دراسات الخلاص ... ما هي المشكلة ؟
-1-
معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات بواشنطن بسم الله والحمد لله والصلاة على محمد واهل بيته الطاهرين إنهاض الأمة والخلاص من الواقع المعيش يملي فيما يملي دراسات مصداقية عينية تراكمية تستهدف حل مشكلاتنا الأساسية القائمة والمتوقعة في الواقعين الإجتماعي والدولي ، ولا أعني هنا الدراسات النظرية اوالوصفية اوالتجريبية بل أعني تحديداً الدراسات التطبيقية وإلى جانب نوع آخر هو الدراسات العملياتية ، والنوعان الأخيران من الدراسات في مجال الإنسانيات حديثان وقليلان حتى في الغرب ، والكثير من ذلك القليل غير موفق إلى حد يكاد أن يكون كبيراً . إن الدراسات المشار إليها قليلة نسبياً لأن الغالبية من الدراسات والبحوث والميزانيات إنما هي في مجال الصناعة والتكنولوجيا والتقنيات وما نحو ذلك ، وليست في مجال الإنسانيات كالنفس والإجتماع والإقتصاد والسياسة والإعلام وما شابه ، والكثير من ذلك القليل غير موفق كما تقدمَ بإعتراف كبار الأكاديميين والخبراء الغربيين أنفسهم ، ويعززه عدم نجاح حكماء الغرب منذ أمد ليس بالقصير ، وحتى يومنا هذا في معالجة مشكلات مصيرية كالديمقراطية ، الرأسمالية ، التعليم ، البيئة ، الإغتراب ، ما بعد الحداثة ، السلام العالمي ، الفساد ، وما شابه ، وذلك على الرغم من توالي الدراسات التحذيرية والمؤلفات الوقائية مثل كتاب ( موت الغرب ) لمؤلفه ( باتريك . بوكانن ) بإختصار ، وعلى سبيل المثال نذكر : - لقد عرف الحكماء هناك منذ وقت طويل نسبياً بأن الديموقراطيات الغربية - بحسب منتقديها الغربيين - انتهت إلى "بولياركيات" تقوم فيها الشركات الرئيسية بصفة خاصة بممارسة تأثير غير متكافىء ، أي انتهت إلى "نظم تعددية مشوهة" غير ناجحة في توزيع القوة ، ولذلك بدأ الحديث عن "التعددية الإصلاحية"، أو"التعددية الحديثة" ، وهو بحث مصيري متشعب متواصل لمشكلة محورية ما زالت تنتظر الحل ، ويمكن الوقوف على بعض مشكلات التعددية التقليدية في دراسات ومقالات محكمة تحت عناوين منها : الصوت السياسي لغير المنظمين ، أولسيئي التنظيم ، سيطرة جماعات الأعمال بشكل ثابت وتحكمها في قرارات التوظف والاستثمار فى المجتمع ، إنحياز الدولة بشكل دائم إلى جانب مصالح الأعمال ، الركود التعددي ، ونمو الضغوط المتجددة لجماعات المصالح على الحكومة ، والمؤدية إلى "أعباء إضافية"، وزيادة حلزونية فى الإنفاق العام ، وتدخل الدولة ، ومشكلة الأخلاقية النسبية العاجزة عن تزويد الأفراد بالإرشاد الأخلاقي . ونشير إلى أن ثورات الربيع الاوروبي التي طالبت بالإصلاح قديمة حيث وقعت مابين 1848 – 1849 وانطلقت من بلد صغير جدا وهو جزيرة صقلية الايطالية حين استطاعت في يناير عام 1848 القيام بثورة على حكم اسرة البوربون واسست دولة استمرت 16 شهرا ووضعت خلالها دستورا متطورا فكان لذلك تأثيره على الفرنسيين فقام الفرنسيون بثورتهم الثالثة في فبراير عام 1848 وطبعا كان الفرنسيون قد قاموا بصنع ثورتين فاشلتين قبل ذلك في اعوام 1789 و 1830. وعندما