فهم النزاعات الدولية

 

 

الكتاب: فهم النزاعات الدولية

 Understanding international conflicts

تأليف: جوزيف إس. ناي

 Joseph S. Nye

الناشر: اديسون ـ ويسلي 2006

الصفحات : 288 صفحة من القطع المتوسط

 

يعمل جوزيف ناي أستاذا للعلاقات الدولية في أهم الجامعات الأميركية، وهو مؤسس بالاشتراك مع روبرت كيرهان ـ مركز الدراسات الدولية الليبرالية الجديدة، وقد قدما معا في عام 1977 كتابا أصبح مرجعا في نظريات العلاقات الدولية تحت عنوان: «القوّة وتداخل العلاقات».

تجدر الإشارة إلى أنه قد جرى اختيار جوزيف ناي، عام 2005 كأحد أفضل عشرة أساتذة للعلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأميركية.عمل جوزيف ناي كمستشار في وزارة الخارجية الأميركية في ظل إدارة جيمي كارتر كما شغل منصب نائب وزير الدفاع في حكومة إدارة كلنتون (1994 ـ 1995).

وكان الكثيرون ينتظرون توليه منصب مستشار الأمن القومي الأميركي في حالة فوز المرشح الديمقراطي جون كيري في الانتخابات الرئاسية لعام 2004، له العديد من المؤلفات نذكر منها: «مفارقة القوة الأميركية» و«العلاقات الدولية وعالم السياسة» و«القوة الهادئة».

في هذا الكتاب الجديد، كما في كتبه السابق، يؤكد جوزيف ناي، أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد قوة مهيمنة على الصعيد العالمي، لاسيما بعد العديد من «التراجعات» التي عرفتها منذ حرب الفييتنام حتى فشل الحرب الأخيرة في العراق. كما يرى أن العديد من الدول الكبرى المنافسة لها قد «لحقت بها» في العديد من مجالات المنافسة.

لكن هذا لا يلغي، برأيه، واقع أن التراجع النسبي للقوة الأميركية لا يعني أبدا أن الولايات المتحدة قد فقدت مكانتها في صدارة القوى العالمية لاسيما في الميادين العسكرية والاقتصادية والمالية والتكنولوجية. وهذا ينجم عنه الإقرار أنها لا تزال أحد الأقطاب الأساسية، بل القطب الأساسي، في العلاقات الدولية.

ومن الواضح أيضا في هذا الكتاب، كما في العديد من الدراسات والمساهمات التي قدّمها «ناي» خلال السنوات الأخيرة أنه يعارض بشكل قوي السياسة التي انتهجتها إدارة جورج دبليوبوش وخاصة نزعتها في الهيمنة وبجعل أميركا هي «القطب الوحيد» الذي يسيّر سياسات العالم.

ويرى أنه بمقدورها، اعتمادا على واقع قوتها الحقيقية الكبيرة، أن تحتل موقع «الزعامة» في العلاقات الدولية إلى جانب مشاركة القوى الأخرى الأساسية في العالم؛ وذلك نظرا للتبدل الذي عرفته موازين القوى الدولية.ما يؤكد عليه جوزيف ناي في هذا الكتاب هو أن فهم النزاعات الدولية يشكل خطورة أساسية من أجل تجنب النزاعات المستقبلية.

هكذا يرى أن أوروبا قد استطاعت على خلفية هزيمة نابليون أن تقيم نوعا من التوازن بين الأمم الأوروبية. وعبر فهم ذلك النزاع توصل «حلفاء وخصوم الأمس» إلى إيجاد إطار للسلام يضم دولا ديمقراطية وأنظمة ملكية أكثر قدما. وقد كانت القطيعة في ذلك «التفاهم» قد ساهمت في نشوب الحرب العالمية الأولى التي شهدت نهاية الإمبراطورية النمساوية ـ الهنغارية.

وعلى خلفية النزاع الكوني الأول 1914 ـ 1918 قام الأوروبيون بتوقيع معاهدة فرساي الشهيرة عام 1919 التي أصرّ فيها المنتصرون على «إذلال» المهزوم، أي ألمانيا. هكذا بدأ عمليا منذ لحظة معاهدة السلام، أو بالأصح الاستسلام، التحضير للحرب العالمية الثانية التي شرع فيها أدولف هتلر عام 1939.

وكان ذلك بمثابة تعبير عن «تحول الاستياء إلى عدوان». لكن ألمانيا خسرت للمرة الثانية حربها وعرفت الدمار الكبير على يد جيوش الحلفاء.وبعد الحرب العالمية الثانية سادت الفترة المعروفة بـ «الحرب الباردة»، وكانت منظمة الأمم المتحدة والحلف الأطلسي وحلف وارسو بمثابة القوى الفاعلة في توجيه مسار المنظومة الدولية.

