؤر التوتر والاضطراب الاجتماعي مما يوفر الأرضية لاقتصاد مستقر مزدهر إضافة إلى أنه يسبب محاولة الجميع الاتقان في الإنتاج –بدل الغبن والتطفيف- مما يحسن الجودة فتطول اعمار المنتجات فيقل الضغط على الفقراء لعدم اضطرارهم لشراء البضاعة من جديد بعد فترة قليلة نظراً لخرابها أو تعطلها أو ما أشبه. 14- تزوير العملة فإنه من أسباب الغلاء والفقر لأن طباعة النقد والعملة أكثر من الخلفية الاقتصادية الحقيقية له من اسباب التضخم ولذا نجد الإمام الكاظم عليه السلام نظر إلى دينار فلما شاهد أنه مغشوش أخذ بيده ثم قطعه نصفين وقال ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء في غش. وكان في ذلك رسالة مهمة لكل من يقوم بعملية تزوير العملات. 15- جعل الضرائب على الاستهلاك وهذا خطأ فادح وقعت فيه حكومات عالم اليوم، بينما الإسلام يضع الضرائب على الفائض من الأرباح فإن الضريبة على الاستهلاك يضغط على الفقراء بشدة ويزيدهم فقراً إلى فقر فإننا نجد أن الضريبة تجعل على كل بضاعة فكلما يشترى من السوبر ماركت أو السوق ضريبته معه مما يشكل أكبر العبيء على الفقراء. أما ضرائب الإسلام وهي الخمس والزكاة مثلاً فلا تؤخذ إلا إذا فاض عن احتياجات الشخص (من مأكل و ملبس ومشرب ومركب ومسكن وزواج و سفر ونزهة على حسب شأنه وشبه ذلك) فائض فيؤخذ منه الخمس بعد سنة كاملة. 16- اغراق الأسواق وقد حرم الإسلام ذلك لأنه يسبب الأضرار بالإقتصاد الوطني وهو يعد منافسة غير عادلة ويسبب إغلاق المصانع وتسريح العمال واضطرابات اجتماعية وسياسية كما يسبب خفض الانتاج الوطني لذلك أفتى سلطان المؤلفين الإمام الشيرازي في الفقه: المرور 176-177 بتحريمه، لقاعدة لا ضرر، والإغراق هو إحد أهم أدوات الدول الاستعمارية لتحطيم الشعوب الناهضة وهي من أهم اضرار العولمة أيضاً. وأخيراً - وصايا وحلول عامة وللإمام علي عليه السلام وصايا عامة – لو عمل بها الناس- لاقتلع الفقر من جذوره وهي تتوزع بين أخلاقية –واقتصادية- وإجتماعية- وهذه بعضها: 1- (يا معشر التجار اتقوا الله)93 .. ومن الواضح ان الخوف من الله، يردع الإنسان عن امتصاص دماء الفقراء عبر الغش والخداع والاحتكار ورفع الأسعار مما يسبب تقلص مساحة الفقر. 2- (وتبركوا بالسهولة)94 فإن أي روتين إداري أو تعقيد أو بيروقراطية، يعرقل حركة رؤوس الأموال، ويضاعف التكاليف، ويستهلك قسماً كبيراً من الأوقات ويضخم الجهاز الإداري ويزيد عدد الموظفين، ويضغط بشدة على الأعصاب والصحة –مما يسبب بدوره الامراض التي تضغط بشدة على الفقراء. فاي بيع أو شراء أو تعاقد يجب أن يتم بمنتهى السهولة وبدون روتين وتعقيد ولذا نجد أن قسماً من حكومات عالم اليوم بدأت تنحو منحى تخفيف الروتين الإداري في تسجيل الشركات وفي كافة المعاملات – وفي الإسلام: لا حاجة لذلك أبداً!! 3- (واقتربوا من المبتاعين)95 .. فإن كثرة الوسائط، تسبب الغلاء والتضخم، لأن الواسطة يعيش على رفع سقف الأسعار ليربح –ربحاً مضاعفاً أحياناً- فكلما ألغيت الوسائط كلما رخصت الاسعار وانخفضت نسبة الفقر.. وعلى الدولة أن تخطط لإلغاء الوسائط لأنها إضافة إلى ذلك تزيد من احتمالات التلاعب بالأسواق نظراً للقدرة المتمركزة الكبيرة للشركات الوسيطة. 