أقـدم ديـمـقـراطية خليـجـية بين التـراجـع والـتقـدم :

                                                                 إعادة تقسيم الدوائر الإنتخابية في الکویت

 

المهندس فـؤاد الـصادق

 

بالأمس شهدنا جلسة عاصفة لمجلس الأمة الكويتي حول قانون الانتخابات .

عمت حالة من الفوضى جلسة البرلمان الكويتي بعد انسحاب عدد من النواب من الجلسة احتجاجا على تأييد احد الوزراء طلبا يدعو لإحالة قانون الداوئر الانتخابية الى المحكمة الدستورية العليا للبت في دستوريته.

وغادر اكثر من 20 نائبا الجلسة بعد بدء التصويت. وطالب بعض النواب بإقالة الحكومة، متهمين اياها بعدم دعم القانون، كما ارتفعت هتافات لبعض الأفراد من بين الجمهورالذي حضر الجلسة تطالب بحل البرلمان وباعتماد خمس دوائر انتخابية !!

اتصور أن أقـدم ديـمـقـراطية خليـيـجـية تستحق التقدير والإهتمام والإنعاش وذلك يستدعي المزيد من الحكمة والحنكة والحيادية والهدوء لمعالجة المشكلة معالجة دستورية وديمقراطية عادلة بعيدا عن التعصب والتحيز والتسويغات والتسويقات الإعلامية فبعض وسائل الإعلام عكست أنباء إجتماع الأمس وما يرتبط إعادة تقسيم الدوائر الإنتخابية في الکویت وكأن هناك إستفتاء شعبي عام حول ذلك اجري في الكويت وأن اكثرية الشعب صوتت لصالح النظام الإنتخابي الجديد لكن انتهى الأمر الى نقض رأي الشعب !!!

مقدمة لا بد من الإشارة الى انه هناك علاقة عضوية بين الديمقراطية و الإنتخابات لكن من الخطأ إختزال الديمقراطية في الإنتخابات بإعتبارمجرد الالتزام بركن الإنتخابات من اركان الديمقراطية مؤشراً على تطبيق الديمقراطية بصورة مثمرة فاعلة خلاقة تمنح الأنظمة السياسية شرعيتها والأنسان حقوقه والتنمية إنطلاقتها و إستمراريتها والتطورمداه والسلم الأهلي حياته وإنتعاشه وبقاءه .

وهكذا الحال بالنسبة للإنتخابات نفسها فمجرد الإلتزام باجراءها لا يحقق الأهداف المرجوة المتقدمة بنسبة مقبولة إلا في ظلّ قوانين ونظم إنتخابية ملائمة قابلة للتطوير ولذلك يقال بأن قانون الإنتخابات وتوزيع الدوائر الإنتخابية هو العمود الفقري لأي نظام ديمقراطي لأن ذلك القانون وتوزيع تلك الدوائرهي التي تحدد نتائج الإنتخابات وترسم ملامحها بدرجة او بأخرى و بشكل او أخر، ولهذا السبب يقلق ويتخوف ويضغط كل طرف الى التأثير الفعّال على كل ما يرتبط بذلك وعلى رأسه قانون الإنتخابات وتوزيع الدوائر لحصد قاعدة اكبر بين المقترعين وعدد اكبر من المقاعد في البرلمان او مجلس الأمة و ربما بشكل لا يتناسب او لا يعكس الوزن الحقيقي الواقعي لهذا الطرف اوذاك منالمتنافسين وعادة المتحكم الأكبر في تغيير قانون الإنتخابات و توزيع الدوائرهو الحكومة القائمة اوالأغلبية في البرلمان ، وقد يكون التعديل حيادياً و محاولة للإقتراب من العدالة في التمثيل او محاولة يقوم بها طرف من الأطراف لتمزيق الدوائر الإنتخابية لإضعاف المنافس بتجريده من قوته في الدوائر التي يمتلك فيها وزناً شعبياً كبيراً واضحاً بإقتطاع أقسام منها و دمجها في دوائر اخرى يمتلك فيها ذلك الطرف شعبية كبيرة ، او يصار الى إدراج دوائر في اخرى كبيرة يتمتع فيها ذلك الطرف فيها بالاغلبية من الأنصاروالمؤيدين بحيث يخسرمنافسية تفوقهم و تزيد بالتالي في عدد الدوائر التي يكون لأنصاره فيه أغلبية فيها ، بهذه الطريقة يضمن وصول انصاره الى  البرلمان ، و تسمى هذه الوسيلة بأسم مخترعها Gerry mande نسبة الى مخترعها جيري Gerry حاکم ولایة ماساشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية الذي ابتدعها في عام 1812م كما يقول الكاتب عبد الله هدية ( 1) .  ، و يزيد على ذلك الكاتب دبّي الهيلم الحربي (2) .