سقط حجر الدومينو الفرنسي الثقيل تتابعت احجار الدومينو الاوربية في السقوط . - كما أدرك أولئك الحكماء بأن الإعلام أوالسلطة الرابعة في الدول الديمقراطية الغربية اصبحت محتكرة ( إلى حد كبير من قبل المجموعات الاعلامية العملاقة المتحالفة مع المجموعات الاقتصادية الكونية والشركات المعولمة ) ، منحازة ، لا تتمتع بالاستقلالية والمصداقية والموضوعية المطلوبة ، ولا تحترم البحث عن الحقيقة مقارنة بما قبل حقبة سيطرة العولمة الليبيرالية فالنيوليبيرالية ... لكن المشكلة مازالت قائمة تنتظر المعالجة على الرغم من مقترحات كالسلطة الخامسة والمرقب الدولي لوسائل الاعلام . ونشير إلى أن الإنتباه للمشكلة قديم ففي عام 1940 هاجم اورسن ويلز في الفيلم المعروف "المواطن كاين" ذلك ( وكان نموذجه في الواقع صاحب الامبراطورية الاعلامية وليم راندولف هيرست في بداية القرن ) ، وهي لا شيء مقارنة بالإمبراطوريات الاعلامية الإحتكارية القائمة . - عدم النجاح في إنقاذ العلم من العجز ، وفي مجال الإنسانيات بشكل خاص لإنعدام المنهج القادر على دراسـة الواقع الكلي (Total Reality) أي إدراك الملموس ، وغير الملموس ، الحسـي ، وغير الحسـي كالأمور المعنوية ، أوالروحية ، أوالنفسـية ، وذلك علاوة على رفض "ما بعد الحداثة" المعرفة الموضوعية وما يترتب عليها من أُسسية ومرجعية فالوقوع في أسر التشكيك الجذري ، وبالتالي ضياع الإنسانيات بين مدارس متداخلة متخارجة منها على سبيل المثال : 1- المدرسة الفلسفية التقليدية . 2- المدرسة الوضعية . 3- المدرسة الهرمنيوطقية التفهمية . 4- المدرسة الهرمنيوطقية الوجودية التأويلية . الأولى تعاني من الكليانية والمزاجية ، والثانية من الإختزالية والتشيئية ، والثالثة من الإنطباعية والذاتية ، والرابعة من الذاتوية والعدمية فهي لا تقبل إمكانية الموضوعية وترفض المنهج والنموذج بل وحتى تقييم صلاحية المعرفة المُنتجة كما تفتحُ العلم على الفن والأدب من جهة والحقيقة على اللاحقيقة من جهة ثانية ، وتحول العَالمَ إلى كائن لغوي من جهة ، والإنسانَ من جهة أخرى إلى كائن هرمنيوطيقي أساساً لأن العالم لم يعد معطى خاماً بل هو عالمه الخاص الذي ينبثق من تفسيره ، وفهمه وتأويله الخاص . فالعالم يكشف نفسه للإنسان من خلال عمليات مستمرة من الفهم والتفسير والتأويل بحسب زعمهم . هذا ، والبحوث المحكمة التي تشكك في علمية العلوم التي تسمى بالعلوم الإنسانية ، مثل علم النفس وعلم الاجتماع كثيرة يمكن مراجعتها في مظانها . إذن : - على أحسن التقديرات الباحث أمام ندرة نسبية للدراسات التطبيقية المصداقية العينية التراكمية في مجال الإنسانيات بالنسبة للحاجات والمشكلات الأساسية التي يستهدف إشباعها وحلها بواسطة دراساته التطبيقية . وذلك مضافاً إلى ثورة "ما بعد الحداثة" على العلم التي نبذت الأسس المعرفية والميتافيزيقية التي قامت عليها الحداثة وسلبت الموضوعية والعقلانية والوثوقية من العلم لينحصر إنتاجه في الوصفيات والجزئيات والشذريات الغارقة في النسبوية المطلقة والمعفاة