وسائل الإعلام الأوروبية تحت المجهر الأمريكي
تحت عنوان : وجهة نظر أوروبا الإعلامية يقول شاليني فانتوريلي : فيما تعتبر عادة أعمال الإتحاد الأوروبي عقلانية وغير مؤذية، يتم وصف القوة الأمريكية كقوة تقودها الفردانية الوحشية والرأسمالية الداروينية وتنمية ثقافية مكبوحة وقوة عسكرية قاسية. هارفارد إنترناشونال جورنال أوف برس _ بوليتيكس (مجلة هارفرد الدولية للصحافة والسياسة) المجلد 9 العدد 4 أكتوبر 2004. لطالما كانت وسائل الإعلام الأوروبية مهووسة بالولايات المتحدة. لكن التغطية المتزايدة لأخبار أمريكا في الصحافة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، لم تكن تغطية موضوعية، بل كانت تستعمل صورة أمريكا استعمالاً مجازياً للمساعدة على تحديد الهويات الوطنية الأوروبية، وهذا التناول دعم تغطية الأخبار على مدى عقود. لكن بعد إعتداءات 11 سبتمبر 2001 وإعلان إدارة بوش الحرب على الإرهاب، اتخذت هذه التغطية وجهاً جديداً يتميز بالحقد. فأي تحليل لأثر وسائل الإعلام الأوروبية على الرأي العام، يتغاضى عن ذكر هذه النظرة المعادية لأمريكا، لا يتناول في الواقع سوى قشور المسألة. ومِن الأمثلة الأخيرة على ذلك دراسة حول صورة الإتحاد الأوروبي في نشرات الأخبار الوطنية أجراها أستاذان مِن جامعه أمستردام هما جوشن بيتر وكليس ه.د.فريز ونشرت في هارفارد إنترناشونال جورنال أوف برس / بوليتيكس (مجلة هارفارد الدولية للصحافة والسياسة). وفي محاولة شاقة لتقييم محتوى محطات التلفزيون الوطنية بشكل تفني في بريطانيا والدنمرك وفرنسا وهولندا وألمانيا، وجد بيتر ودز فريز تغطية شحيحة للإتحاد الأوروبي وللمسؤولين فيه، ما يعارض الفكرة المزعومة عن "أوروبا" نشرات الأخبار الأوروبية. وتؤكد هذه الدراسة بعض السمات المعروفة عن نشرات الأخبار مثل الأولوية الهامة المعاطاة للحرب أو النـزاعات في إعداد النشرات الإخبارية. لكن لا يقتنص الكاتبان فرصة هامة للبحث عما إذا كانت المواقف الثقافية تجاه الولايات المتحدة تؤثر بدورها على المواقف الثقافية تجاه الإتحاد الأوروبي. وستجد نظرة موضوعية أن هذه المواقف يحدد بعضها وفقاً للبعض الآخر. وتقدم وسائل الإعلام الأوروبية - لاسيما شبكات التلفزيون الوطنية- الإتحاد الأوروبي كقوة مضادة مطمئنة في وجه الولايات المتحدة. فالقوة الخيّرة (الإتحاد الأوروبي) لا توجد إلا في مقابل قوة شريرة (الولايات المتحدة) ولا تكون إذا مجرد كيان هوية مستقلة. هذا الإتجاه ظاهر بشكل جلي في شبكات التلفزيون الأوروبية العامة التي تؤدي دوراً أكبر في صقل الرأي العام مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة. فهي تستفيد مِن تمويل حكومي مهم ومِن تقليد في نشر خطاب تدعمه الدولة، وبهذا تعطي محطات التلفزيون العامة في أوروبا المواطنين : نظرة إيديولوجية غير خجولة تبقى نافذة رغم توسع محطات التلفزيون التجارية والمستقلة في أرجاء القارة الأوروبية. ورغم اعتراف بيتر ود. فريز بالدور المهم الذي تلعبه محطات التلفزيون العامة، إلا أنهما لا يقارنان للأسف بين تغطيتها لأخبار الاتحاد الأوروبي وتغطيتها لأخبار الولايات المتحدة والعالم. كما أنهما لا يتعمقان بشكل ملائم في تناول مفهوم "القوة الخفية" عندما يفسران : غياب مسؤولي الاتحاد الأوروبي عن شاشات التلفزيون. وبما أنها اعتادت على تدخل حكومي قوي، قلما تتطرق وسائل الإعلام الأوروبية : إلى نمو المؤسسات الأوروبية وقوة الإتحاد الأوروبي مما يسفر عن تغطية مجردة وباردة لمؤسسات الإتحاد. كما تصقل هذه "القوة الخفية" تغطية أخبار الولايات المتحدة: ففيما تعتبر عادة أعمال الإتحاد الأوروبي عقلانية وغير مؤذية، يتم وصف القوة الأمريكية كقوة تقودها الفردانية الوحشية والرأسمالية الداروينية وتنمية ثقافية مكبوحة وقوة عسكرية قاسية. ولعل عيوب هذه الدراسة ناجمة عن استخدام الكاتبين لمعطيات مسح أجرى عام 2000 باتت بلا فائدة بعد إعتداءات 11 سبتمبر. فهذه الأحداث التي غيرت العالم صقلت وجهات نظر المواطنين تجاه الإتحاد الأوروبي كما تجاه أمريكا، وإن أمثلة مِن محطات التلفزيون العامة بعد أحداث 11 سبتمبر قد تفيد الدراسة، لكن فقط لو أرفقها الكاتبان بنظرتهما قبل هذه الأحداث. أن القصة الحقيقية لوسائل الإعلام الأوروبية ليست، كما تشير الدراسة، تلك التغطية الفاترة للإتحاد الأوروبي. بل تتمحور حول كيفية وصف محطات التلفزيون الأوروبية للإتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة بإعتبارهما قوتين متعاديتين غير قابلتين للتصالح، وذلك بعد مبالغة في التركيز على الإختلافات بينهما. وعلى نطاق أوسع : إنها قصة تلك الشظايا المتطايرة مِن الإنفصال بين أوروبا وأمريكا، وكيف تحدد الرأي العام وتأخذه في اتجاهات متباعدة لا بل غالباً ما تكون متناقضة، وهذا ليس بلا أدنى شك في صالح مواطني القارتين وتاريخهما. اختيار واستعراض : عفاف حسين. المقالات تعبرعن وجهة نظر صاحبها. المصدر : مجلة : إف. بي - مارس - ابريل 2005.
|