المنبر الحسيني غايات وتطلعات

 

حسين الملاك

 

 

مما لاشك فيه أن المنبر الحسيني يتربع على أكبر قاعدة جماهيرية لنشر الوعي وتنمية الفكر لما له من طاقات خاصة تتداعى لها كل الجماهير وبشتى الفئات والأصناف.

وخلال هذه الطفرة المعلوماتية وتزايد وسائل الإعلام وطرق دعوتها بقي المنبر محافظا على شكله ومضمونه مما أوجد هواة سحيقة بينه وبين التطور المعاش.

ومع ذلك كله استطاع المنبر أن يحفظ مكانته ويعيش على قمة الهرم وذلك كله من أسرار المنبر وسحره الحسيني فرغم تزايد الوسائل المطروحة إلا أنها لم تكن تلبي جميع الرغبات عند الإنسان بل أنها أخذت تغذي قسما على حساب الأخر وهذا ما لا نجده في المنبر الحسيني الذي يلبي كل حاجات الإنسان والمجتمع.

غايات المنبر الحسيني:

1- إحياء أمر أهل البيت :

حث أهل البيت شيعتهم على إحياء أمرهم وبيان فكرهم وإظهار مظلوميتهم ومن هنا كان المنبر الشرارة الأولى والمحيط الاشمل والعطاء الأعظم الذي حافظ على استمرار التدفق الولائي معالجا كل ما يطرأ عليه من محدثات أو يستجد فيه من تطورات.

2- نشر الوعي:

المنبر من أهم مصادر نشر الوعي وذلك لسهولة تغلغل المجتمع معه ومقاربته من الواقع الاجتماعي ولذلك يخرج رواد المنبر بثقافة ليست بالقليلة من تعدد الاطروحات وتنوع الأفكار وتلاقحها بحيث يملك المتابع القدرة على مناقشة الفكرة مظهرا كل مميزاتها وعيوبها.

3- الإصلاح الاجتماعي:

من أبرز غايات المنبر الحسيني الإصلاح الاجتماعي وذلك تجاريا مع نداء الإمام الحسين «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي» وأخذ المنبر على عاتقه الإصلاح الاجتماعي والتصدي لكل ما يعيب المجتمع ويشينه وقد نجح المنبر على مر العصور بتأدية هذا الدور حتى صار هذا الدور احد أركانه وأسسه.

4- المقاربة من الواقع الاجتماعي:

تستجد الأمور على الواقع الاجتماعي ووجود المنبر الحسيني يحفظ المجتمع من الانزلاق وراء المستجدات دون وعي أو إدراك حيث إنه يتعامل معها بعد معرفتها ومعرفة رأي الشرع فيها.

5- التصدي للاختراقات الثقافية:

كثيراً ما يتصدى المنبر الحسيني للاختراقات الثقافية والناتجة عن العولمة وتصدير الثقافات وخاصة بعد تطور التكنولوجيا بما فيه وسائل الأعلام الفضائية والشبكة العنكبوتية.

6- توثيق الوازع الديني:

يعمد المنبر الحسيني إلى توثيق العلاقة بين الدين والمجتمع ويحفظها من الضياع وهذا يظهر واضح جليا لكل من يعيش في مجتمع المنبر حيث تتوجه الناس مهما كانت فئاتهم العمرية وتوجهاتهم الفكرية وانطباعاتهم السلوكية إلى المنبر من غير ان يلزمهم احد غير الارتباط الروحي والشعور المعمق بالحاجة إلى الحضور والتفاعل معه بكل اطروحاته.

7- الحفاظ على الاتزان السلوكي:

يحافظ المنبر على الاتزان السلوكي عند الإنسان فيحفظه من الانحراف والشذوذ ويوجهه نحو السلوك السوي والتوجه الطبيعي والفطري.