4- (وجانبوا الكذب)96، فإن الكذب في المعاملات يعني: مزيداً من الضغط على الفقراء! لأن التاجر أو الشركة تكذب لكي تبيع المنتج بسعر أغلى أو تبيع الرديء بعنوان أنه جيد! أو ما أشبه ذلك. 5- (وانصفوا المظلومين)97 .. ففي أية معاملة يجب انصاف المظلوم قبل أن يرفع المظلوم شكوى ثم لو رفع المظلوم شخصاً كان أو شركة أو جهة –شكوى- كان على الظالم أن يتراجع فوراً وإلا فإن ذلك يعني إضافة إلى كونه انتهاكاً لحقوق الإنسان، مزيداً من الضغط على الفقراء.. لأن المحامين سيثرون على حساب الطرفين98.. ولأن الظالم أو المظلوم (حسب من هو الخاسر) سيحاول استرجاع ما بذل من أجور للمحامين وشبه ذلك، برفع الأسعار أو عدم زيادة أجور العمال.. مما يعني ضغطاً على الفقراء أيضاً. 6- (ولا تقربوا الربا)99 وقد تحدثنا عن ذلك في بند آخر. 7- (وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم)100 وهذا يعني تحريم التلاعب بالأسواق. عوامل غيبية واجتماعية اخرى 1- الصدقة يقول الإمام علي عليه السلام: (إذا املقتم فتاجروا الله بالصدقة)101. والصدقة لها تاثير مباشر في مكافحة الفقر كما هو بديهي. كما لها تأثير غير مباشر لكنه أساسي وإستراتيجي جداً فإن الصدقة تقوي النسيج الإجتماعي وتزيد أواصر المحبة بين أفراد المجتمع مما ينعكس إيجاباً على الإنتاجية. هذا كله إضافة إلى عامل الغيب فإن الرزق بيد الله، قال تعالى: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)102 وقال الإمام علي عليه السلام (الغنى والفقر بعد العرض على الله)103 وإذا رأى الله من عبده الإنفاق رغم حاجته فإنه يفتح له باباً إلى الرزق من حيث يحتسب وقد يرزقه من حيث لا يحتسب. وهذا العامل مشترك يشمل الأفراد والشركات والدول أيضاً. ثم إن منهج الصدقة لو شاع فإنه يعود بالفائدة على الإنسان عندما تنعكس الظروف فاليوم هذا يتصدق على ذاك ثم تدور الأيام ليتصدق الثاني على الأول فهو نوع أساسي وهام وشمولي من أنواع التكافل الإجتماعي. 2- صلة الرحم إن صلة الرحم عامل مهم من عوامل القضاء على الفقر، غيبياً ومادياً أيضاً. قال الإمام علي (ع): (ألا لا يعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة أن يسدها بالذي لا يزيده أن أمسكه ولا ينقصه ان أهلكه)104. ويذكر عليه السلام فوائد ذلك بقوله (1- هم أعظم الناس حيطة من وراءه، 2- وألمّهم لشعثه، 3- وأعطفهم عليه عند نازلة أن نزلت به، 4- ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير من المال يرثه غيره)105. فصلة الرحم (عاطفياً ومالياً وغير ذلك) تؤثر مباشرة في القضاء على الفقر كما هو واضح وتصنع البنية التحتية الإجتماعية للقضاء على الفقر أيضاً، إذ بصلة الرحم تتقارب القلوب وتتكاتف الأيدي فيكون المجموع –بالتعاون- أقدر على مكافحة الفقر وعلى النهوض الاقتصادي – ولذا نجد أن كثيراً من الشركات العائلية نجحت مادامت متمسكة بصلة الرحم، وتهاوت عندما دب الخلاف وقطعت الرحم. ثم ان صلة الرحم من أهم عوامل سلامة الأعصاب والقضاء على الكآبة، والثقة بالنفس وكل ذلك ينعكس إيجاباً على قدرة الإنسان على النهوض الاقتصادي.. وبالعكس قطع الرحم من أهم عوامل الكآبة ودمار الأعصاب والعديد من الأمراض مما يسبب تضاؤل القدرة على التخطيط الاقتصادي السليم وعلى الإدارة المتميزة والأداء الجيد كما يسبب قصر العمر أيضاً، ولذلك قال الإمام علي عليه السلام (يا نوف صل رحمك، يزيد الله في عمرك)106 وقال الإمام الرضا عليه السلام: (صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمع الكف وتطيب النفس وتزيد في الرزق وتنسي من الأجل)107. وقال الإمام علي عليه السلام: (حلول النقم في قطيعة الرحم)108. وقال عليه السلام: (إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار)109. فإن قطيعة الرحم من أهم عوامل تفكك الأسرة وضياع الأولاد مما يعني: 1- أن أموال الأسرة تنتقل –بالإرث وغيره- إلى أولاد أشرار، 2- ان أموال الأسرة ستصرف –نتيجة تفكك العائلة وفسادها- في المحرمات: القمار-الخمر-الزنا وغير ذلك، مما يعني وصول الأموال لأيدي الأشرار. 3- ان أموال الأسر الصالحة التي قطعت الرحم تنتقل إلى الأسر غير الصالحة التي وصلت الرحم نتيجة إفلاس شركات الأسر الأولى – على ضوء النزاع وغيره - ونتيجة تعاون الأسر غير الصالحة ولذلك قال الإمام الباقر عليه السلام: (صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار وإن كان أهلها غير أخيار)110. ولذلك كله ولغيره قال الإمام الباقر عليه السلام: (صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال وتدفع البلوى وتنسيء من الأجل)111. فإشاعة ثقافة صلة الرحم من أهم أسباب القضاء على الفقر أيضاً.
أهم المصادر : القرآن الكريم نهج البلاغة الفقه الإقتصاد، مجلد 107-108 السياسة من واقع الإسلام دولة الرسول صلى الله عليه وآله غرر الحكم بحار الأنوار الكافي وسائل الشيعة التهذيب مستدرك الوسائل مكارم الأخلاق 1 هود 61. 2 الأعراف 85. 3 البقرة 29. 4 النظام السياسي في الإسلام، باقر شريف القريشي ص247. 5 عن الصادق عليه السلام: الكافي ج2، ص125. 6 عن النبي صلى الله عليه وآله، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام ج4 ص146. 7 عن الإمام علي عليه السلام: المصباح، ص560. 8 الجمعة 2. 9 شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام 385. 10الكافي ج6 ص526. 11الأعراف 31. 12 الأعراف 26. 13 قريش 3. 14 الأعراف 32. 15 القريش4. 16 الأعراف 157. 17 الخلاف للشيخ الطوسي ج3 ص176. 18 الأحزاب 6. 19 بحار الأنوار ج2 ص276. 20 المائدة 3. 21 الأنبياء 51. 22 الجمعة 2. 23 نهج البلاغة الحكمة 54. 24 نهج البلاغة حكمة 38. 25 نهج البلاغة 34 26 غرر الحكم 232. 27 نفس المصدر السابق. 28 غرر الحكم 366. 29 بحار الأنوار ج69 ص30. 30 القصص 24. 31 بحار الأنوار ج69 ص31. 