الإصلاح في الخطاب الرئاسي الأميركي

 

السيد يسين

 

لم تكتف دراسة "مرصد الإصلاح العربي" عن تقييم التحول الديمقراطي لعام 2005 بدراسة خطابات الإصلاح التي صدرت عن وزارة الخارجية الأميركية، ولكنها ركزت على الإصلاح في الخطاب الرئاسي الأميركي. وقد أعدت الدراسة الأستاذة هناء عبيد خبيرة العلوم السياسية.

ومن المعروف أن خطب رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة الأميركية عادة ما تتضمن التوجهات الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي في تحولاتها حسب المراحل التاريخية المختلفة.

ويمكن القول إن المبادرات الرئاسية الأميركية بصدد الإصلاح العربي تعددت وتطورت وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ويمكن القول إن هذه المبادرات تتمثل في أربع مبادرات رئيسية وهي: مبادرة تحدي الألفية، ومبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، والاستراتيجية المتقدمة للحرية، وأخيراً مبادرة الشرق الأوسط الكبير.

مبادرة تحدي الألفية :

أعلن عن هذه المبادرة في خطاب الرئيس بوش أمام بنك التنمية الأميركي وذلك في واشنطن العاصمة في 14 مارس 2002. وفي هذا الخطاب بادر بوش بالدعوة للإصلاح بشكل عام دون أن يربط ذلك بإقليم محدد. وأطلق الرئيس على مبادرته "تحدي الألفية" وهي عبارة عن مبادرة للعون في مجال التنمية المشروط بالإصلاح السياسي. كما دعا الدول المتقدمة إلى أن تسهم بشكل إيجابي في تنمية الدول الفقيرة بشرط أن تقوم هذه الدول بأداء ما عليها من واجبات في مجال ترسيخ قواعد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ووعد الرئيس بوش بزيادة مساعدات الولايات المتحدة الأميركية المقدمة للدول النامية بحوالى 50% على مدار ثلاث سنوات بزيادة سنوية مقدارها 5 بلايين دولار بحلول عام 2006.

وقد حدد الرئيس بوش عدة معايير تحدد جدارة الدولة بالاستفادة من المنح المقدمة في هذا الإطار. وفقاً لمعايير تنموية تتمثل في دخل الدولة، ومستويات الفقر فيها، ومعايير سياسية أهمها مؤشرات الأداء في المجالات التالية :

- الحكم الرشيد واحترام القانون.

- احترام الحريات المدنية وتعزيز الحقوق السياسية.

- السيطرة على الفساد والبيروقراطية، وتحقيق الشفافية والمحاسبية.

- الاستثمار البشرى.

- نسبة الإنفاق على التعليم الابتدائي والصحة، كنسبة من الناتج القومي الإجمالي.

- مؤشرات اقتصادية مثل التحرير الاقتصادي ومعدلات التضخم والسياسة التجارية.

وتقرر المبادرة أنه يستثنى من الاستفادة منها الدول التي يتعدى مؤشر الفساد فيها حداً معيناً.

ولو تأملنا المؤشرات السابقة والتي تتعلق كلها بحجم توجهات السياسة الداخلية في أي بلد، لأدركنا كمَّ وتنوع مبادرات التدخل فيها، بحيث يمكن القول إن هامش المبادرة أمام صانع القرار في البلاد النامية على وجه الخصوص أصبح بالغ الضيق. وذلك نتيجة لتوجيهات المؤسسات الدولية وأبرزها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وخصوصاً في المجال الاقتصادي، وكذلك القيود التي فرضتها منظمة التجارة العالمية.

غير أنه يمكن القول إن ابتداع مؤشرات سياسية وثقافية مثل الحكم الرشيد واحترام القانون، واحترام الحريات المدنية لتعزيز الحقوق السياسية، ربما تكون مسألة إيجابية لأنها تمثل وسيلة ضغط فعالة على النظم الاستبدادية في العالم النامي، والتي استمرأ حكامها إهدار حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والثقافية.

مبادرة الشراكة :

أعلنت مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط في الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش بجامعة "ساوث كارولينا" في 9 مايو 2003. وجاء الخطاب بعد حوالي شهرين من غزو العراق وثبوت عدم وجود أسلحة للدمار الشامل فيه. وأصبح بعدها التوجه الأميركي هو الإصلاح السياسي في العالم العربي انطلاقاً من العراق، حيث صيغ الزعم بأن العراق سيكون هو النموذج الديمقراطي الأمثل الجدير بأن يحتذيه باقي البلاد العربية. وهذا التوجه يقوم على مسلَّمة مفادها أن ترسيخ قواعد الديمقراطية من شأنه أن يقضي على الإرهاب في المدى الطويل.

