دور المثقفين و الاعلام في مقاومة الإرهاب

 

 

إسم الكتاب: أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 كما يراها مفكرون وكتاب عرب

إسم المؤلف: د. احمد ابو مطر

الناشر: دار الكرمل للنشر والتوزيع - عمان- الاردن

تقديم: سيف الدين كاطع

 

على الرغم من مرور ستة اعوام على تفجيرات نيويورك في الحادي عشر من ايلول 2001 الا انها ما زالت تستأثر بالعديد من الدراسات و الكثير من الاهتمام، اذ يدور اغلب هذه الدراسات والآراء بشأن مدى مشروعية هذه العمليات، وتحديدا هل هي ارهاب ام جهاد ومقاومة؟

ويمكننا تلمس هذه المسألة بقدر واضح من المعاينة والاستقراء ونحن نطالع كتاب”احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001  كما يراها مفكرون وكتاب عرب“ الصادر مؤخرا من دار الكرمل للنشر والتوزيع في عمان- الاردن، اذ يرى معد الكتاب د. احمد ابو مطر، ان تلك التفجيرات هي عبارة عن ارهاب صريح واضح بتقدير امتياز مع درجة العار والهمجية الاولى وان الذين قاموا بها ارهابيون قتلة من الصعب ادراجهم ضمن فصيلة البشر.

ويعتقد ابو مطر ان هذا الكتاب يأتي لمعالجة هذه القضية المهمة من خلال رؤية عدد من الكتاب العرب، مضيفا: ان اختيار هذه العينة من الكتاب والمفكرين من خلفيات فكرية مختلفة، لكن يجمعهم على ادانة هذه العمليات وما يشبهها في اي مكان، وهذا من شأنه ان يقول للقراء العرب وغير العرب ان هذه الامة لا يمكن ان تجمع على خطأ من شأنه ان يسيئ لها ويشوه صورة الاسلام الذي يلصق به الارهابيون عملياتهم الاجرامية، من خلال اعطاء هذه العمليات اسماء اسلامية ويستهلون بياناتهم بآيات من القرآن، كما ان ذلك يدلل على ان غالبية الكتاب والمفكرين العرب ضد هذا الارهاب وان القلة التي تروج لهذا الارهاب لايمكن ان تكون معبرة عن رأي الغالبية العربية التي يقلقها هذا التخلف الذي يعيشه العالم العربي اذ ان نسبة الامية لا تقل عن ستين بالمائة، وبدلا من التركيز على مقومات التنمية والتقدم، تنشغل هذه القلة من الارهابيين ومن يدعمهم بتشتيت الجهود البناءة وصرف الانظار عن القضايا الرئيسة المتعلقة بمستقبل هذه الامة، ان هذا الكتاب، كما يعتقد ابو مطر، ومن خلال ما كتبه خيرة مفكري وكتاب الوطن العربي يسعى الى ان يكون جرس انذار ينبه الى الخطر الارهابي الذي يلحق الخسائر المادية والمعنوية بالامة العربية قبل غيرها.

يضم الكتاب بين دفتيه مقدمة وجزءين، الاول هو كيف ينظرون الى تفجيرات الحادي عشر من ايلول وكتب في هذا المحور كل من د. شاكر النابلسي، ود. سيار الجميل، ومجدي خليل، ود. عبد الخالق حسين وعزيز الحاج وفرانسو باسيلي وفيصل علوش وحسين نورالدين، ود. احمد البغدادي، وعمرو البقلي واشرف راضي.

اما الجزء الثاني الذي حمل محور، لماذا حدث ما حدث؟ الخلفية التعليمية والدينية للارهاب وكتب فيه، د. شاكر النابلسي، ود. عبد الخالق حسين، ود. رجاء بن سلامة، ود. محمد عبد المطلب الهويني، ود. عبد الحميد الانصاري وسعد الله خليل وحسين درويش العادلي وزهير كاظم عبود.

ولعل الذي يعنينا في محاولة عرضنا لمفردات هذا الكتاب تلك الدراسة التي قدمتها الكاتبة التونسية د. رجاء بن سلامة والمعنونة بـ”دور المثقفين والاعلام في مقاومة الارهاب “ الذي تحاول فيه الكاتبة تعريف الدور الذي من الممكن ان يلعبه المثقفون والاعلاميون منهم بصفة عامة، قبل ان تقوم بتحليل ادوارهم الخاصة في التأسيس الثقافي والتربوي لمقاومة الارهاب في السياق العربي والدولي الراهن، موضحة الامر على النحو التالي: يتفق المحللون اليوم على ان الارهاب الانتحاري الجديد ظاهرة اعلامية فهو ليس حدثا فحسب، بل حدث صورة يقع امام كل الانظار وينقل عبر وسائل الاتصال في الزمن الواقعي فالاعلام مكون من مكونات الحدث الارهابي، من شأنه ان يضاعف طاقته على انتاج الرعب، او الخوف الجماعي، ما يجعل الاعلام سيفا ذا حدين، ينقل المعلومة ويسمح بانطلاق العواطف الملتبسة والاستيهامات السادية من عقالها وترى الكاتبة ان بعض المفكرين يتساءلون عن مدى شرعية”استخدام آلام الاخرين “ من قبل الاعلام ويذكرون بالدور الاخلاقي المناط بعهدته، فالصورة ليست خبرا في حد ذاته، بل هي اداة يجب ان يصاحبها التحليل النقدي ويجب ان تنزل من سياقها وهذا الحذر من الصورة ومن الشاشة.