(( كما ظهرت هذه الظاهرة في بريطانيا مابين 1947- 1954 ، و من عام 1954-1969 ، و في فرنسا عام 1958 أيام الجنرال ديغول ، و الكويت عام 1981 كما سنبين لا حقاً . )) .

حاليا الكويت مقسمة الى ( 25 ) دائرة إنتخابية و لكل دائرة سماتها الأساسية و أثارها على نتائج الإنتخابات ، و لتلك الكثرة و التقسيمات إيجابيات و سلبيات فهناك حاجة الى تعديلات مناسبة مدروسة لقانون الإنتخابات و تقسيم الدوائر الإنتخابية تعالج النمو السكاني ومستجدات التوزيع السكاني والثغرات القديمة في ذلك وتزيل أشكال التحيز والإنحراف في النظام الإنتخابي وتوزيع الدوائر  ونتائجها بعد إثبات ذلك التخير والإنحراف وفقاً لأساليب القياس العلمية و السياسة المعتمدة المعروفة وبحيادية بعيداً عن الأهواء والمصالح الذاتية الضيقة لهذا الطرف اوذاك ، وهنا بيت القصيد حيث يقول الحربي ( 3 ) .

(( و معظم المشاريع الأخرى المقترحة خاصة فيما يخص الدوائر رغم ظاهرها المحايد والتبريرات الواردة لها في المذكرة الإيضاحية ، إلا أنها تحمل في معظمها مصالح إنتخابية لمقدميها مما يجعلها عرضة للجدل و النقاش و الإتهامات المتبادلة )) .

إذن هناك إجماع او شبه ، إجماع على أمرين :

 الاول : أن قانون الإنتخابات و تقسيم الدوائر الإنتخابية في الكويت بحاجة الى تعديلات .

الثاني : أنه كلما قلّ عدد دوائر وكبرت القاعدة الإنتخابية سيؤدي ذلك الى تلافي بعض السلبيات والظواهر المرافقة للإنتخابات الحالية مثل التصويت على اساس قبلي بحت اوطائفي بحت اوالرشوة الإنتخابية باشكالها والخلاف الكبير في نوع تلك التعديلات والعائق الأكبرهو إفتقاد الحياد وترجيح المصلحة الذاتية على المصلحة العليا التي تقتضى تعزيز الديمقراطية الدستورية والمساواة والعدالة بما في ذلك العدالة في التمثيل وبما يضمن المشاركة من جهة والوعي من جهة أخرى ، فالديمقراطية لا تولد إلا شجرة يابسة يمكن أن تصبح شجرة خضراء إذا سقيت بمياه المشاركة والوعي باستمرار ، و النظام الإنتخابي المناسب السليم هو الذي يقود الى المشاركة الواعية والتمثيل العادل .

الخيارات القائمة حاليا :

1- الإستمرار بنظام الدوائر ال ( 25 ) الحالي و دون تغيير .

2- الإستمرار بنظام الدوائر ال ( 25 ) الحالي بعد إجراء تغييرات مدروسة عليه .

3- تقليص عدد الدوائر الحالية الى ( 10 ) دوائر .

4- تقليص عدد الدوائر الحالية الى ( 5 ) دوائر فقط .