غير أن الجديد في المبادرة يتمثل في اقتراح شراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، مع التركيز على مبادرة إنشاء منطقة تجارة حرة في الشرق الأوسط خلال عشر سنوات، لتكون بمثابة حوافز اقتصادية للإصلاح. وقد حدد الخطاب سلسلة من الخطوات المتدرجة لإنشاء منطقة التجارة الحرة مع دول الشرق الأوسط.

وتلخص دراسة المرصد هذه الخطوات فيما يلي :

- مساعدة الدول التي تنفذ إصلاحات في أن تصبح أعضاء في منظمة التجارة العالمية.

- التفاوض على معاهدات استثمار ثنائية وعلى اتفاقيات إطار للاستثمار والتجارة مع الحكومات المصممة على تحسين نظم التجارة والاستثمار فيها.

- استكمال مفاوضات اتفاقية التجارة مع المغرب.

- البدء بالتشاور مع الكونجرس في حملة لعقد اتفاقيات تجارة حرة ثنائية مع الحكومات الملتزمة بتحقيق مستويات عالية وتحرير التجارة بصورة شاملة.

- توفير مساعدة لبناء القدرات التجارية والتوسع التجاري حتى تستفيد الدول من الاندماج في نظام التجارة العالمية.

- تأسيس شركة تمويل الشرق الأوسط.

- تقديم المساعدة الفنية لإصلاح القوانين التجارية.

- تشجيع الشفافية والمساءلة ومساعدة الدول في مكافحة الفساد ودعم وإصلاح القطاع المالي.

ومن العرض السابق يتبين بوضوح أن مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط تهدف من وجهة النظر الاستراتيجية إلى ربط دول المنطقة ربطاً عضوياً بالاقتصاد الأميركي، في ضوء توجهات محددة وضوابط سياسية واقتصادية.

الاستراتيجية المتقدمة للحرية:

وتمثل الاستراتيجية المتقدمة للحرية المبادرة الثالثة في الخطاب الرئاسي الأميركي. ويمكن القول إنه بنهاية عام 2003 تحول الخطاب الرئاسي تحولاً ملفتاً للنظر، لأنه انتقل من سياسة تحفيز الدول العربية، إلى استراتيجية الضغط المباشر عليها، من خلال المساعي الدبلوماسية لتحقيق التحول الديمقراطي.

فقد أعلن بوش في خطابه أمام مؤسسة الصندوق الوطني للديمقراطية في 6 نوفمبر 2003 عما سماه "الاستراتيجية المتقدمة للحرية". وهي –كما تقرِّر دراسة مرصد الإصلاح العربي- بمثابة "إعلان نوايا" بتصعيد قضية الإصلاح الديمقراطي العربي إلى قمة الأولويات الأميركية إزاء المنطقة. وقد حدد الرئيس الأميركي الملامح الرئيسية لرؤيته للتحول الديمقراطي. وأهمها الحد من نفوذ الدولة والجيش، والحرص على تطبيق حكم القانون وبناء مجتمع مدني بما في ذلك وسائل إعلام مستقلة، وحماية حرية الاعتقاد، واقتصاد السوق، ومنح المرأة حقوقها السياسية.

وتأتي بعد ذلك مبادرة الشرق الأوسط الكبير لتبين الوسائل التي عن طريقها ستطبق الولايات المتحدة الأميركية التوجهات السابقة.

وهي تعتمد في ذلك على ثلاثة توجهاته:

- تشجيع الديمقراطية والحكم الرشيد.

- تشجيع إصلاح التعليم وبناء مجتمع المعرفة.

- توسيع الفرص الاقتصادية.

وترصد دراسة مرصد الإصلاح العربي ردود الفعل الأولية لصدور المبادرة وهو رفضها بشكل مبدئي على المستويات الرسمية والشعبية والفكرية في العالم العربي، على أساس أن قضية الإصلاح هي قضية داخلية، وفي نفس الوقت تحفظت الدوائر الأوروبية على المبادرة.

وبعد ذلك صدرت المبادرة الأوروبية- الأميركية عن قمة الثماني في شهر يونيو التالي، مركزة على الإقناع وليس على وسائل القسر والضغط.

هذه فكرة موجزة عن الدراسة الضافية التي أعدها مرصد الإصلاح العربي لعام 2005 عن الخطاب الرئاسي الأميركي، ويبقى أخيراً أن نعرض للكيفية التي طبقت فيها منهجية تحليل الخطاب لتقييم خطاب الإصلاح العربي.

ويلفت النظر أن الدراسة وضعت إطاراً للتحليل يستحق التأمل العميق، لأنه ميز بين أبعاد متعددة أهمها:

الافتراضات والادعاءات، والمسوغات والأدلة، والمركزية الثقافية والحجج القيمية المعيارية، والقيم والمصالح المشتركة، والإصلاح كترياق للفجوة والاستراتيجيات المقترحة.

وكل ذلك بحسب راي السيد يسين في المصدر المذكور .

المصدر : الاتحاد الاماراتيه – 4-5-2006