8- توثيق الروابط الاجتماعية:

من أبرز الصور الغريبة تلك الصور التي يعكسها المنبر الحسيني في المجالس حيث تذوب كل الفوارق الاجتماعية ويعيش المجتمع كلحمة واحدة وذات تفاعل موحد ومشترك.

ومع هذا الإيقاع الخاص بالمنبر لا يمنعنا من التفكير في تطويره وتفعيله بل وإعادة صياغته من جديد حتى يتناسب مع متطلبات العصر فيحل جميع إشكاليته ويؤدي رسالته كاملة.

وهذه الدعوة لا تتم إلا إذا راعيناها على أكمل وجه حيث تشمل الشكل والمضمون والغاية وذلك في جميع العناصر للمنبر الحسيني والتي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1- الملقي «الخطيب».

2- المتلقي «المجتمع».

3- الرسالة «المحاضرة».

وعند دراستنا لهذه العناصر دراسة تحليله تتجلى لنا بعض الأمور التي تحتاج إلى تصحيح أو إعادة صياغة.

أولا- الملقي «الخطيب»:

الخطيب هو حلقة الوصل بين الفكر والمجتمع والخطيب المبدع هو من يملك كل المفاتيح للوصول إلى قلب المجتمع وعقله ليضع كل ما يحمله من عطاء وهو يدرك أن ما يبنيه لا تهده الأيام لأنه أسس الأسس ووضع كل القواعد للمحافظة على هذا الفكر وتجسيده واقعا اجتماعيا.

ولكي يكون ذلك ينبغي من الخطيب أن يراعي بعض الأمور والتي تبني العلاقة بينه وبين المجتمع.

1-القدوة:

الخطيب يمثل التطبيق العلمي للفكر الذي يبثه ويتناوله فالجمهور دون شعور يقارن كلام الخطيب بفعله فإن اتفقا أنس الجمهور بالحديث وتقبل الفكرة وان اختلافا تشتت الفكر بسبب تشتت الصورة مما يجعله يعيش خارج نطاق الحديث في تصورات طارئة أو انه لا يتقبل الفكرة بسبب عدم قناعته بإمكانية تطبيقها ودليله القدوة «الخطيب» فتكون الفكرة عنده هي فكرة مثالية لا واقعية فتعيش معه للحظات جو من المثالية ينتهي بنهاية المحاضرة والخروج من تأثيرها.

2-الأسلوب:

كثير من الخطباء يملكون كماً هائلا من المعلومات إلا إنهم لا يحسنون شرحها لا لشيء إلا أنهم لا يملكون الأسلوب الأمثل للتعاطي مع الجمهور فيتخذون أعسر الأساليب وأقلها هضما فيخرج الجمهور بأقل فائدة, مع المخزون الزاخر من المعلومات.

ومن الأساليب الخاطئة في الطرح:

أن تطرح الأمور بسطحية وبساطة وهي بذلك لا تستثير الفكر أو تشد الشعور في الحديث بحيث تبعث على عدم الارتياح. كذلك التصرفات الغير لائقة كقطع فكرة ما بممازحة ربما تنقطع معها حبال الأفكار وتشتت التوجهات.

كما ينبغي من الخطيب الاهتمام بشكله ومظهره فهو الانطباع الأول لقراءة شخصيته كما إنه يوحي بشي من الهيبة والثقة وشعور بالارتياح والأنس.

وعليه أن ينتقل من أسلوب إلى آخر حتى يثير الجمهور فينتقل من الأسلوب القصصي إلى أسلوب الاستفهامي ومنه إلى أسلوب الحوار والإثارة وهكذا حتى يبقى الجمهور محافظا على قمة وعيه ونشاطه الفكري.

ومن الأساليب التي تزيد من الوعي الإثارة بالحركات ورفع الصوت وخفضه بحيث يترك إيقاع معين يستحث به الفكر ليعيش واقع المحاضرة ويتفاعل معها.

