الدولة في الفكر الإسلامي االمعاصر

 

 

إسم الكتاب: الدولة في الفكر الإسلامي االمعاصر

إسم المؤلف: عبد الإله بلقزيز

دار النشر: مركز دراسات الوحدة العربية

قراءة : محمد أبو رمان 

 

يمثل كتاب عبد الإله بلقزيز "الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر" (مركز دراسات الوحدة العربية 2002)، يمثل أحد أبرز الدراسات التي تقدم رصداً جيداً لتطور مفهوم الدولة في وعي النخبة الإسلامية حديثاً ومعاصراً ابتداء من رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني، مروراً بمحمد عبده ورشيد رضا وعلي عبد الرازق، وصولاً إلى سيد قطب ومحمد قطب ثم القرضاوي والغنوشي وعبد السلام فرج وعبد السلام ياسين وغيرهم.

يرى "بلقزيز" ابتداءً أنّ هنالك أربعة خطابات إسلامية رئيسة حول الدولة الإسلامية؛ الخطاب الإصلاحي، والخطاب السلفي الشرعي، والخطاب الشمولي (الحاكمية)، وأخيراً الخطاب الإخواني. وفي تقديري فإنّ هذه الخطابات بالفعل تمثل المساقات العامة لمفهوم الدولة في وعي النخبة الإسلامية من جهة، وتقدم ملامح عامة لتطور الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر ومراحله، وإن كان هناك تداخل بين المراحل، من جهة أخرى.

الخطاب الإصلاحي الأول كان في قلب المواجهة مع الاستعمار الغربي، وفي ظل تنامي إدراك النخبة الإسلامية المستنيرة بالفجوة الحضارية الواسعة؛ لذلك كان التأكيد على أهمية بناء الدولة الحديثة المدنية ومواجهة الاستبداد، وهي الملاحظة التي يلتقطها علي أومليل في كتابه "الإصلاحية العربية والدولة الوطنية" (المركز الثقافي العربي 2005)؛ إذ يرى أنّ الفكر الإصلاحي الأول قد تركز حول قناعة رئيسة وهي أنّ سبب تأخر المسلمين يعود إلى الاستبداد وغياب المؤسسات السياسية الحديثة، وأن أوروبا نهضت وتميزت بفعل مؤسساتها السياسية وتقييد السلطة المطلقة لحكامها، مما دفع إلى تأكيد الخطاب الإسلامي على ضرورة إقامة الدولة المدنية الحديثة التي تحقق العدل والشورى (كمرادفات إسلامية للديموقراطية)، والمطالبة بإصلاحات سياسية بنيوية.

أبرز تجليات الفكر الإصلاحي الأول تظهر بشهادة رفاعة الطهطاوي على الفجوة الحضارية بين أوروبا وبين العالم الإسلامي، وعلى أهمية تطوير الحياة العامة والسياسية في المشرق العربي، وفي جهاد الأفغاني السياسي من أجل الشورى والدستورية كعوامل ممانعة وقوة داخلية في مواجهة الخطر المحدق، وفي دعوة خير الدين التونسي وابن أبي ضياف إلى "الدستورية"، وبتأكيد محمد عبده على الصيغة المدنية للدولة الإسلامية، وكذلك بمرافعة عبد الرحمن الكواكبي ضد الاستبداد.

الخطاب الثاني "السلفي الشرعي"- وفقاً لبلقزيز- يمثله محمد رشيد رضا، الذي وإن كان يمثل في مراحله الأولى امتدادا للفكر الإصلاحي إلاّ أنه عاش ليشهد مرحلة تاريخية جديدة، عنوانها إلغاء الخلافة الإسلامية، وصعود الدعوات العلمانية، مما انعكس سلباً على خطابه – أي رشيد رضا- من خلال العودة إلى مفهوم الخلافة في التراث السياسي الإسلامي، واستعادة منظومة المفاهيم والأدوات المنهجية المرتبطة به، وهو ما يعدّه عدد من الباحثين والدارسين للفكر الإسلامي بمثابة القطيعة مع الفكر الإصلاحي الأول وتأكيده على الدولة المدنية الحديثة.

