دور المجتمع في صناعة العنف
د. غزوان هادي
يتحمل المجتمع المسؤولية الاكبر في صناعة العنف وايداعها لأعضائه من خلال دور الجماعات المرجعية التي ينتمي اليها الفرد ضمن منظومته الاجتماعية في تنشئته اجتماعيا فتخلق منه انسانا عنيفا، قد يلجأ الفرد الى ممارسة العنف النفسي او الجسدي كرد فعل لرغبة في ممارسة العنف فرضها وعي الفرد او لا وعيه، وفي كلا الحالتين ما هي الا رد فعل لعنف معنوي او مادي مورس على الفرد في مرحلة من مراحل حياته، ففرض على لا وعيه القيام برد فعل كجزء من موروث الثأر لدى الفرد او ممارسة عنف مبني على تبرير نفسي- اجتماعي قد يأخذ طابعا دينيا او سياسيا او حتى ثقافيا موجها. قدم للفرد بهدف دفعه لممارسة العنف المضاد واعيا ومدركا لما يفعله ولكن ليس لما ستؤول اليه الامور بسبب حالة الوهم الفردي التي وضع فيها من خلال تقديم هذه المبررات او الوهم الجماعي المبني على المحاكاة والتقليد. يرتكز لجوء الفرد الى ممارسة العنف على دور الجماعات التي ينتمي اليها ضمن مجموعته الاجتماعية في خلق الدافع المحرك لممارسته تلك والروابط الاجتماعية وما تحدده لافرادها من ادوار في المجتمع ومكانتهم داخل المجموعة بناء على جملة من المعايير والقيم الخاصة بهذه الجماعة او تلك، والتي يتحدد سلوك افرادها وفقا لذلك سعيا لتحقيق هدف مشترك وتتميز بوجود ميول وقيم ودوافع مشتركة تحظى بالقبول لدى افرادها وامتلاكها لسلوك قائم على تقسيم الادوار لتحقيق اهداف مشتركة تؤدي الى اشباع حاجات اعضاء الجماعة. تكمن اهمية الجماعة بالنسبة للفرد في نموه وبنائه الاجتماعي السلوكي السلبي والايجابي في كونها مصدر الصداقات المتعددة الناجمة عن التفاعل الاجتماعي والتي من خلال عضويته فيها يكتسب المعايير الاجتماعية للسلوك بشقيه السلبي والايجابي ومن خلالها تتبلور اراؤه الشخصية التي في حقيقتها انعكاس لآراء الجماعة الاجتماعية التي ينتمي اليها كذلك فالجماعة مصدر سلوك الفرد الاجتماعي (السلبي والايجابي) ومن خلالها يتعلم الفرد الشيء الكثير عن نفسه واقرانه وفيها يكتسب الفرد اتجاهاته السياسية والدينية والثقافية والفكرية والنفسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية وتتغير وتنمو لديه فلسفة الحياة وفقا لذلك ويكتسب القيم وتنمو مبادئ الجماعة لديه كنتاج لعضويته فيها، فضلا عن ذلك يستمد الفرد من خلال عضويته في الجماعة قوة هائلة وشعورا بالامان والاطمئنان واشباعا لحاجاته التي يلبيها انتماؤه للجماعة. تنقسم الجماعات المرجعية الى ثلاث جماعات رئيسة الاولى: جماعة الانتماء الفعلي والتي يعد انتماء الفرد اليها فعليا كونها تشمل جماعة الانتماء الاولي التي تحتم التفاعل الاجتماعي فيها مواجهة مثل الاسرة او وحدة العمل وجماعة الانتماء الثانوي، التي لا تحتم التفاعل الاجتماعي المواجهي فيها مثل التنظيمات السياسية، والثانية: جماعة الانتماء الآلي والتي تخضع لضوابط السن والثقافة والتحصيل العلمي مثل جماعات الاصدقاء ضمن فئة عمرية محددة والجماعات الثقافية او الدراسية والتي تبنى على علاقاتها وفق مستوى ثقافي او دراسي محدد، والثالثة: الجماعة المرجعية السلبية وهي الجماعات غير المتوافقة مع آراء وتوجهات وحتى معتقدات الفرد ويرفض الانتماء اليها وعيا وسلوكا ولكنه قد يضطر الى الانتماء اليها لظروف قاهرة ولاسباب اقتصادية او سياسية او ظرفية (مرحلية) وهذه الجماعات على اختلاف انواعها تحكم سلوك الفرد وتوجهه سلبا وايجابا. تؤثر الجماعة المرجعية في توجيه سلوك الفرد بعدة طرق اهمها: تحديدها للاطار المرجعي لسلوك الفرد الذي يختزل جميع العوامل الخارجية والداخلية الموجهة لسلوكه والمؤثرة فيه وتحديدها لانواع السلوك من خلال اختيارها لاهم المعايير الاجتماعية واقوى الاتجاهات النفسية واعلى درجات الهرم القيمي وبذلك فهي تحدد السلوك الاجتماعي للفرد سلبا وايجابا من حيث القبول او الرفض الاجتماعيين فضلا عن رسمها لمستقبل الفرد من خلال تحديدها لمستويات الطموح بالاعلى متسوى والاغنى والاشهر والاكثر كفاءة داخل جماعة الفرد المرجعية، ويتوقف مستوى تأثير الجماعة على سلوك الفرد الاجتماعي وعلى شعوره بالامن