تعليم الطب والقانون في شمال أميركا

 

علي بن طلال الجهني

 

سبق نشر موضوع في هذا المكان عن أسباب اختلاف برامج التعليم العالي في الولايات المتحدة وكندا عن أي مكان آخر في العالم، أياً كانت جودة أو تردي هذا التعليم في بقية بلدان المعمورة.

والسبب الأساس، مع اختلافات كثيرة في التفصيلات، ان الولايات المتحدة بلد ضخم، أكبر من بعض القارات في مساحته، وتباعد المسافات بين أقصى شرقه وغربه، وبين أقصى شماله وجنوبه. والشيء نفسه بالنسبة إلى كبر المساحة وتباعد الأطراف بالنسبة إلى كندا.

وحينما بدأ انتشار التعليم العالي، أي ما بعد التخرج في مرحلة البكالوريوس أو الليسانس، اتفق القادة الأكاديميون في الولايات المتحدة أولاً على إيجاد برنامج يهدف إلى إعطاء فرص متساوية للخريجين من جامعات كثيرة، تتفاوت أكاديمياً بمثل درجة تفاوت المسافات بين الشرق والغرب أو الشمال والجنوب. ففي كل جهة تقريباً جامعات جيدة، وجامعات أخرى بالكاد تقترب من مسمى جامعة.

غير ان موضوعنا هو عن تعليم الطب وتعليم القانون. ففي كلا التخصصين، لا بد من الحصول على شهادة جامعية أولاً، حتى قبل النظر في نموذج الطلب. والسبب ان هذه بلدان كل مواطنيها باستثناء القبائل الهندية - وما هي بهندية ولكن هذا اسمها - مهاجرون من أجناس وأديان أوروبية، بدأت مع المستعمرين الأوائل من انكليز وفرنسيين، وانتهت بمهاجرين من كل مناطق أوروبا، مع أفارقة جُلب آباؤهم وأمهاتهم قسراً، وسخّروا عبيداً، إلى أن حررهم إبراهام لنكولن في الحرب الأهلية الشهيرة، التي بدأت في عام 1860 في الولايات المتحدة الأميركية.

وفي النصف الثاني من القرن الماضي، هاجرت إلى الولايات المتحدة أعداد متزايدة من المكسيك وبقية أميركا اللاتينية. ثم تبعهم مئات الآلاف من بقية دول العالم.

المقصود قوله انه في بدايات التعليم العالي عموماً، كانت مستويات خريجي الثانوية تتفاوت في جودتها أيضاً بأضعاف تفاوت المسافات. ولذا اتفق قادة التعليم في الطب أولاً، وفي القانون ثانياً، على ان أكفأ وسيلة للتأكد من توافر الحد المطلوب، هي أن يكون المتقدم أنهى المرحلة الجامعية أولاً. والمرحلة الجامعية أيضاً تختلف تماماً في شمال أميركا عنها في بقية دول العالم.

فهناك برنامج لكل طلاب الجامعة، عادة في السنة الأولى، وبعده برنامج في السنتين الثانية والثالثة، أو جزء من الثالثة لطلاب كل كلية.

فطالب الهندسة مثلاً، أياً كان القسم الذي يود أن يتخرج فيه، يدرس «كورسات» العلوم والرياضيات نفسها التي يدرسها جميع طلاب كلية الهندسة. وإن كان يحتاج إلى المزيد في علم معين لا بد من دراسته، كأن يشترط قسم كلية الهندسة الكيماوية «كورسات» إضافية في الكيمياء، أو كأن يشترط قسم الهندسة الكهربائية دراسة «كورسات» إضافية في الرياضيات والفيزياء، فلا بد لطالب الهندسة الكهربائية من دراسة هذه «الكورسات» مع طلاب قسم الكهرباء أو الرياضيات. والشيء نفسه في كلية إدارة الأعمال أو الفنون والآداب، أو العلوم الاجتماعية والتاريخ، فقد يحتاج الطالب دروساً إضافية في اللغات الأجنبية، فلا بد من دراستها حتى وإن كان تخصصه التاريخ أو الجغرافيا، وهلمّ جرّا.

ولذلك، فخريج الفلسفة أو الأدب أو اللغة الفرنسية أو الروسية أو الانكليزية، قد يتقدم إلى كلية الحقوق أو كلية الطب. والشيء نفسه بالنسبة إلى خريج الكيمياء أو الطبيعة أو الأحياء أو الاقتصاد أو العلوم السياسية أو الرياضيات، قد يتقدم، وقد يقبل في ما يفضل، سواءً كلية الطب أو كلية القانون.

ودراسة القانون ودراسة الطب كلها تشترط النجاح في امتحانات محددة، موضوعة لمحاولة تقدير القدرة في كل تخصص، ولا بد من عبورها قبل القبول.

وبالنسبة إلى الطب، فكل كلية لا تقبل في العادة أكثر من 100 طالب، حتى يتخرج في نهاية المطاف 100 أو أقل قليلاً من المئة.

ولا يختلف اثنان من ذوي العلم في أن دراسة القانون في أميركا أصعب من أي مكان آخر. ومع ذلك لا تؤهل حاملها لممارسة القانون حتى ينجح في امتحان الولاية التي يريد ممارسة القانون فيها. وغالبية خريجي كليات القانون لا يجتازون هذه «الامتحانات» حقيقة لا مجازاً في المحاولة الأولى.

ودراسة الطب أيضاً صعبة مجهدة، حتى لأذكى الناس في شمال أميركا. غير ان دراسة الطب في الكليات الممتازة في أوروبا، وربما اليابان، متعبة جداً وتحتاج إلى درجة من ذكاء القاضي إياس، ودرجة من صبر أيوب.

بالطبع هذه ليست هي الحال في كليات طب تقبل المئات أو الآلاف بأية حال من الأحوال.

بإيجاز، التعليم الجامعي في شمال أميركا يشترط معرفة عامة قليلة عن فرع من فروع العلوم الاجتماعية، ومثلها عن فرع من فروع الآداب والفنون، ومثلها عن فرع من فروع العلوم الطبيعية، وحداً أدنى بالنسبة إلى جميع طلاب الجامعة، بصرف النظر عما يتخصصون في دراسته، من اللغة ومن الرياضيات.

والله من وراء القصد.

أكاديمي سعودي

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الحياة اللندنية-27-6-2006