5- تقليص عدد الدوائر الحالية الى دائرة إنتخابية واحدة لكل الكويت على ان يتمتع المواطن بصوت واحد فقط و دون تمييز .

الإشكال في الخيار الأول معروف يعكسه الإجماع على ضرورة تعديلة بمبرراته و تعديلاته ، اما الخيار الثاني فيمكن تلخيصه في انه يدعو الى :

(( إعادة رسم خارطة الدوائر ال ( 25 ) من خلال تحريك المناطق وتعديل الدوائرلتحقيق الإمتداد الجغرافي المطلوب و العدالة بتوزيع الناخبين إضافة الى العمل بجد لزيادة القاعدة الإنتخابية من خلال إعطاء المرأة حقها السياسي بالترشيح و الإنتخاب و تخفيض سن الناخب إلى 18 عاماً ... و مع إزدياد الوعي تستقلص معظم الظواهر السلبية المصاحبة للإنتخابات الحالية )) ( 4 ) . والإشكال في الخيار الثاني يتمثل في نفس الحلقة المفقودة وهي الحيادية المطلوبة لصياغة و تنفيذ أجزاء هذا المشروع بما و يحقق العدالة في التمثيل ولا يخالف الدستور الكويتي إضافة الى ان مستقبلة معلق الى امور  متداخلة  و مستقبلية يمكن أن تتحقق و يمكن أن لا تتحقق ، و ما يمكن ان يتحقق فانما يتحقق على المدى البعيد والمتوسط في احسن الأحوال فالتصويت لصالح الخيار الثاني أقرب ما يكون الى التصويت لمشروع مجرب مرمم بتحوط و يتوقف نجاحه على مشاريع و خطوات و وسائل مرهونة بالمستقبل فهو أقرب الى التصويت لخيار حذر مجهول في أحسن الأحوال و ما قيل عن الخيار الثاني يتكرر فيما يخص الخيارين الثالث و الرابع و بالهندسة و التنظيم المطروح لكل منهما فان كل من الخيارين يعمل على زيادة القاعدة الإنتخابية لكن رغم اهمية هذه الزيادة فانها ستصب في القنوات الحالية نفسها قبلياً و طائفياً و سياسياً و بنسب اكبر و بما يبتعد عن العدالة في التمثيل و يخالف الدستور بماديته ( 7 و 29 )  و هذا ينقض الغرض و لا يساعد على ترشيد القرار الإنتخابي لأنه و مثلاً يمنح بعض القبائل فرصة اكثر من غيرها في الفوز و من المستغرب اللجوء الى تبرير ذلك بالزعم بان العامل القبلي في طريقة للتآكل و حتى لوكان هذا التبرير وارداً فما هو الجواب للإنقسامات و التقسيمات الطبيعية الأخرى ؟

هل هناك رهان مشابه او دفع في نفس الإتجاه ؟!

هذا من جهة و من جهة اخرى فان اي إختبار أولي للخيارين الثالث و الرابع بالعودة الى السوابق و إحصاءات الإنتخابات الماضية اخذا التغييرات السكانية وما نحوها بنظر الإعتبار بصورة تخمينية عبر الرجوع الى اساليب القياس العلمية و السياسية المعتمدة المعروفة يكشف النقاب فمن عدم حيادية الخيارين المذكورين في وضعهما الحاضر بشكل صارخ و كبير و بباءا على ذلك يكون الخيار الخامس هو الخيار المتاح الأفضل الذي يجسد أهداف تعديل النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر الإنتخابية في الكويت المتمثلة بتعزيز الديمقراطية الدستورية و المساواة  و العدالة  و تكريس المشاركة الواعية  و العدالة في التمثيل البرلماني الذي تؤكده  المادتان ( 7 و29 ) في الدستور الكويتي فضلاً عن انه الخيار الذي يزيد القاعدة الإنتخابية و يغني عن الحاجة الى جهة محايدة و نزيهة مقبولة من كل الأطراف لإعادة رسم خارطة الدوائر الإنتخابية من خلال تحريك المناطق و تعديل الدوائر لتحقيق الإمتداد الجغرافي و خلق توازن بين الإمتداد الجغرافي والسكاني و ما الى ذلك من عقبات و عقد عصية على التوافق و الحلّ .

