صناعة العنوســة في الفن والإعلام

 

ولاء الشملول

 

العنوسة.. سكوت من فضلكم !

زادت في السنوات الأخيرة معدلات العنوسة بدرجة مزعجة لم تشهدها المجتمعات العربية من قبل، ففي المجتمع المصري وحده وصل عدد الشباب غير المتزوج من الجنسين إلى 11 مليون شاباً وفتاة وفق آخر إحصاء رسمي للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ولا شك أن الرقم في تزايد مستمر.

العنوسة، صداع في رأس المجتمع المصري والعربي، فهي تعني زيادة معدلات الانحراف الجنسي والعلاقات غير الشرعية والتي يدخل فيها الزواج السري والعرفي، وزيادة معدلات الاغتصاب، وارتفاع نسبة الجرائم الأخلاقية بصفة عامة وتعني في المجمل العام تحلل أخلاقي للمجتمع، وهو خطر لا يمكن صده إلا بجهود متحدة متعددة من جهات شتى تستطيع أن تتعاون لصد هذا الخطر وممن يعرض لأسباب مشكلة العنوسة يُصَّدر مشكلة مغالاة الآباء في المهور وتكاليف الزواج المادية، وهي مشكلة قائمة فعلاً، وإن كانت ليست بالحجم الذي يصوره القائلون، فعلى طول الزمان، والزواج مكلف، وتكلفته كبيرة للزوج، ودائماً يجهز له الشاب لسنوات طويلة، مما يعني أن هناك متغيراً جديداً دخل في المشكلة زاد حدتها وفاقم من أزمتها، وهو في تصوري أن فكرة الزواج أصبحت فكرة ثقيلة الظل بالنسبة للشباب، وأصبحت فكرة سخيفة يمكن الاستغناء عنها في ظل القنوات الفضائية والسموات المفتوحة، والقنوات الإباحية والمواقع الخليعة على شبكة الإنترنت، كلها تؤدي غرض واحد، ومما رسخ هذا المعنى لدى الشباب هو الإعلام نفسه خلال سنوات طويلة من خلال السينما والمسلسلات، وتحديداً أفلام السينما التي دائماً تصور الزواج وكأنه جحيماً لا يطاق والزوجة تحيل حياة الزوج عذاب ومعاناة، والأولاد يحيطون آباهم بالطلبات والاحتياجات، وفي المقابل يعرض حياة الشباب قبل الزواج لاهٍ عابث يعيش حياته بالطول والعرض يعيش في حرية مزعومة خلقتها له وسائل الإعلام وزينتها له وضخمتها فالإعلام بتراكماته عبر السنين أوضح للشباب أن الحياة بلا زواج أفضل فهو يعيش بلا زوجة تكبت حريته وتسأله من أين جئت وإلى أين تذهب، وتحيطه بطلبات والتزامات المنزل، فهو يصادق هذه ويتعرف على تلك بدون مسئولية الزواج الثقيلة، وهكذا يعيش حر وملك زمانه.

فالإعلام كرس فكرة أن الزواج ثقيل الظل وفكرة سخيفة ولا يجني إلا الهم والمسئولية الثقيلة على كاهل من يقدم عليه، وظل الشباب لسنوات أسير الأفلام التي تخدر الشباب وتدس لهم السم في العسل موهمة إياهم أن الحياة السعيدة هي التي بلا زواج والإعلام متهماً من زاوية أخرى فهو حين يقدم نماذج الأزواج والزوجات يقدم النماذج السوبر الفذات والأفذاذ، الخارقات والخارقين، فهي دائماً جميلة رشيقة مثقفة جامعية من عائلة محترمة وغنية ومتدينة وبها كل الصفات الايجابية، والعريس به كل الصفات الايجابية بدوره فهو وسيم مثقف جامعي متدين يعمل بمهنة مرموقة من عائلة محترمة شخصية جذابة، وهكذا فدائماً كل المتزوجين والمتزوجات في الإعلام عامة من الخارقين والخارقات بلا عيب واحد وهذا غير حقيقي، وغير منطقي وغير معقول، ولا يحدث على أرض الواقع أبداً فلابد من عيب، فيظل المسكين أو المسكينة في أرض الواقع يبحث عن النموذج الذي صوره له وسائل الإعلام فلا يجده في الواقع فيضيع بحثاً عن صورة غير موجودة، فهو يطارد وهماً.

والإعلام متهم من زاوية ثالثة فحين يقدم طريقة التعرف على شريك أو شريكة الحياة يفترض دائماً ان هناك علاقة مسبقة ربطت خيوطها بين الشاب والشابة قبل الارتباط الرسمي، ويفترض وجود قصة حب بينهما، ويتساءل في استنكار: كيف نتزوج بدون حب؟ ويظل البطل والبطلة يحاربان طوال أحداث الفيلم من أجل هذا الحب المزعوم والحقيقة أنه لا شرط أبداً أن يسبق الزواج قصة حب ملتهبة، أو أن يكون الحب قبيل الزواج من النوع الملتهب المشتعل الذي لا تخمد نيرانه إلا الزواج بل يمكن أن يكون مجرد تعارف هادئ تم بين الأسرتين، أو مجرد ميل عادي أو راحة نفسية أو حتى حب هادئ بسيط وليس مشتعلاً كما تصوره دائماً وسائل الإعلام.

إن وسائل الإعلام مسئولة عما وصل إليه حال شبابنا من تدهور ووضع أيدهم على خدودهم وجلسوهم في بيوتهم حتى سن الخامسة والثلاثين بدون زواج إن العنوسة كارثة قومية تهدد أمننا وسلامتنا، وعلينا أن نفيق منها قبل فوات الأوان وعلى وسائل الإعلام أن تتحمل مسئوليتها ودورها في القيام بدور فعلا في حل هذه المشكلة من خلال أفلام ومسلسلات ترسم الصورة الحقيقية للزواج وما يجب عليه أن يكون فعلاً، وليس ما تروج له من أكاذيب وأوهام.

وكل ذلك حسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق .

المصدر: lahaonline.com