ويتم التأكيد هنا على أن نزاعات الماضي هي التي أبعدت عن المنظومة الثنائية التي قامت بوجود معسكرين غربي وشرقي، أو رأسمالي واشتراكي عن التفكير بإمكانية اللجوء إلى حروب ذات طابع عالمي. بالطبع لعب مفهوم الردع النووي، وإمكانية كل معسكر على تدمير المعسكر الآخر في إحلال نوع من «سلام الرعب».

وفي معرض البحث عن «مصادر الحروب الكبرى» يميّز المؤلف بين وجهتي نظر سائدتين، تعبر أحدهما عن رؤية من يسميهم بـ «أصحاب النزعة الواقعية»؛ وهؤلاء يرون أن «مصدر الحروب يكمن في بحث الدول عن امتلاك القوة والأمن في عالم تعمّه الفوضى». والواقعيون الذين يقيمون وجهة نظرهم على قاعدة موازين القوى يُبدون الكثير من التشاؤم حول «فائدة» المؤسسات والمنظمات الدولية،

وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، فيما يتعلق بمسألة «منع وقوع الحروب والنزاعات». ثم إن قيام منظمات دولية قوية وفاعلة مرهون بوجود «قدر كافٍ من الاتفاق» بين القوى الكبرى على وجود مثل هذه المنظمات. بالمقابل لا يمكن للخلاف بين القوى الكبرى إلا أن يجعل المؤسسات الدولية عاجزة عن الفعل وعن منع نشوب الحروب، والحرب العراقية الأخيرة دليل واضح على ذلك.

وهناك وجهة النظر التي يسميها المؤلف بـ «الليبرالية» التي ترى أن النزاعات «لا تتحدد فقط بموازين القوى وإنما بالبنى الداخلية للدول وبقيمها وثقافاتها». كما يرى أصحاب وجهة النظر هذه أنه يمكن لليبرالية، لاسيما في بعدها التجاري وما يفرضه ذلك من تداخلات بين الأمم، أن تكون عاملا في منع نشوب الحروب. كذلك يؤكدون على أن الأمم الديمقراطية، ذات النزعة الليبرالية، لا يمكن أن تقوم «عمليا» بالحرب ضد أمة ديمقراطية أخرى وتتبنّى نفس القيم.

ويتحدث «ناي» عن المحافظين الجدد تحت تسمية «ذوي نزعة الأحادية القطبية الجدد»؛ أي أنصار نظرية تفوق الولايات المتحدة الأميركية على أساس أنها قوية إلى درجة لا يمكن معها لأية قوة أخرى أن توازنها في القوة العسكرية وبالتالي تستطيع أن تفعل ما تريد ولا يملك الآخرون سوى أن ينصاعوا لذلك. ومثل هذه النظرية هي التي كان عبّر عنها نعّوم شومسكي وحيث اعتبر أن أصحابها يريدون أن يقولوا للعالم: «نحن السادة وعليكم أن تمسحوا أحذيتنا».

مثل هذا الإحساس بالقوة العسكرية يمكنه أن يغذّي اللجوء إلى الحروب وفرض الإرادة. هذا مع تناسي أنه هناك دائما حاجة حقيقية لطلب يد المساعدة من الآخرين. وهكذا لا يمكن مثلا للولايات المتحدة أن تتصور انه يمكنها أن تفوز في حربها «المعلنة» ضد الإرهاب بالاعتماد على قواها وحدها، والأمر نفسه بالنسبة للعديد من النزاعات التي لها آثارها على العلاقات الدولية.

ثم إن التصرف «الأحادي الطرف» لا بد وأن يبدو للآخرين نوعا من «الحلف» الذي يُبعد هؤلاء «الآخرين». ومثل هذا «الحلف» هو الذي جعل السواد الأعظم من دول العالم لا تريد مشاركة أميركا في حربها ضد العراق، ثم عدم تقديم يد العون حقيقة لأميركا بعد أن شنّتها وانتصرت فيها خلال فترة قصيرة. هكذا يمثل الجنود الأميركيون نسبة 90 بالمئة من مجموع القوات الأجنبية الموجودة في العراق.

ويؤكد المؤلف أن فكرة إمكانية حل جميع المشاكل التي تعترض فرض الهيمنة الأميركية على العالم، من منظور المحافظين الجديد، هي التي كانت وراء عمليات التدخل العسكري والحروب التي قامت بها الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة. وما يتم تأكيده هو أن القوة العسكرية الأميركية «فعّالة جدا»

ولكنها «غير كافية»؛ لاسيما في ميدان محاربة الإرهاب التي تتطلب تضافر الجهود السياسية لمختلف البلدان المعنية وخاصة وأساسا تضافر جهود أجهزة شرطتها. وتتم الإشارة في هذا السياق إلى «تضاؤل قوة جنوب أميركا في العالم» في ظل السياسة الحالية لاسيما لدى الشعوب الأوروبية وأكثر منها لدى شعوب العالمين العربي والإسلامي.

المصدر: البيان الإماراتية