وهناك منْ يقبل بايجابيات تقليل عدد الدوائر و توسيع القاعدة الإنتخابية عبر الخيارين الثالث والرابع لكن يستدرك قائلاً :

بأن (( الدائرة الكبيرة أيضاً لها مساوئها ما لم توجد ضوابط للصرف على الحملات الإنتخابية و رقابة على التمويل و الصرف في العمليات الإنتخابية و الدعاية والإعلام ، فالقانون الكويتي يخلو من هذه الضوابط ومعظم الأعضاء او المرشحين يفشل لأسباب ضعف التمويل مقارنة بالأخرين . هذا اضافة لبعض الظواهر الإجتماعية التي تحتم على المرشح زيادة دواوين المنطقة و إلا أخذ روداها موقفاً سلبياً منه ... الخ )) (5) .

و هناك من يتخوف و يتحذر من القفز من ( 25 ) دائرة و في مرحلة واحدة الى دائرة واحدة كما في الخيار الخامس و الجواب على ذلك :

1- ان القبول بالمغامرة في الإنتقال من الدوائر ال ( 25 ) و دفعة واحدة الى (5 ) دوائر لا يختلف كثيراً فالفارق العددي ليس بكير بينما النوعي كبير و قد أشرنا الى بعض إيجابياته الهامة الأساسية التي تخدم أهداف التعديل المحورية .

2- ما ذكر من مساويء للدائرة الكبيرة يشمل الخيارات الخمس المتقدمة بنسب متفاوتة و هي عرضية ترتبط بالتمويل و الإنفاق و الشفافية و الضوابط و هي مطلوبة و لابد من إيجادها و تطويرها مجتمعة لدائرة إنتخابية واحدة او موزعة على اكثر من دائرة  ، و لا مفرّ من ذلك في كل الأحوال لترشيد القرارالإنتخابي .

و من الجدير بالذكر:

 ان (( اي تقسيم للدوائر في الكويت سيؤدي الى بالضرورة الى فرز قبلي او طائفي و إن كان غير مقصود بذاته )) ( 6 ) .

و حتى مع القبول بهذه الملازمة جدلاً فانها غير مطروحة في الدائرة الواحدة إضافة الى الهدف المحوري لتعديل النظام الإنتخابي هو العثور على بديل حيادي ديمقراطي دستوري يكرس لديمقراطية و يحقق العدالة في التمثيل بنسبة اكبر و يخفف من ذلك الفرز و هذا ما يمكن  أن يحققه بدرجة كبيرة مشروع الدائرة الإنتخابية على اساس الصوت الواحد .

مواضيع ذات علاقة :

أزمةالدوائرالانتخابية في الكويت

اليوم...البرلمان الكويتي يحسم «الدوائر»

الكويت : تعديل الدوائر الانتخابية يواجه اليوم « شيطان التفاصيل»

مَن يضمن الديمقراطية ؟

 1- الدستور أو النظام الانتخابي: أيهما  الأهم في النظام الديمقراطي؟

2- النظام الانتخابي : الإطار التشريعي

 3- النظام الانتخابي : تحديد الدوائر الإنتخابية

 4- النظام الانتخابي : تثقيف الناخبين

 5- النظام الإنتخابي : الإدارة الانتخابية

6- النظام الانتخابي : تسجيل الناخبين

7- النظام الانتخابي: الأحزاب السياسية والمرشّحون

8- النظام الانتخاب : عمليات الاقتراع

9- النظام الانتخابي  فرز الأصوات :

المصـادر :

( 1) في كتابه : مدخل في الأنظمة السياسية ( ص : 228-227 )

( 2) في كتابه : النظام الإنتخابي في الكويت ( الدوائر الإنتخابية ... تشخيص الواقع و ملامح التغيير : ص :7 ) .

( 3 ) في المصدر السابق :  ص : 276

( 4 ) ص : 278

(5 )  ص 278 

( 6 )  ص276