من الإستدلال والبرهان والتي باتت تُعرف بـ "المعرفة الضعيفة" وإلى درجة نرى فيه مفكراً مثل بول فيراباند (1924-1994) يذهب في نقاشه لإيمري لاكاتوش إلى حد القول إن التفكير العلمي ليست له أية أفضلية على التفكير السحري! ، وفيراباند هو مؤلف كتاب «ضد المنهج : مشروع نظرية فوضوية في المعرفة » Against Method الصادر سنة 1975. وربما ذلك هو ما حذا بـ "غاستون غرانجي" إلى تشبيه منهج الفهم المتقدم ذكره بالتفكير الأسطوري السحري حيث تسقط الذات خصائصها على الموضوع ، وتنصهر فيه ، والسبب نفسه دفع البروفيسور "جيمس ديز" James Deese ) ) أستاذ علم النفس بجامعة ( جونز هوبكنز ) بالولايات المتحدة في كتابة ( أزمة علم النفس المعاصر ) إلى أنه علينا أن نتخلى كلية عن الجهد العلمي في علم النفس ، والإعتراف بأن علم النفس يجب أن ينضم إلى عالم الأسطورة ، والوهم !. ويضيف "يديز" : أنه يمكن النظر إلى علم النفس على أنه لا يخرج عن كونه حشداً متنافراً من اجتهادات فكرية شديدة التباين والإختلاف ، وأن الطلاب الذين يدرسون مقررات علم النفس التمهيدية يشكون بشدة من أن مقرر علم النفس ما هو إلا كومة من الأمشاج ، والأخلاط المتنافرة ، وغير المتماسكة . ( ص : 123 : جيمس ديز ، أزمة علم النفس المعاصر ترجمة سيد أحمد عثمان 1980 ) . طبعاً يجب تحاشي تعميم ذلك النقد ، والإندفاع لتجاوز تلك العقبات ، والتأسيس لمناهج تضمن أعلى درجات الموضوعية الممكنة ، والوثوقية العالية المتاحة للدراسات والبحوث في مجال الإنسانيات لأنه لا يمكن إنكار إهمية ذلك المجال ، ودوره ، وكثرة المناهج الجديدة الفتية وتنوعها خير دليل على ذلك التأسيس المنشود لكن بلورة وصياغة نظامنا المعرفي يشكل نقطة الإنطلاق . وفي نقد الاتجاه الفينومينولوجي لفهم الواقع الاجتماعي يقول الدكتور سمير نعيم : "لا بد أن أعترف هنا للقارئ أنني كنت أكن احتراماً غامضاً للفلسفة الفينومينولوجية وللاستفادة منها في فهم الواقع الاجتماعي ... وظللت أحاول أن ألم بما قدمه جارفينكل من إسهام ولكنني اكتشفت أن كل ما كتبه وما كتب عنه لا يمكن أن يزيد عن السطور القليلة السابقة مكررة بعشرات الصيغ ومدعمة بعشرات الأمثلة التوضيحية وندمت ندماً شديداً على الوقت الذي أنفقته في هذه القراءة ، ولكن خفف من حدة ندمي أن زال سحر التسمية من عقلي ولم أعد أجهل المضمون الفارغ لهذه البدعة النظرية و قوى اعتقادي بأن هناك جهداً مقصوداً لشغل طلاب الاجتماع والمثقفين بأفكار جديدة ينفقون وقتاً هائلاً في محاولة فهمها ثم مناقشتها ونقدها و رفضها وما إن ينتهوا من ذلك حتى تفرض عليهم أخرى وهكذا لا يلتفتون إلى القضايا الأساسية للمجتمع ولا يصلون إلى فهم علمي حقيقي له ، و رأيت من واجبي أن أقدم هذه الصورة من الأفكار للقارئ العربي حتى يستفيد منها درساً و حتى لا ترهبه الأسماء الكبيرة أوالتسميات البراقة التي تتخفى وراء ستار علمي" . ربما هذا يعيدنا للظروف التاريخية التي ترافقت مع نشأة هاتين الفلسفتين ( الظاهراتية والمنهجية الشعبية ) و كيف كانت كرد فعل على عدم