صدمة الإعلام الحر

 

كاظم الحسن

 

 

يشير المفكر البريطاني (كارل بوبر) الى ان المجتمعات المفتوحة اكثرة قدرة على مواجهة الازمات والصدمات والكوارث من المجتمعات المنغلقة وذلك من خلال الشعور بالمسؤولية والثقة بالنفس والاستقلالية التي تنمي في الفرد الشجاعة والقدرة على المبادرة واتخاذ القرارات المصيرية ونتيجة الحرية المتراكمة على شكل مؤسسات فانها تضع آليات للاستفادة من التجارب والاخطاء وحالات الفشل وعليه فان تلك المجتمعات تسير صوب التقدم والازدهار.

فحين ان الدول ذات الاسوار العالية او الستار الحديدي لا تتعظ بالتاريخ او الدروس التي تمر عليها بسبب انغلاقها وانطوائها على ذاتها ولذلك فان المنعطفات الكبرى التي تداهم تلك الامم تسبب لها صدمات ومخاضات مؤلمة ولكنها ضرورية ان استطاعت العبور الى الضقة الاخرى وقد يكون انتقال العراق من دولة هي الاكثر عزلة في العالم الى دولة فضاءها مفتوح وحدودها مستباحة ،افضى الى اختلال التوازن في مختلف مرافق الاعلام التقليدي الذي كان سائدا آنذاك. وكمرحلة مابين قديم في مرحلة الانهيار وجديد مازال في طور التشكل والتبلور تتلاشى المعايير المهنية ان وجدت في الدكتاتورية وتعم الفوضى الاعلامية ولقد كان لبعض الاصوات والاقلام الاعلامية التي لم تدرك التحولات التاريخية والثقافية دور سلبي من خلال التحريض والترويج للعنف والكراهية والطائفية ولذلك ان البعض يتوهم في اعتقاده بانخفاض العنف في العام 2007م نتيجة زيادة القوات الاميركية او دور مجالس الصحوة او القوات المسلحة وينسى الدور الخطير للخطاب الاعلامي في تهدئة النفوس وتحرير العقول من الحقد والبغضاء وازالة الاحتقانات الطائفية .

عندما يقال عن الاعلام انه السلطة الرابعة يعني ذلك ان الكلمة لها مسؤولية اخلاقية ولاتلقى جزافاً وان صاحبها سوف يتحمل نتائجها طالما انها تؤدي الى المساس بحياة الناس اوحدياتهم وممتلكاتهم وهذا مادرجت عليه الامم الحرة في التعاطي مع الازمات والقضايا الملحة اوالانتخابات كما حدث مع الصحافي الفرنسي (الن دوهيل) حين قال امام مجموعة من طلاب العلوم السياسية :انه يحب المرشح للرئاسة فرانسوا بيروا وسينتخبه وهذه العبارة القصيرة كلفته ثمناً غالياً فلقد عوقب وتم تعليق ظهوره على شاشات (فرانس تلفزيون) وحجب تحليله اليومي عن ميكرفون الراديو الذي يطل منه حتى انتهاء انتخابات الرئاسة الفرنسية والتي فاز فيها (ساركوزي) وكل ذلك بسبب اعلان موقفه من مرشح بعينه انها الاستقلالية والحيادية واحترام الكلمة وليس من المفترض بالسياسي والصحافي التصرف كأنه (قاضي ) فيصدر الاحكام ،بل لابد من التأني والاعتماد على دقة المعلومة وحيادية مصدرها وان لا يسبق الرأي المعلومة الصحيحة، فالطريقة التعبوية او الحماسية والتي تقدم بها الاخبار فضلاً عن جاذبية عدسات التصوير تجعل البعض اسير الانفعالات والعواطف فيفقد توازنه ويتصور انه يلقي البيان رقم واحد. ولو اخذنا الصحافة العالمية نجد ان كل صحيفة غربية ملزمة بامرين الاول وجود محام في ادارة التحرير يجيز او لايجيز نشر الاخبار او المقالات الخاضعة بقانون التشهير. الثاني ان معظم الصحف والمجلات فيها دائرة (تحقق) لاتنشر خبرا او مقالا او تحقيقاً الابعد التأكد مما ورد فيه مهما كان حجم كاتبه او تاريخه الصحافي وذلك لكي لاتعرض مصداقيتها للخطر .

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alsabaah-21-1-2008