بصفتي أحد الدارسين لرشيد رضا وخطابه السياسي، ومع الإقرار أنّ رشيد رضا يمثل في مرحلته الأخيرة تراجعاً عن الوهج المنهج الإصلاحي للإمام محمد عبده، إلاّ أنّ اختزال نظرية رشيد رضا السياسية في كتاب الإمامة العظمى فيه جور وظلم للرجل، الذي يقدم طرحاً سياسياً في كثير من مؤلفاته ومواقفه يتجاوز التراث الإسلامي ومقولاته، بل ويطوّر كثيراً من مفاهيمه، ولا يقف عند التفسير الفقهي التراثي لها، كمفهوم شرعية السلطة والخروج عليها ومفهوم الشورى وأهل الحل والعقد..الخ.

في المقابل، يقدم العالم الأزهري علي عبد الرازق فتوى سياسية جريئة ومكلفة في نقد نظرية الخلافة؛ معتبراً أنّها بدعة ليست من الإسلام في شيء، الهدف منها خدمة مصالح السلطة السياسية وإسباغ بعد ديني عليها يمنحها ثوب القداسة والعصمة. إلاّ أنّ الكتاب تعرض لحملة الغضب والتشويه وحكمت المؤسسة الدينية ممثلة بالأزهر ومعها التيار العام من الإسلاميين على مقالته الفكرية- السياسية بالإعدام،..

الخطاب الثالث هو "الإخواني" الذي يقدم له الشيخ حسن البنا (مؤسس جماعة الأخوان) ويلاحظ "بلقزيز" أنّ رؤية البنا السياسية مرتبكة بين القبول بالدستور وتحيكم الشريعة، أو بين القبول بالانتخابات النيابية والهجوم على الأحزاب السياسيةن أو بين التعامل مع الدولة الوطنية ووضع الخلافة كهدف بعيد الآمد. ويضيف "بلقزيز" إلى هذا الخطاب حسن الهضيبي والقرضاوي وعدداً من الكتاب الإسلاميين الذين قدموا خليطاً من التصورات والمفاهيم التراثية والحديثة في تصورهم للدولة الإسلامية.

الخطاب الرابع "الشمولي"، يمثله سيد قطب وأبو الأعلى المودودي ومحمد قطب ومعهم عبد السلام فرج وغيره من قيادات التيار الجهادي. ويرى "بلقزيز" أنّ هذا الخطاب يحمل شبهة "الثيوقراطية"؛ إذ يقدم "المسألة السياسية" بأسرها في سياق من المفاهيم الدينية المطلقة كمفهوم حاكمية الله، وهو مفهوم غامض يثير العديد من التساؤلات حول مصدر السلطات والديمقراطية..الخ.

ربما أتفق مع عبد الإله بلفزيز بأن رؤية سيد قطب والمودودي ومحمد قطب واتجاه مرتبط بهم في الفكر الإسلامي قد تكون أقرب إلى "الشمولية" أو الدولة الإسلامية ذات الصبغة التعددية المقيدة، والحريات المحدودة. إلاّ أن هناك ثلاث ملاحظات رئيسة:

الأولى تتمثل بأنّ سيد قطب لم يقدم مقالاً مفصلاً حول الدولة الإسلامية مشدداً على قضيته الأولى والرئيسة "حاكمية الله"، محاججاً عنها، كما أن خطاب المودودي السياسي مرّ بمراحل متعددة تختلف الأولى منها عن الأخيرة في الموقف من الديموقراطية والتعددية..الخ.

والثانية أن الجمع بين رؤية الأخوين قطب والمودودي وبين رؤية الجماعات الجهادية حول الدولة غير دقيق، فصحيح أنّ الجهاديين تأثروا ابتداء بهؤلاء المفكرين إلاّ أن رؤية الجهاديين لمفهوم الدولة الإسلامية ذهبت مدى أبعد في التضييق والتقييد، وصلت إلى تصورات تاريخية بلا أي قبول بالآليات والمبادئ السياسية الحديثة، وهو ما يختلف بالتأكيد عن رؤية هؤلاء المفكرين، والتي فصّل فيها محمد قطب فيما بعد، وأجاب عن بعض الأسئلة المرتبطة بها (ككتابه حول تطبيق الشريعة) بما يختلف عن مقالة الجهاديين وتصوراتهم.

