معهد أسبن للدراسات "الإنسانية" .. من كلورادو لقطاع غزة

 

 

أيه تي أند تي AT&T، كوكا كولا Coca Cola، شيفرون Chevron ، سيتي غروبCiti Group ، بوينغ  Boeing، سينغولار للإتصالات Cingular، ديزنيDisney ، إيكسون للبترولExxon، جنرال موترزGeneral Motors، غوغلGoogle ، كاتربيلارCaterpillar ، بنك أف أمريكا Bank of America ، بووز آلان هاميلتونBooz Allen Hamilton، فورد موتورزFord Motors ، أرامكو السعوديةArmco ، بيل ساوث للاتصالاتBellsouth ، قناة إن بي سيNBC ، فوريزون للاتصالاتVerizon ، تايم وارنرTime Warner، ميكروسوفت Microsoft، تيوتاToyota ، وغيرهم من الشركات العالمية... لماذا تتبرع كل هذه المؤسسات المرموقة باستمرار لمعهد أسبنAspen Institute؟

تتلخص الإجابة في الهوية الفريدة لمعهد أسبن التي تجمع بين مميزات الثينك تانك "مركز الأبحاث"  ومثل أي مركز أبحاث يهدف إلى تزويد قادة المجتمع السياسي الأمريكي بالمقومات الفكرية الكافية لخلق سياسات سليمة وراسخة. وفي الوقت نفسه، وبعكس معظم الثينك تانكس المعنية بعالم السياسية، لم يبدأ معهد أسبن رحلته في عالم الأبحاث من منظور سياسي تام، بل دخل معهد أسبن المجتمع الأمريكي كنافذة فكرية تهدف لتنمية القدرات الثقافية بكل أنواعها داخل الدوائر القيادية بكافة قطاعات المجتمع سواء السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والفنية، والاجتماعية. وتلك الرسالة الفريدة من نوعها في عالم مراكز أبحاث الثينك تانكس منعكسة في مصطلح "الإنسانية" في لقب المنظمة. ومن خلال التقرير الآتي نود أن نزود قراءنا بلقطة تاريخية سريعة عن المعهد وأهم البرامج البحثية والتنموية التي يقوم بها.

لقطة من تاريخ واسع: من ولاية كولورادو إلى قطاع غزة

أنشئ معهد أسبن عام 1950 بمعرفة رجل أعمال مشهور يدعى والتر بابك Walter Paepcke وكان رئيس شركة كونتينر الأمريكية Container Corporation of America. ويقال أن بابك له الفضل الأعظم في تحويل مدينة أسبن من مجرد مدينة صغيرة إلى منتزه سياحي ومنتدى ثقافي وسياسيي، وذلك من خلال تأسيسه لمؤسسة أسبن علاوة على المشاريع التجارية التي أقامها في مدينة أسبن. وكانت جهود المؤسسة في البداية متركزة في مجال الفن، حيث أقامت المؤسسة العديد من الحفلات الموسيقية. ومع الوقت امتدت نشاطات المعهد للمجالات المتنوعة مثل الصحة والتطور التكنولوجي والأدب. ومن المعروف أن معهد أسبن لعب دورا كبيرا في عهد السبعينيات في استخراج قرار الـFCC أي مجلس الاتصالات الفيدرالي- وهي الهيئة المسئولة عن البث التلفزيوني القومي بالولايات المتحدة- ببث المناظرات العامة بين مرشحي الرئاسة الأمريكية في فترة الحملات الانتخابية على الهواء مباشرة بالقنوات التليفزيونية القومية. وكانت بداية برامج الأبحاث الخاصة بالسياسة العالمية عام 1974، وتطورت هذه البرامج حتى إنشاء مجموعة أسبن الإستراتجية Aspen Strategy Group عام 1984 وتلك تمثل الهيئة الأساسية التي تتعامل مع الموضوعات المتعلقة بالسياسة الأمريكية الخارجية. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس بوش الأب أدلى بخطاب تاريخي عام 1990 في الاحتفال بالذكرى الأربعين لإنشاء المعهد وطرح من خلاله رؤيته لمستقبل الجهود الجماعية للمجتمع الدولي بعد انتهاء الخطر السوفيتي والغزو العراقي للكويت في نفس هذا العام.

وأستضاف معهد أسبن مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية في أواخر التسعينات في منتج واي ريفر Wye River الذي يمتلكه، ويقع في ولاية ميريلاند على بعد 50 ميل من العاصمة واشنطن.

وبعد هذا التاريخ الحافل، أين يقع معهد أسبن على الخريطة السياسية بالولايات المتحدة في الوقت الحالي وكيف تتمثل أنشطته اليوم؟

معهد أسبن اليوم

يدار معهد أسبن اليوم بمعرفة والتر ايزاكسوتن وهو رئيس تحرير سابق بمجلة تايم Time Magazine ورئيس مجلس إدارة محطة سي إن إن الإخبارية CNN سابقا. وهو أيضا مؤلف لكتاب عن السيرة الشخصية لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق. ويضم مجلس إدارة المعهد شخصيات بارزة في عالم السياسية والاقتصاد مثل مادلين ألبريت وزيرة الخارجية السابقة وهنري كيسنجر وروبرت ماكنيمارا وزير الدفاع الأمريكي خلال حرب فيتنام وبوول فولكر الرئيس السابق للبنك المركزي الأمريكيFederal Reserve System.