داخل جماعته من عدمه، مع وضوح موقف الجماعة من السلوك الاجتماعي وبذلك يمكننا القول بان الجماعة المرجعية هي الاساس في صناعة فرد اجتماعي سوي ايجابي في سلوكه وتوجهاته وارائه ومعتقداته ومواقفه في كافة المجالات مما يجعله ضعيفا من ناحية التكوين الاجتماعي عرضة لان يصبح مصدرا للعنف في مجتمعه ومعولا للخراب والهدم بدل البناء والتعمير. تلعب الجماعات المرجعية دورها في صناعة العنف الانساني داخل الفرد وتحويله الى انسان عنيف خلال عملية التنشئة الاجتماعية فهي عملية تقرير، وتقوم على اساس التفاعل الاجتماعي وتهدف الى اكتساب الفرد (طفلا، فمراهقا، فراشدا، فمسنا) سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة لادوار اجتماعية معينة تمكنه من مسايرة جماعته المرجعية والتوافق معها وفي حال عدم تمكنها من نيل الفرد في هذه المرحلة من عمره تسعى الى الحصول عليه في المراحل اللاحقة من مراحل عمره وتحويله الى اداة للعنف الذي تسعى لخلقه من خلال تغيير اتجاهاته النفسية- الاجتماعية. ورغم تميزها بالثبات وتملكها لصفة الاستمرار تعد الاتجاهات قابلة للتغيير وهناك شكلين لتغيير الاتجاهات الاول: تغيير الاتجاهات المقصودة وهو ما تسعى الجماعات الصانعة للعنف اليه والثاني: تغير الاتجاهات تلقائيا والذي يحدث تلقائيا عن طريق تأثير رأي الاغلبية والتقليد والايحاء والذي ينتج تلقائيا من عمل الجماعات في التغيير المقصود للاتجاهات وتسعى الجماعات بعدة طرق لتغييره اهمها: 1- تغيير الاطار المرجعي: تتحدد اتجاهات الفرد باطاره المرجعي الذي لا فكاك منه لذلك يتطلب تغيير اتجاهات الفرد احداث تغيير في اطاره المرجعي. 2- تغيير الجماعة المرجعية: اذا غير الفرد جماعته المرجعية التي حددت قيمه واتجاهاته وتكونت فيها معاييره بجماعة مرجعية جديدة ذات اتجاهات مختلفة فانه مع مضي الوقت يميل الى التعديل وتغيير اتجاهاته وقيمه ومعاييره القديمة. 3- اثر وسائل الاعلام : تعد وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية طريقة مثلى لتغيير اتجاهات الفرد اثنا ء قيامها بعملها في نقل الاخبار والمعلومات والصور والافكار والآراء المختلفة بشأن موضوع يتعلق باتجاهات الفرد وهذا من شأنه ان يلقي ضوءا اكثر ويساعد بطريقة مباشرة على تغيير الاتجاه سلبا او ايجابا، كما وتكمن اهمية وسائل الاعلام في كونها عنصراً بالغ التأثير في التنشئة الاجتماعية للفرد فمع انتشار وزيادة الاعتماد عليها كمصدر للمعلومات اصبحت تحل محل المقابلات والخبرات الشخصية في تكوين اتجاهات الفرد. 4- تأثير رأي الخبراء والاغلبية: تتأثر الاتجاهات بشكل كبير ويمكن تغييرها بالاقناع باستخدام رأي الاغلبية ورأي الخبراء (المشهورين)، وهو احد المبادئ التي يعتمد عليها مغيرو الاتجاهات المحترفين ويستند في هذا المجال على رأي قادة الرأي ممن يثق الفرد فيهم يضاف اليه رأي الاغلبية. 5- المناقشة والقرار الجماعي: يعتد في المجتمع الديمقراطي بالمناقشة الجماعية كونها ذات اثر كبير في اتخاذ القرارات الجماعية لما لها من اهمية في تغيير اتجاهات الفرد ويتم ذلك بدءا من جماعة الاسرة عبر المنظمات الاجتماعية الى المؤسسات الحكومية عبر ممثلي الشعب في البرلمان الى المنظمات العالمية عبر ممثلي الدول فيها. وتساهم بالاعتماد على الطرق - الآنفة الذكر- في مسعى المجتمع ممثلا بافراد او جماعات الى تغيير اتجاهات الفرد سلبا او ايجابا عدة عوامل اهمها: ضعف الاتجاه وعدم رسوخه ووجود اتجاهات متوازية او متساوية الاهمية في قوتها وسطوتها على الفرد بحيث يمكن ترجيح احداها على الباقي وتوزع الرأي العام بين اتجاهات مختلفة ومتضادة وعدم وضوح وتبلور اتجاه الفرد ازاء قضايا معينة وانعدام المؤثرات المضادة فضلا عن سطحية وهامشية الاسس التي بنيت عليها الاتجاهات مما يسهل تغييرها هكذا يمكننا ان نعزو للمجتمع ممثلا بافراد وجماعات تهمة خلق الانسان العنيف او حتى خلق العنف وصبه في بوتقة اتجاهات الفرد وقيمه الاجتماعية لتكون المحصلة صناعة العنف في المجتمع. كاتب ومحلل ستراتيجي و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المصذكور. المصدر: جريدة الصباح-13-6-2006
|