ملائمة قيم المجتمع الرأسمالي الصناعي ، ويرى عالم الاجتماع البريطاني باري سمارت أن تشجيع المؤسسات العلمية والاقتصادية و السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية لهذا النوع من الدراسات إنما يرجع إلى أن جارفينكل ومنهجه الشعوبي يركز الاهتمام على مواقف الحياة اليومية و كيفية تصور الناس لها بحيث يصرف الاهتمام تماماً عن أي شيء يتصل بالبناء الاجتماعي وعن أزمات هذا البناء ، فهو يقدم علم اجتماع محور اهتمامه هو الكلام والكلام عن الكلام بدلاً من الاهتمام بطبيعة ما يفعله الناس و بالعلاقة الجدلية بين الفكر و الفعل . ( ص248-247 - أحمد سمير نعيم ، النظرية في علم الاجتماع ، القاهرة ، مكتبة سعيد رأفت ، 1977 م ) . وقبل هذا ، وذاك قالها "جورج بطاي" وأمثاله : "أنا أسخر من المعرفة ، أنا أريد أن أعيش" ، "هذه الكتابة لا يجب أن تعدنا بشيء ، إنها لا تمنحنا يقيناً معيناً ، أونتيجة ، أوربحا" . إنها العدمية ، وإستلاب الوعي ، وهي نتيجة حتمية للمعرفة الضعيفة التي جاءت بها "ما بعد الحداثة" . إذن : - ليس الباحث أمام ندرة نسبية للدراسات التطبيقية في مجال الإنسانيات بالنسبة للحاجات والمشكلات الأساسية بل هو أيضاً أمام مشكلة علمية الدراسات النظرية أوالأساسية التي تعتبر المادة الأولية للدراسات التطبيقية . والمشكلة الأخيرة تهم الباحث لإن الدراسات التطبيقية تهتم بتطبيق اوتطوير نتائج البحوث الأساسية ( النظرية ) والوصفية ( العملية ) والتجريبية ، فهي تستخدم المعرفة العلمية التي أوجدتها تلك البحوث محاولة حل مشكلات الحياة اليومية ، والذي يهدف الوصول إلى المعرفة ليس فقط بالمعنى المجرد لها ولأجلها ، وإنما تحقيقا وابتكارا لحل معين للقضايا والمشكلات التي تهم المجتمع ، ولذلك فالباحث الذي يريد إنجاز دراسة تطبيقية محددة لابد له من التحقيق فيما يرتبط بالدراسات النظرية أوالأساسية ذات العلاقة ببحثة لمقاربة الحقيقة وتمييز الخطأ من الصواب لأن الدراسة التطبيقية التي تبنى على نظريات خاطئة ، ومعرفة غير سليمة لا يمكن أن تكون موفقة ، وذلك يفسر إنحراف الكثير من الدراسات التطبيقية في أحسن الأحوال إلى دراسات نظرية ، أوشبه نظرية ، ولا تنتهي مشكلة الباحث الملتزم المسؤول عند هذا الحد بل لا بد له من التأصيل ( يطلق البعض على التأصيل إسم أسلمة المعرفة ) ثانياً ، والتمييز ( يطلق البعض على التمييز إسم التفكيك الشيعي ) ثالثاً ، والمهمات الثلاث خطيرة كبيرة وتكاد أغلب إجراءاتها أن تقع خارج إختصاص الباحث التطبيقي ، أوفريق البحث التطبيقي . هذا ولا علاقة لما يُعرف بمدرسة التفكيك الشيعي بالمدرسة الأخبارية ، وكما لا علاقة لها بتفكيكية جاك دريدا (1930-2004) المعروفة . هناك تداخل وتخارج بين التحقيق والتأصيل والتمييز حيث موضوع الأول هو المُنتجات العلمية والمعرفية إي النظريات والقوانين الجزئية العينية الرائجة من مختلف المدارس والإتجاهات ، بينما موضوع الثاني هو نظرية الإسلام المعرفية ومناهجه وأدواته في البحث والإستدلال ( أي القواعد التي جاء بها