ويليام فاف
قرأنا عددا كبيرا من المقالات عن الصين، وعن أنها تحولت إلى قوة اقتصادية عظمى، ومنافس محتمل لأميركا. والكثير من تلك المقالات في الحقيقة مبني على تصور مؤداه أن النشاط الاقتصادي البحت، والزيادة الإحصائية في معدل الناتج القومي الإجمالي، يكفيان لصنع قوة عظمى. ولكن الصين في الحقيقة دولة مشغولة تماماً بتصنيع السلع التي صممت، أو المصنوعة جزئيا في الخارج، والمرسلة بعد ذلك إليها لإضافة اللمسات الأخيرة عليها، أو هي مشغولة بتصنيع المراحل الأساسية من السلع بغرض إرسالها إلى البلدان المتطورة لاستكمال مراحلها النهائية. لتكنولوجيا المتطورة ليست سلعة صينية إذن.. بل يمكن القول إن الصين لا تزيد على كونها مجرد مقاول من الباطن. ولا غضاضة في هذا الأمر، إذا ما عرفنا أن ذلك الدور تحديدا هو الدور الذي قامت به معظم الدول التي كانت تسير على طريق التحديث. ولكن رأيي مع ذلك هو أن الصين بشكل عام مازالت دولة فقيرة ومتخلفة تعتمد على التكنولوجيا المستوردة من الخارج.. لماذا؟ لأن الاتجاهات الديموغرافية، والهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة، والتطور الحضري غير المنظم، ومشاريع البنية الأساسية الهائلة ذات التأثيرات الكارثية على البيئة، كلها عناصر تهدد التنمية السليمة في الصين. علاوة على ذلك فإن سيناريو تحول الصين إلى قوة عظمى يعتمد على استمرار الاستقرار السياسي فيها. ولكن هذا الاستقرار أمر مشكوك فيه خصوصا إذا ما أخذنا في اعتبارنا القلاقل الشعبية، والصراعات الداخلية في بيئات العمل، واستمرار الحزب الشيوعي الصيني الميت أيديولوجياً، والمعاق أخلاقياً، في ممارساته الوحشية في حكم البلاد. والعدد المتزايد من حوادث العنف التي تندلع احتجاجاً على مظاهر عدم المساواة الاجتماعية في الصين تسبب إزعاجاً كبيراً للقيادة فيها. فعلى سبيل المثال ورد في الأنباء أن وزير الأمن العام الصيني "زو يونج كانج"قد أدلى بتصريح أمام اجتماع رسمي مغلق في الآونة الأخيرة قال فيه : إن عدد "أحداث العنف الجماعي" - يقصد المظاهرات- قد ازداد بشكل دراماتيكي في أنحاء البلد وأن عدد المشتركين في تلك الأحداث قد وصل إلى عدة ملايين. على أن أحداث العنف هذه تظل مع ذلك أقل تهديدا للنظام من الخطر الذي يمثله الإدراك الشعبي المتزايد بأن الحكومة الشيوعية لم تعد تمتلك شرعية سياسية أو أخلاقية تؤهلها للاستمرار في قيادة الصين، وأنها أصبحت تعاني من الإفلاس الثقافي. كان الغرب تقليدياً يرى أن التحدي الرئيسي الذي يواجه القيادة الصينية هو الديمقراطية. حول هذا الأمر يقول أحد الصينيين الذين أقاموا فترة طويلة في الغرب : إنه عندما عاد مؤخرا إلى الصين في زيارة بعد انقطاع دام عدة سنوات، ذهل من حجم الثقة في النفس التي يبديها الشعب الصيني، ومن بحث هذا الشعب الدائم عن القيم النابعة من ماضيه العريق بدرجة أصبحت تشكل ضغطا على الحكومة الصينية. وعلى ما يبدو أن هذا الضغط هو الذي دفع تلك الحكومة في الآونة الأخيرة إلى تخفيف قبضتها الأمنية على الممارسات الدينية لمواطنيها، والتي وصلت إلى حد منح الشرعية للشبكات الدينية المسيحية السرية، أو –كما في حالة الكنيسة الكاثوليكية- الاعتراف بهذه الكنيسة التي كانت تعمل تحت الأرض في البلاد والتي تدين بالولاء للفاتيكان. وقد رد الفاتيكان على البادرة الأخيرة من الحكومة الصينية بدعوة عدد من ممثلي الكنيسة الكاثوليكية الصينية لحضور مؤتمر الشباب الكاثوليكي العالمي الذي عقد في مدينة "كولونيا" الألمانية والذي حضره البابا بنديكت السادس عشر شخصياً. ومن التحديات الأخلاقية الأخرى، التي تحمل قدرا أكبر من الدلالة إذا ما نظرنا إليها من منظور الحضارة الصينية، تلك الرغبة الجديدة في العودة إلى الأصالة الثقافية الصينية التي استغلتها حركة "فالون جونج" وهي حركة ينظر إليها في الغرب على أنها ممثلة لطائفة تقوم بممارسات تقليدية صينية سرية نوعاً ما غرضها تحقيق السعادة في الحياة. وقد اهتمت الحكومة الصينية في السنوات الأخيرة بحركة "فالون جونج" أكثر من اهتمامها بأي تحد آخر. ففي هذا الإطار قامت قوات الأمن الصينية بقمع أتباع تلك الجماعة بقسوة بالغة إلا أنهم تمكنوا مع ذلك من الخروج في مظاهرات صامتة تضم عشرات الآلاف احتجاجاً على ذلك القمع. والانتقادات الرئيسية التي توجهها الحركة للحكومة الصينية هي أنها قامت بشن حرب على الثقافة الصينية التقليدية التي يعود عمرها إلى خمسة آلاف عام خلت، وأنها قد عملت على القضاء على ثلاث عقائد رئيسية قديمة هي الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية، كانت تقليدياً تعتبر مصدرا للشرعية بالنسبة للحكومات الصينية المتعاقبة على مدار التاريخ. وكان هذا الهجوم من قبل الجماعة أقوى هجوم يتم شنه على الحزب الشيوعي الصيني الذي يقدم عادة نفسه على أنه يمثل قاطرة التحديث والتقدم في الصين، وأنه هو الذي قام في مرحلته الماركسية- الماوية بالقضاء على الماضي الفاسد لصالح رؤية طوباوية لتحقيق الديمقراطية الشعبية، وأنه يتبنى الآن قيم العولمة على الطراز الغربي في مجال التصنيع وفي الاقتصاد بهدف تحويل الصين إلى مجتمع من الأثرياء. ونظراً إلى أن الصين لم تتحول بعد إلى مجتمع من الأثرياء، ونظرا إلى أن الهدف والوسيلة معا يتصفان بالعقم واللامنطقية، فإن الهجوم الذي تشنه حركة "فالون جونج" على الحزب ربما يكون هجوماً مميتاً في الحقيقة. والسبب في ذلك هو أن هذا الهجوم يركز على قلب النظام مباشرة، وذلك من خلال مطالبته بالعودة إلى المصادر والمنابع التي صنعت عظمة الحضارة الصينية، وهي تلك المصادر والمنابع نفسها التي قام الحزب على نحو منظم بالقضاء عليها، وأصبح غير قادر بالتالي على العودة إليها. المصدر : ICAWS - ويليام فاف تحت عنوان : الصين... نمر من ورق - 27-8-2005
|