32 بحار الأنوار ج95 ص462. 33 غرر الحكم 369. 34 وسائل الشيعة ج27 ص34. 35 الكافي: ج7 ص424. 36 نهج البلاغة ج3 ص72. 37 السياسة من واقع الإسلام لآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي. 38 البقرة 29. 39 وسائل الشيعة ج17 ص328. 40 نهج البلاغة ج3 ص96. 41 نفس المصدر السابق 42 بحار الأنوار ج41 ص105. 43 وسائل الشيعة ج12 ص299 ب 15 ح2. 44 نهج البلاغة ص436. 45 نهج البلاغة ص438. 46 نفسد المصدر السابق. 47 نهج البلاغة ص436. 48 الكافي ج2 ص668. 49مكارم الأخلاق، الشيخ الطوسي ص 137. 50 المائدة 2. 51 البلد 14-16. 52 نهج البلاغة ج2 ص14. 53 نهج البلاغة ج2 ص96. 54 التوبة 34. 55 بحار الأنوار ج1 ص131. 56 ثقلاً: كافة ضربت الزراعة أو أمراض أثقلتهم عن الإنتاج الوفير. 57 علة: كعلة سماوية أضرت بالزراعة. 58 أي الماء الذي يسقى به الزرع. 59 انقطاع بالة أي ما يبل الأرض من ندى ومطر. 60 أي تحويلها البذور إلى بذور فاسدة بالتعفن. 61 الاجمام: الترفيه والاراحة. 62 نهج البلاغة، عهده للأشتر. 63 الأعراف 157. 64 الكافي ج8 ص69. 65 غرر الحكم ص 354. 66 غرر الحكم ص291. 67 غرر الحكم ص204. 68 نهج البلاغة ص436. 69 البقرة 29. 70 مستدرك الوسائل ج17 ص111. 71 (راجع السياسة من واقع الإسلام) و(دولة الرسول) و(الإمام أمير المؤمنين شمس في أفق البشرية). 72 السرقة المقنعة،: الضرائب، وكذا بيع ما هو ملك الناس، لهم! كبيع الدول النفطية: الغاز والنفط للناس، مع أنه ملك الناس. 73 البقرة 29. 74 البقرة 219. 75 نهج البلاغة ص366. 76 نهج البلاغة، خطبة 131. 77 الكافي ج5 ص165. 78 نهج البلاغة ج3 ص100. 79 البقرة 276. 80 بحار الأنوار ج103 ص117. 81 بحار الأنوار ج103 ص119. 82 البقرة 205. 83 الاسراء 27. 84 غرر الحكم ص359. 85 غرر الحكم ص360. 86 نهج البلاغة ص474. 87 أول سورة المطففين. 88 بحار الأنوار ج70 ص373. 89 الأعراف85. 90 التهذيب ج7 ص13. 91 وسائل الشيعة ج17 ص385. 92 الكافي ج5 ص151. 93 نفس المصدر السابق. 94 نفس المصدر السابق. 95 نفس المصدر السابق. 96 نفس المصدر السابق. 97 يقول إد ماكريكين مؤسس شركة سيلكون جرافكس انكورپوريتد: (واظن ان جميع شركات وادي السيلكون تقريباً قد رفعت ضدها قضايا مرات متعددة –مثل هيولت باكارد- وإنتل وشركتنا، والحقيقة أنه عند مقاضاة إحدى الشركات وعند التوصل إلى تسوية مالية كبيرة فإن حملة الأسهم لا يحصلون كأفراد على أي شيء منها. وإنما يحصل عليها في الحقيقة بيل ليراتش (وهو محامي بارز) وأصدقاؤه الذين حققوا كثيراً من الأموال من وراء ذلك) –المصدر كتاب في صحبة العمالقة تأليف چاجر واورتيز ص317. 98 نفس المصدر السابق 99 الأعراف85. 100 نهج البلاغة، الحكمة 258 101 الذاريات 58 102 نهج البلاغة ص555. 103 نهج البلاغة ص65.. 104 نهج البلاغة ص 65. 105 بحار الانوار ج74 ص89. 106 بحار الأنوار 74 ص114. 107 الغرر ص406. 108 بحار الأنوار ج74 ص138. 109 بحار الأنوار ج74 ص94. 110 بحار الأنوار 74 ص111.
|