الصحافة الورقية في أميركا... وتحديات النشر الإلكتروني
دانتي تشيني
يتوخى الكثيرون من أصحاب الصحف الحذر في التعامل مع الإنترنت لأنهم يعرفون أنه على الرغم من الوعود التي توفرها طريقة نشر مواد صحفهم على الشبكة، فإنها تنطوي على العديد من المثالب في نفس الوقت. صحيح أن شبكة الإنترنت لديها القدرة على اجتذاب أعداد أكبر من القراء، وتخفيض النفقات من خلال تقليص تكاليف النشر الورقي والتوزيع، إلا أن نشر الصحف على الإنترنت دون مقابل أمر لا يزال يحمل في طياته العديد من المحاذير بالنسبة لبعض أصحاب الصحف لأنهم يرون أن إمكانية قراءة الصحيفة على الإنترنت مجاناً قد تجعل الكثيرين يحجمون عن شراء النسخة المطبوعة منها، مما يؤدي بمرور الوقت إلى هبوط أرقام التوزيع وامتناع المعلنين عن نشر إعلاناتهم في تلك الصحف. ولكن بعضهم يرى أنه يمكن تعويض الهبوط في أرقام التوزيع والإعلانات المطبوعة من خلال زيادة الإعلانات في النسخ المجانية من صحفهم التي يتم نشرها على الإنترنت، ولكن الإحصائيات تبين أن دخل الإعلانات على الشبكة يقل كثيراً عن دخلها في النسخ المطبوعة. هذا بالضبط هو الوضع الذي يجد فيه الكثيرون من أصحاب الصحف أنفسهم اليوم. فهم لا يستطيعون تجاهل شبكة الإنترنت ويعرفون أنهم سيجدون أنفسهم مضطرين في نهاية المطاف إلى الانتقال إليها، ولكنهم لا يعرفون على وجه الدقة كيف ستسير الأمور الاقتصادية إن هم أقدموا على مثل هذه الخطوة. والأسبوعان الأخيران على وجه الخصوص أضافا المزيد من الحيرة وعدم اليقين لأصحاب الصحف فما حدث خلال هذين الأسبوعين هو أن الصحيفتين العملاقتين الرئيسيتين في الولايات المتحدة الأميركية، وهما "النيويورك تايمز"، و"الوول ستريت جورنال"، واللتين قامتا من قبل بتشفير بعض محتوياتهما على شبكة الإنترنت وجعلتا الدخول إليها مقابل رسوم يدفعها القراء، تفكران كما تفيد الأنباء في التخلي عن ذلك، وجعل جميع محتوياتهما مجانية. وقد ازدادت التكهنات بأن صحيفة "وول ستريت جورنال" ستفعل ذلك بعد شراء القطب الإعلامي "روبرت مردوخ" لها. فالكثير من المحللين يرون أن هدف "مردوخ" من شراء الصحيفة ليس هو زيادة أرقام المبيعات، أو جعلها صحيفة أساسية للخبراء الاقتصاديين من الحاصلين على درجة الماجستير في إدارة الأعمال فقط، وإنما السعي إلى جعلها صحيفة قومية "محافظة" النزعة لتكون بديلاً لـ"النيويورك تايمز". وهذا الهدف، بالإضافة إلى الرغبة في زيادة عدد قراء الصحيفة على الشبكة، وزيادة عوائد الإعلانات هي حسبما يُقال التي جعلت "مردوخ" يفكر في إزالة الجدار الناري الذي يحول بين القراء وقراءة محتويات الصحيفة إلا مقابل رسوم معينة. ويذكر أن هناك قرابة مليون مشترك في الصحيفة على شبكة الإنترنت يدفع كل واحد منهم 79 دولاراً سنوياً. أما الذي دفع المحللين إلى الاعتقاد بأن "النيويورك تايمز" ستتخلى عن تلك الخدمة، فهو الجدل الذي يدور بداخلها الآن حول مصير خدمة "تايمز سيليكت" TimesSelect، وهي خدمة انتقاء متطورة أطلقتها الجريدة منذ عامين. بموجب هذه الخدمة حددت الصحيفة بعض محتوياتها وعلى وجه الخصوص الأعمدة الثابتة، ومقالات بعض الكتاب البارزين، وبعض المواد الأخرى المضافة، وجعلت تلك المحتويات متاحة للقراء مقابل دفع 50 دولاراً في العام. ولكن كم يبلغ عدد هؤلاء القراء؟ تقدر بعض المصادر هذا العدد بـ225 ألف قارئ حسب أرقام شهر يونيو الماضي. ويذكر أن منتقدي خدمة "تايمز سيليكت"، في صحيفة "النيويورك تايمز" وهم كثُر، قد ركزوا طويلاً في انتقاداتهم لها على نقطة معينة وهي أن إتاحة مقالات بعض الكتاب للقراء الذين يدفعون رسوماً فقط على شبكة الإنترنت يقلل من تأثير هؤلاء الكتاب وقيمة مقالاتهم. ويذكر أنه كان هناك من بعض الكتاب من احتج على هذه الخدمة لهذا السبب تحديداً ومنهم الكاتبة الصحفية المشهورة "مورين دود". وقد جاء في تقرير صحفي منشور في صحيفة "نيويورك بوست" -وهي من الصحف المملوكة لـ"مردوخ"- ما يفيد أن الصحيفة تفكر في إلغاء خدمة "تايمز سيليكت"، وهو ما لم ينفه مدير تحرير الخدمة على شبكة الإنترنت بشكل قاطع. ماذا يعني كل ذلك؟ يعني أنه وإن كانت ما كانت كل من صحيفتي "النيويورك تايمز" و"الوول ستريت جورنال"، قد يقدمان على التخلي عن فكرة اشتراط دفع رسم من قبل القراء مقابل الاطلاع على بعض محتوياتهما على الشبكة، إلا أنهما تدركان في ذات الوقت أن هذه الخدمة قد أصبحت ميتة على الإنترنت بالفعل... كيف ذلك؟ إن أي شخص من المعتادين على استخدام محرك البحث "جوجل" يعرف أن المواد الصحفية التي تتم قراءتها مقابل رسوم على الإنترنت لا تظل كذلك لمدة طويلة وأن أي كاتب مدونات لديه فهم بسيط عن كيفية "القص" و"اللصق" يمكن أن يحول أي محتوى صحفي يتم دفع رسوم مقابل قراءته إلى محتوى مجاني بمجرد عدة ضغطات على "الماوس". علاوة على ذلك هناك في الوقت الراهن نوع من الثقافة الإخبارية الجديدة القائمة على شبكات اجتماعية مكونة من أفراد يتشاركون في اقتسام التقارير والقصص الخبرية وتداولها بينهم. ومثل هذه المواقع الخاصة بتلك الشبكات من الأفراد مثل موقع "Digg.com" اكتسب شعبية كبيرة لدى فئة الشباب المهتمة بالأخبار وهو فئة تسعى مختلف الصحف جاهدة للوصول إليها. ولكن أفول فكرة "دفع رسوم مقابل الحصول على الأخبار" على شبكة الإنترنت، ستعني أيضا أننا لا زلنا بعيدين عن معرفة الطريقة التي ستعمل بها المؤسسات الإخبارية في عالم الأخبار الجديد. فعلى الرغم من أن عوائد الإعلانات على شبكة الإنترنت قد نمت في البداية بسرعة كبيرة، فإن معدل النمو هذا سرعان ما أخذ في التباطؤ وبمعدل أسرع مما كان متوقعاً. ويمكن القول إنه حتى أكثر المتفائلين بمستقبل إعلانات الإنترنت قد أصبح مقتنعاً اليوم بأن معدل نمو تلك العوائد الإعلانية، إذا ما استمر على وتيرته الحالية، فإنه لن يتمكن من الوصول إلى العائد الذي تدره الإعلانات حالياً في الصحافة الورقية قبل عقد من الزمان على الأقل. والمشكلة في هذا الصدد أنه ليس هناك من يتوقع استمرار إعلانات الإنترنت في نموها بالمعدل الحالي، وهو ما يعني أن غرف الأخبار في الصحف والقنوات الإخبارية، ستكون مضطرة إلى البحث عن مصدر دخل إضافي، وإلا فإنها ستصبح غير قادرة على الاستمرار في تغطية كم الأخبار التي تغطيها حالياً. *زميل رئيسي في "مشروع التفوق الصحفي" و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونتيور"-15-8-2007
|