كما تعتقد د. رجاء بن سلامة انه يجب الانطلاق من الادبيات الفلسفية التي توكل للمثقف مهمة قيمية وتجعل منه سلطة نقد ومراقبة”كرامشي وسارتر وبورديو “ ويمكن ان نقول: ان المثقف هو ذلك المنتج للرموز الذي يتخذ موقفا من التوجيهات الكبرى للمجتمع.

وترى الكاتبة ان ادوار المثقفين والاعلاميين في مواجهة الارهاب وفي التأثير في الرأي العام، يمكن ان تكون متظافرة ويمكن للمثقف اتخاذ واسطة الاعلام لتقديم تصور قيمي عن السياسي، ويمكن للاعلام ان لا يكون صورة فحسب او حدثا فحسب، وان يوفق بين مقتضيات ايصال الخبر ومقتضيات مناهضة الارهاب والبنى الفكرية المنتجة له وان لا يكتفي بتقديم صور الارهاب وضحاياه للاستهلاك السلبي، وبتحويل المساحة الاعلامية الى منبر لاذاعة خطب مرتكبي الارهاب ومناصريهم وتمضي الكاتبة في التعليق على اهمية الدور القيمي او الاخلاقي الذي تضطلع به الثقافة والاعلام، قائلة: ان هذا الدور يعود بالاصل الى طبيعة الارهاب، فالفعل الارهابي فعل لا اخلاقي بالاساس ولا يمكن ان تحد من لا اخلاقيته القضية التي يهدف اليها مهما كانت مشروعة او نبيلة، ولا يمكن ان تحد من لا اخلاقيته عملية التدمير الذاتي التي تجعله انتحارا.

كما تتطرق الكاتبة الى التركيز على الدور القيمي والاخلاقي للاعلاميين والمثقفين الذي ينبع من التشخيص لطبيعة الممارسة الخطابية السائدة في اغلب المنابر العربية، مؤكدة ان بعض هذه المنابر تفسح المجال واسعا للارهابيين انفسهم عن طريق العرض المتكرر للتسجيلات التي يرسلون بها وتفسح المجال لخطابات تمجد الارهاب صادرة عن شخصيات اعلامية وثقافية مرموقة من حيث الحظوة والشهرة، فمن رئيس تحرير لصحيفة يومية معروفة يطلق على ابن لادن لقب الشيخ ويبرر تفجيرات تنظيم القاعدة .. الخ من اشكال وتمظهرات تقال هنا وهناك على لسان مدير مركز ابحاث او وزير عربي سابق ومستشار للجنة الدفاع عن الصحفيين وغيرهم.

وتختم الكاتبة بن سلامة دراستها في ان هذا الامر يدفعنا الى التمسك بالشرعية الدولية ولا يمنعنا من الاسهام في تطوير القوانين الدولية وفي المطالبة بتسيير اكثر ديمقراطية لاجهزة مجلس الامن، واستنكارنا للعمليات الارهابية التي يتعرض اليها المدنيون العراقيون واعتبارنا اياها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ولا يمنعنا كذلك من انتقاد استخدام القوات الاميركية للقوة العشوائية اثناء غاراتها ومداهماتها للمناطق السكنية وانتقاد اساليب احتجازها لآلاف من المشتبه بهم من دون مراعاة لضمانات الحماية التي يكفلها القانون الدولي، ومساهمتنا في القضاء على الارهاب لا تمنعنا من انتقاد انتهاكات حقوق الانسان باسم مناهضة الارهاب وهي انتهاكات من شأنها ان تعصف في المعارضة الشرعية وتلقي بعرض الحائط الحق في افتراض البراءة والحق في المحاكمة العادلة، مضيفة ان الضرورة تجعلنا ان نوجه النقد لانفسنا بوصفها الفكرة الاكثر اهمية التي تفرض نفسها اليوم في ظل القضايا الشائكة التي يجب ان نخوض فيها مع الجميع على نحو تحاوري وسلمي.