الوحي لضبط النشاط المعرفي ) مضافاً إلى قوانين الإسلام الجزئية العينية في هذه القضية أوتلك ، بينما موضوع الثالث هو المُنتجات الدينية المعرفية المسماة بالعلوم الشرعية . اشرنا بإختصار إلى ضرورة التحقيق ، أما ضرورة التأصيل فترجع إلى توقفه على القواعد والمناهج والأدوات المذكورة للعمل بها والإحتكام إلى قوانين الإسلام الجزئية العينية في هذه القضية أوتلك بينما ضرورة التمييز تعود إلى إختلاط بعض المُنتجات الدينية المعرفية والمناهج التعليمية بالفلسفة والتصوف والعرفان والتأويل غير الوحياني وضرورات الفصل وأسسه المنهجية تبلورت مرة اخرى وأصبحت واضحة أكثر مع الميرزا مهدي الغروي الأصفهاني (1303ـ1365هـ/1885ـ1946م) ، وهو من كبار فقهاء الشيعة الإثني عشرية ، وأعلام مؤسسي مدرسة التمييز الحديثة التي تدعو إلى فهم نصوص الدين ( القرآن الكريم وسنة النبي وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام ) خالصاً وبعيداً عن شوائب الغرب والشرق الحديثة والقديمة كالمنطق اليوناني والفلسفة والتصوف والعرفان والإشراق وتأويلاتها . لماذا التأصيل ؟ ولماذا على الباحث التأصيل ؟ لأن ذلك من أوليات التقوى والإتقان والتحقيق والتأصيل ( المذكورين ) والأمانة العلمية وأخلاقيات البحث العلمي والإبداع فمنْ سنَّ سنة حسنة له أجر منْ عمل بها ... كما في الرواية ، ولأن التأصيل مشروع ضروري حيوي لم يُنجز بعد كما يجب ، والنهوض بالأمة مرتهن بالتقدم والنجاح على جبهاته ، ولا يمكن للباحث أن يتجاوز ذلك ولاسيما إذا كانت دراسته تطبيقية لأن الإسلام حاضر أوكامن بنسبة أوبأخرى في عقول ونفسيات المسلمين ... في الشعور واللاشعور ... في الوعي واللاوعي ، ومحور التطبيق هو المسلمون ، وذلك إضافة إلى : - إن الكثير من المعرفة في الإنسانيات القائمة غير قابلة للإستنساخ ناهيك عن مشكلات الموضوعية والجودة والوثوقية والموقفية والظرفية والتكاثرية ما نحو ذلك . - إصطدامها بالإنسداد ، وقد أشرنا إلى بعض الموارد ونضيف الإنسداد في حل مشكلة الفقر المتفاقمة في الشرق والغرب والشمال والجنوب يإعتراف كبار المفكرين الموضوعيين ، وقد ذكر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الفقر يقتل طفلا كل ثلاث ثوان في أنحاء العالم ، وتشير إحصائيات الأمم المتحدة الى أن 37% من سكان العالم الإسلامي يعيشون تحت خط الفقر أي ما يعادل 504 ملايين شخص ، وتبلغ نسبتهم الى فقراء العالم 39% ، وهذا يعني أن أكثر من ثلث سكان العالم الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر يسكنون العالم الإسلامي علماً أنه توجد الموارد الطبيعية بشكل وفير في العالم الإسلامي وأهمها النفط حيث يوجد في 35 دولة إسلامية ويشكل إنتاجه 43% من الإنتاج العالمي . - إن الإسلام منظومة واحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة أوالإخترال أوالإلحاق الذوقي أوالإنطباعي أوالتفهمي أوالهرمنيوطيقي ، أي أنه يتكون من مجموعة من الأجزاء أوالميمات المتداخلة التي تتفاعل مع بعضها البعض ، وترتبط فيما بينها بعلاقات تأثير ، وتأثر مستمر، ويؤدي كل جزء منها وظيفة محددة ، وضرورية للمنظومة بأكملها ... ، وكل جزء ، أوكل ميمة يمكن أن يؤدي أكثر من وظيفة ، فيؤثر ، ويتأثر في أكثر من منظومة فرعية ، أورئيسية ، أو...