ويتميز المعهد بالبرامج البحثية المتنوعة في العديد من المجالات، فهناك مثلا برنامج الأعمال والمجتمع Business and Society Program الذي يهدف لخلق الأبحاث النافعة لرجال الأعمال حول العالم وللمؤسسات التعليمية في مجالات التجارة والاقتصاد. كما يضم المعهد المجلس العالمي للقيادات النسائية الذي يقوم بتقوية التعاون بين السيدات الرائدات في عالم السياسية حول العالم. ويشمل المعهد برنامج لسياسة الطاقة ويحاول البرنامج من خلال أبحاثه ومنتدياته أن ينمي نقاشا مفيدا بين قيادات سياسة الطاقة من أنحاء العالم عن مستقبل سوق الطاقة العالمي وعن كيفية استخدام الطاقة للتنمية الاقتصادية دون الضر بالبيئة المحيطة. ويدعم معهد أسبن برنامج الكونغرس ويقدم المعهد من خلاله خدمة لأعضاء الكونغرس وهي اجتماعات ومنتديات مصممة لتثقيف أعضاء الهيئة التشريعية عن موضوعات ذات أهمية لهم. وناقشت الاجتماعات الأخيرة لهذا البرنامج شئون هامة مثل العلاقات الأمريكية-الروسية والإسلام السياسي وعلاقته بالإستراتجية الأمريكية وسياسة الولايات المتحدة تجاه دول أمريكا اللاتينية. ومن أهم البرامج الحديثة بمعهد أسبن هو برنامج الأمن القومي Homeland Security الذي يهدف ؛لد تزويد صناع القرار الأمريكي بتوصيات لتطوير أنظمة الأمن المحلية.

ووصل إجمالي قيمة أصول المعهد 97 مليون دولار عام 2004. ووصل إجمالي إنفاق المعهد في نفس العام أكثر من 30 مليون دولار أمريكي، ويوجد للمعهد مكاتب في كل من برلين ونيودلهي وطوكيو وروما وليون بفرنسا. ويعمل المعهد من خلال 15 برنامجا تشمل مختلف المجالات والتوجهات البحثية.

أسبن وقضايا الشرق الأوسط

تعمل المجموعة الإستراتيجية للشرق الأوسط على خلق بيئة ملائمة للحوار السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وذلك بواسطة إنشاء مشاريع داعمة للنمو الاقتصادي والثقافي بالأراضي الفلسطينية وتقوية القطاع الخاص الفلسطيني. وفي ظل انتصار "حماس" في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة قررت المجموعة ألا تتعامل مع حكومة حماس بشكل مباشر. ويرأس المجموعة وزيرا الخارجية الأمريكية السابقان هنري كيسنجر ومادلين ألبريت، وعضوا مجلس الشيوخ دايان فاينستين وتشيك هاغل، ورجل الأعمال الفلسطيني سامر سعيد خوري ورجل الأعمال الإسرائيلي الجنسية إيدان أوفر. وتضمن المجموعة دانيال أبرامز مدير شئون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي السابق، ومارتن أنديك مساعد وزير الخارجية الأسبق، وجورج سالم رئيس مجلس إدارة المعهد العربي-الأمريكي إلى جانب باقة من أهم الشخصيات السياسية ورجال الأعمال من فلسطين، إسرائيل والولايات المتحدة.

وقد قامت المجموعة بإنشاء مشروع لإقامة متحف لحفظ الآثار التاريخية بقطاع غزة. كما تعمل المجموعة لإقامة صندوق لمنح قروض للمشاريع التجارية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، كما دعمت المجموعة مشروعا لإقامة مستشفى بقطاع غزة.

إلى جانب ذلك يستضيف المعهد ملتقى هاما يجمع مجموعة مميزة من الصحفيين والمحررين وأساتذة الإعلام الأمريكيين والعرب من أجل التحاور والتشاور حول القضايا المشتركة.

مجموعة أسبن الإستراتيجية

ومن أهم البرامج المعنية بالسياسة الخارجية الأمريكية هو برنامج مجموعة أسبن الإستراتيجية. وتتكون هذه المجموعة من قيادات أمريكية سابقة وباحثين أكاديميين بخبرات متنوعة. وتحاول هذه المجموعة من خلال الاجتماعات المترددة والأبحاث دعم صناع السياسة الخارجية الأمريكية بتوصيات راسخة. وتضم هذه المجموعة المتميزة مادلين ألبريت وريتشارد أرميتراج نائب وزير الخارجية السابق، وريتشارد هاس رئيس مكتب تخطيط السياسات بالخارجية الأمريكية سابقا، ودينس روس مبعوث الرئيس كلينتون للشرق الأوسط لشئون المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. ومن أهم الإصدارات الحديثة للمعهد تقرير عن رؤية مجموعة أسبن لمستقبل الإستراتجية الأمريكية بالشرق الأوسط، كما أصدرت المجموعة منذ عامين تقريرا هاما عن خطر انتشار أسلحة الدمار الشامل حول العالم، ورأس هذه المجموعة برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي الأسبق، وجوزيف ناي الذي عمل بالحكومة الأمريكية كمساعد لوزير الخارجية والدفاع.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: تقرير واشنطن-العدد62-10-6-2006