المسلمون والإستثمار في الإعلام...الواقع والآفاق
عبد الكريم بكار
كان المفترض أن يقود المسلمون ثورة الإتصالات في العالم حتى يتمكنوا من تبليغ الرسالة , وحتى يتمكنوا من التواصل والتعاون فيما بينهم , ولا سيما أنهم موزعون على أرجاء العالم كافة , لكن بما أن ذلك لم يحدث –لأسباب معروفة- فلا أقل أن نستفيد من الإمكانات الهائلة التي وفرها التقدم التقني على صعيد الإتصالات والبث الفضائي وشبكات المعلومات .. إنني لا أعني ابتداء بالأستثمار استثمار المال فحسب , فالمال ضروري وجوهري ومن دونه لا تستطيع القيام بالكثير من الأعمال , لكن هناك أمور كثيرة أيضا لا يتم تحقيقها من خلال المال , إنني أعني بالأستثمار في الإعلام أيجاد إهتمام أولا بهذا القطاع الحيوي والمهم جدا حيث أن أي مجال أو قطاع لا يرتقي إلا من خلال كثرة المهتمين به , كما أعني بالأستثمار في الإعلام بذل الجهد والوقت في تفعيل دور الإعلام الإسلامي في النهوض بالأمة وحل مشكلاتها , فبناء مواقع إسلامية على الإنترنت يتطلب المال , ولكنه يتطلب الجهد والتعب أكثر من حاجته إلى المال , وطبيعة ممارسة الإعلام والدعوة إلى الله تعالى- على الشبكات المعلوماتية تتسم بالمرونة ويمكن أن يسهم في إثرائها الكثير الكثير من الشباب والأشبال بعد القليل من التدريب والخبرة , إننا بالمال نستطيع إيجاد بنى وهياكل إعلامية لكن بناء الإعلامي اللامع المحترف يحتاج إلى وقت وقد يكون عليك أن تصبر عشرين سنة حتى تحصل على إعلامي ممتاز , ففهم البيئة الإعلامية واستيعاب الفرص والتحديات الموجودة فيها وشق طريق خاص متميز بين شعابها ووهادها يحتاج إلى الممارسة والمعاناة والإنخراط في لجة العمل الإعلامي , والزمن عامل مهم في بلوغ كل ذلك . اليهود يتمتعون بالخبرة الواسعة بمكامن القوة فيه , فقد كانوا يقولون في الماضي : من يملك الذهب يملك العالم , وهم يقولون اليوم : من يملك الإعلام يملك العالم , وهذا القول عميق الدلالة , فالإعلام اليوم من خلال الإتقان الفائق للبرامج التي يقدمها , ومن خلال ما يتمتع به من قدرة كبيرة على التأثير بات قادرا فعلا على أن يصنع شيئا من لا شئ , إنه قادر على أن يوجد بيئة كاملة من الأفكار والمشاعر والقيم والإهتمامات والإتجاهات لأمور تافهة أو هامشية مثل الرياضة والفن والطبخ والأزياء ...والملاحظ –مثلا- أن بعض منتجات هوليوود من الأفلام والأعمال الفنية بات يركز على إظهار (البوذية) بوصفها الديانة الأعمق روحانية والأكثر إنسانية وقد اقتنع الكثير من الناس في الغرب – على الأقل- بذلك , والسبب هو أن اليابانيين اشتروا أسهما في هوليوود بعشرات المليارات من الدولارات , وباتوا يتحكمون في إنتاجها , وقد قدموا بذلك خدمة لديانتهم من الصعب أن تحظى بها لولا عمايت الشراء تلك ! والإعلام في المقابل قادر من خلال تجاهله وتعاميه أن يسدل الستار على أكثر القضايا والأزمات والنكبات حيوية وشناعة , ففي عالم مهموم ومشغول ومشتت يصبح إرباك الوعي وصرف الإنتباه أمرا في غاية السهولة . بالإضافة إلى ما ذكر نحن بحاجة إلى تكثيف الإستثمار في الإعلام لسببين جوهريين : الأول هو : تأدية أمانة التبليغ وإيصال رسالة الإسلام إلى الناس كافة , والحقيفة أن البث الفضائي المتوافر الآن إلى جانب شبكات المعلومات قد وفرا وسائل للتبليغ , كان أسلافنا عاجزين عن الحلم بها , فقد أمكن الآن مخاطبة مئات الملايين من البشر في آن واحد وأيصال ما نريد إليهم , على حين كان الناس في المضاضي يغبطون العالم إذا جلس في حلقته ألف من طلاب العلم , إن هذه السهولة في التواصل العالمي جاءت في الوقت المناسب , حيث أن معظم سكان الأرض قد فقدوا اليوم الإحساس بالأهداف الكبرى والإحساس بالأهداف الكبرى والإحساس بالغاية من الوجود , والمسلمون وحدهم هم الذين يملكون الرؤية والمنهج اللذين بحتاج إليهما العالم . الأمر الثاني هو : مقاومة شرور الإعلام الماجن الذي دخل كثيرا من البيوت , وباشر عمليات تخريب واسعة النطاق من خلال إفساد الأعراف والأذواق والمفاهيم , إنه فعلا يعيد صياغة العقول المشاعر من جديد على نحو بالغ السوء وليس هناك من حل اليوم سوى إيجاد إعلام إسلامي قادر على المنافسة والإستيلاء على جزء من الجماهير , إن الإعلام يشكل شيئا جوهريا في عصرنا , وأن التقدم على صعيده يعد من الشروط المهمة لفهم روح العصر والتأثير فيه , وقال أحد المفكرين : (إذا لم يكن لك روح عصر كانت لك كل شروره). الإعلامي الإسلامي يواجه تحديات لا يواجهها أي إعلام آخر , حيث إن عليه أن يجمع بين الجاذبية والإلتزام , ولذا فإنه لا يستطيع أن يتغذى على شهوات الناس ورغباتهم , كما لا يستطيع مخادعة الناس واستغلالهم –كما يفعل الإعلام الآخر- ولكن مع هذا فإن ترسيخ وجوده في الساحات العالمية ليس بالأمر المستحيل إذا توافر لدينا ما يكفي من الوعي والإخلاص والعزيمة . إن أغنياء المسلمين مطالبون ببذل الأموال ووقف العثارات من أجل إنشاء المؤسسات الإعلامية , وإن الدعاة والمثقفين مطالبون بأن يسعوا في بناء الأطر الإعلامية وتأسيس مؤسسات الإنتاج الإعلامي وتوجيه الطاقات الشابة من أجل العمل في هذا المجال المهم , أما جمهور المسلمين فإن دعمهم للإعلام الإسلامي يتكثل في شراء منتجاته وقراءتها وفي الإعلان في وسائله , وفي التفاعل مع الرسالة الإعلامية التي يقدمها لهم . وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر: balagh
|