الخ ، وهكذا هو الحال بالنسبة للكل كما أشرنا في بحث مستقل آخر ، وهنا نشير بإيجاز إلى ان الإسلام يتشـكل من منظومات رئيسية متداخلة متخارجة متكاملة بصورة مترابطة بصورة عضوية ، أوغير عضوية ، ومن تلك المنظومات الرئيسية : - المنظومة الإيمانية العقدية . - المنظومة التشريعية . - المنظومة الأخلاقية . وعلى سبيل المثال فأن معالجة الإستبداد لا يمكن أن تنجح تماماً إذا أقتصرت على الإستبداد في المنظومة التشريعية السياسية - النظام السياسي - ، بل يستبعد نجاحها حتى إذا أقتصرت على المنظومة التشريعية برمتها أي بكل منظوماتها الفرعية مثل المنطومة التشريعية الإقتصادية ، المنطومة التشريعية العبادية ، المنطومة التشريعية الدبلوماسية ، المنطومة التشريعية الإعلامية ، المنطومة التشريعية الإجتماعية ، المنطومة التشريعية الفردية ، وغيرها من المنظومات الفرعية للمنظومة التشريعية ، كما يستبعد نجاح معالجة الإستبداد إذا شملت كلاً من المنظومة السياسية ، والأخلاقية ، بما يشمل كل المنظومات الفرعية للمنظومتين الأخيرتين ، وأهملت المنظومة الإيمانية العقدية ، بكل منظوماتها الفرعية ، أوببعض المنظومات الفرعية للمنظومة الإيمانية العقدية ، وخير دليل على ذلك : المآلات غير الموفقة لمشاريع التوفيقين والإعتذاريين والحداثويين ولما بات يعرف بالإسلام السياسي ، النتائج المخيبة للخطط الإقتصادية التي وضعها كبار الخبراء المتمرسين المرموقين المعروفين لبعض الدول المسلمة علاوة على فشل الإدارة في بلادنا كعلم ، ونجاحها كفن علماً أن الأخير يصدق بنسبة مختلفة على الغرب لأسباب متوافقة ومتابينة حيث أنجح مدراء لأنجح أربع شركات أمريكية لم يحصل أحد منهم على شهادة من أي كلية إدارة , بل أن اثنان منهم لم يكملا دراستهما الجامعية وهما Galvin : رئيس شركة Motorola ، و Bill gates ، رئيس شركة Microsoft ، وان 40% من رؤساء الشركات الفاشلة كانوا يحملون ماجستير في الإدارة . لماذا التمييز ؟ ولماذا على الباحث التمييز ؟ ما تقدمَ عن التأصيل يصدق على التمييز فلا فرق ، والواقع أن التأصيل لابد وأن يتضمن أيضاً التحقيق والتمييز معاً لأنه لا طريق إلى التأصيل إلا بذلك ، وإنما فصلنا بين الثلاثة للتوضيح ، وللضبابية التي تلف مفهوم التأصيل ، ولإختلاف بعض العاملين والفاعلين في ذلك كما سيأتي ، وقد بحثنا خلفيات ذلك تحت عناوان متعددة منها "كيف نعتمد على هذه الفلسفة ؟" ، وهنا نكتفي بالإشارة الموجزة في النقاط التالية : - مع الفتوحات وسياسات الخلفاء كتكثير المذاهب لضرب بعضها بالآخر ، والترجمة غير البريئة ، وغير المتقنة لكتب الفلسفة وأخواتها أختلط الوحياني بغيره ، ووقع الخلط بين القوانين التكوينية والاعتبارية حتى تأثر أصول الفقه وغيره بذلك كما ستأتي الإشارة إلى ذلك . - صاحب كتاب "ترجيح