والثالثة أنّ هناك تداخلاً بين خطاب قطب والمودودي الشمولي وبين الخطاب الإخواني؛ إذ يتبنى اتجاه داخل جماعة الإخوان المسلمين مزيجاً من أفكار سيد قطب وأفكار البنا والمودودي، وتقترب تصوراتهم للدولة الإسلامية وسماتها العامة من تصورات سيد قطب العامة.

على ما سبق؛ أرى أن مقالة الجهاديين في الدولة تتميز بنسق عام مختلف يمكن أن تُدرّس كخطاب إسلامي مستقل، يستند إلى ما أنتجه الكتاب المرتبطون بهذا التيار كعبد السلام فرج والظواهري وأبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وعبد المنعم حليمة أبو بصير وغيرهم من الكتاب الجهاديين الذين نشطوا في السنوات الأخيرة.

على الرغم من أهمية كتاب بلقزيز إلاّ أنه لم يسلط الضوء على مساهمة التيار الإصلاحي المتأخر في الخطاب الإسلامي حول الدولة، كطارق البشري ( مقاربة الجماعة الوطنية) المسيري (مقاربة العلمانية الجزئية والكلية) أحمد كمال أبو المجد ( الإسلام الليبرالي) الغنوشي وهويدي (المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان..).

ومؤخّراً؛ استأنف عدد من المثقفين والكتاب مرافعة علي عبد الرازق في نقد الخلافة والتأسيس لمفهوم العلمانية المؤمنة، وقد شهد مؤتمر الوسطية الذي عقد في عمان (ابريل 2006) مساجلة سريعة بين د. أحمد الكبسي – الذي رأى أن الإسلام لا يتناقض مع العلمانية السياسية- ود. عصام البشير – الذي رفض ذلك، وقال: إن الإسلام لا يتناقض مع المدنية وليس العلمانية-. في الحقيقة هذا السجال ليس بعيداً عن ساحة الإعلام العربي في الآونة الأخيرة التي تشهد حوارات كبيرة حول مفهوم الدولة الإسلامية.

ومن اللافت للانتباه، أيضاً، بروز جيل من المثقفين والمفكرين الإسلاميين الليبراليين الشباب في الساحة العربية والإسلامية (سنة وشيعة)، يقتربون من رؤيتهم السياسية من الخطاب الإصلاحي الأول، وتأكيده على رفض الاستبداد، و الدعوة إلى المؤسسية، وقيمة الحرية، وبناء أسس ديمقراطية لشرعية السلطة، والتوسع في الاجتهاد الفكري والفقهي في تحديد سمة الدولة الإسلامية، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى جماعة الملتقى في سورية (رضوان زيادة، عبد الرحمن الخاج، عبد الرحمن الحلي، سامر الرشوان، معتز الخطيب) ومجلة الكلمة- ذات الصبغة الشيعية (زكي الميلاد ومحمد محفوظ) ومجلة قضايا إسلامية معاصرة وحزب العدالة والتنمية المغربي (سعد الدين عثماني، محمد يتيم، أحمد الريسوني) وغيرهم، يمكن أن نعتبر أيضاً المبادرات الإصلاحية الإخوانية الأخيرة (تمثل مرحلة متقدمة في هذا الخطاب حول التعددية والمعارضة والديموقراطية).

في المحصلة؛ وإن كنا لا ننفي وجود مساهمات ورؤى وتصورات متعددة وثرية. لكن مقالات الإسلاميين حول الدولة لا تزال متناثرة لم تنضج بعد لتشكل نسقاً من المفاهيم والأدوات المتجانسة المتكاملة، فهي أقرب إلى "اللغو الأيدلوجي" أو الأدب الإسلامي - على حد تعبير بلقزيز.

وكل ذلك بحسب قراءة محمد أبو رمان في المصدر نصا ودون تعليق .

المصدر : http://204.187.100.80/articles/show_articles_content.cfm?id=177&catid=190&artid=7258