أساليب القرآن علي أساليب اليونان" يذكر أنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) لم يعرفوا المنطق اليونانيّ والارسطاطاليسيّ ، ولم يصوغوا أدلّتهم علي التوحيد في صور منطقيّة ، وإنّما في منهجٍ قرآنيّ أساسه الاعتبار . وإنّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) لم يعرفه في خطبه ومواعظه ، وإنّ الائمّة قدّموا أدلّة التوحيد من غير ترتيب مقدّمات المنطق ولا تقاسيم المتكلّمين . وينتهي الوزير الصنعانيّ (المتوفّي سنة 840 ) صاحب الكتاب المذكور إلى أنّ أُسلوب المسلمين أرجح وأحجى من أُسلوب المناطقة ، ( فهذا أُسلوب الانبياء والاولياء والائمّة والسلف من النظر ، وخالفهم بعض المتكلّمين وأنواع المبتدعة فتكلّفوا وتعمّقوا وعبّروا عن المعاني الجليّة بالعبارات الخفيّة ) . للتفصيل يمكنك مراجعة كتاب : "الإمام جعفر الصادق عليه السلام" - ص 293 - عبد الحليم الجنديّ ، ويذكر الأخير مقولة روجير بيكون ( المتوفّي سنة 1294 ميلاديّة ) وهو من المؤسسين القدامى لنهضة العلم في الغرب : "لَوْ أُتِيحَ لِيَ الاَمْرُ لَحَرَقْتُ كُتُبَ أَرَسْطُو كُلَّهَا ، لاِنَّ دِرَاسَتَهَا يُمْكِنُ أَنْ تُؤدِّي إلَي ضِيَاعِ الوَقْتِ ، وَإحْدَاثِ الخَطَأِ ، وَنَشْرِ الجَهَالَةِ " . - كتب الأصفهاني كتابه الذي أوضح فيه نظرته الأصولية وأسماه ( مصباح الهدى في أصول الفقه ) ، واشتدت البلية بعد ترجمة الفلسفة وانتشار العرفان واختلاط علوم الدين بهما وترويجهما ونشرهما في البلاد، وهذا الذي أوجب الجهالة على الناس وأظلم نور علوم الإسلام وأورث الجهالة بالعقل وأحكامه ، وانقلاب الفطرة الدينية فضلاً عن العقلائية ومباني الأحكام الإلهية ، فصار علماء العامة باستمدادهم تلك العلوم مشككين في كل باب ، وأوردوا الشبهات والموهومات في كل أمر ، كما صرح بذلك أعظم أركان الدين بعد الأئمة المعصومين (عليهم السلام ) الشيخ الكليني في أول الكافي ، فأوجب هذه السياسة توهم الإجمال والاختلاف في الكتاب والسنة وجميع الروايات في جميع الأبواب ولم يبق أمر عقلي أو فطري أوعقلائي إلا صار نظرياً . وقد صعب استنباط الأحكام من الروايات فقام أجلاء الأصحاب وكبار فقهائنا العظام لحفظ الدين ودفع هذا البلاء العظيم واجتهدوا في مقام دفع الشبهات والتشكيكات والأوهام التي سموها بالبرهان أوبالمكاشفة والعيان فوقعوا في مشقة عظيمة في قبال تلك السياسة فدونوا علم أصول الأحكام ومبانيها وما يتوقف عليه مجدين في دفع شبهات العامة وأوهامهم على حسب علومهم واصطلاحاتهم ، ونفس هذا الاختلاط الحاصل في علوم الإسلام أوجب بسط علم الأصول ، وأوجب تلك الاختلافات مع أن الفقاهة ذات درجات ، إلى أن انتهت الرئاسة إلى شيخ المشايخ العظام الشيخ الأعظم الأنصاري ( قدس سره ) فلخصه وهذبه فجزاه الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، فليس علم الأصول إلا ما يتوقف عليه التفقه والاستنباط ، ولذلك سمينا المكتوبات ( بمصباح الهدى ) ... الخ كلامه كما في كتابه المذكور - ص3/4.
للحديث صلة بإذنه تعالى
|