3-ا لتحصيل العلمي والثقافي:

الخطيب حلقة وصل بين المعلومة ومتلقيها وعليه أن يكون جاهزا لطرح الأسئلة والمناقشات كما ينبغي أن يكون واعيا بحيث يستطيع أن يميز صحة المعلومة من بين الكم الهائل الموجود لديه فلا تختلط عليه الأمور ولا تلتبس عليه القضايا.

فهو ليس مجرد ناقل للمعلومة لأنه يتحمل مسئوليتها فعليه أن يكون باحث ومحلل ومحقق ومدقق حتى يبين الأمور ويمحص الحق ويزهق الباطل وذلك لا يكون إلا إذا شمر عن ساعديه لاكتساب المعارف ليكون إدراكه أوسع وتكون المعلومة منه أوثق.

4- الانفتاح على الثقافات:

الانفتاح على الثقافات ضرورة يُحتمها الواقع فالعالم اليوم أصبح قرية صغيرة ما يحدث في الغرب يعرفه الشرق والعكس صحيح.

وعندما أدعو إلى الانفتاح على الثقافات فأنني لا أدعو إلى الأخذ بها أو الالتقاط منها وإنما أدعو إلى معرفتها فقد ورد في الحديث «من عرف لغة قوم أمن شرهم» كما إنه بمعرفة ما يدور في العالم يطرح على الفكر الإسلامي ليرى ما يتفق معه وما يختلف فيه حتى يبين للمجتمع كيفية التعامل مع هذه الفكرة وتلك الظاهرة بعدما عرف كل تداعياتها ونظرة الإسلام منها وبذلك استطاع أن يشرح الفكرة كاملة للمجتمع فيأخذ منها الحكم بعد أن عرف الفكرة وأدرك غاياتها.

كما أنوه أنه ينبغي قبل طرح أي فكرة إدراكها كاملة من جهة الخطيب وفهم رأي الإسلام منها وأن لا يتخذ رأي شخصيا منها فيحكم عليها بما يحمله دون البحث والتمحيص لأن ذلك سيؤدي إلى الانشقاق في الآراء والموازين.

5- استخدام وسائل مساعدة:

أحيانا يحتاج الخطيب لشرح فكرة معينة وتمثيلها أو توضيحها عن طريق شخص آخر أو تأكيد الفكرة بتأكيد المتخصص فيها فمثلا عندما يريد أن يبين فكرة طبية فإنه يسأل طبيبا عن مدى صحة هذه الفكرة وبذلك يدعم رأيه وموقفه وكذلك استخدام الكتب والمصادر والصور والإحصائيات حتى يوفق المعلومة ويزيد من تقبلها.

6- توزيع المواضيع:

يقع الكثير من الخطباء في مصيدة التكرار للمواضيع أو المعلومات وذلك ناجم عن عدم التحضير أو التخصص في قضية من القضايا بينما ينبغي من الخطيب أن يحضر لمواضيعه وأن ينوع فيها وأن يجعل التخصص منظم فيها بحيث لا تتكرر المعلومات فيمل الحضور.

7- تحديد الموضوع القادم:

ينبغي أن يحدد الخطيب الموضوع المحاضرة القادمة ويبين عناصره وبعض المصادر وبعض العناصر التي توجد فيها هذه العناصر حتى يحضر لها المستمعون وبذلك تكون الفائدة أعم وأشمل.

8-التركيز على الايجابيات:

يركز الكثير من الخطباء على الظواهر السلبية للمجتمع ويترك الايجابيات منها أو إنه يظهر المشاكل دون أن يطرح الحلول المناسبة لها وينبغي عليه إدراك ذلك وتجنبه.

ثانيا- المتلقي «المجتمع»:

الجمهور هو العنصر الأساسي في المنبر الحسيني وعليه المعتمد في التفاعل وبه يقوم المنبر الحسيني والجمهور هو المجتمع بكل فئاته وأصنافه وفي منهاج التطوير هناك الكثير من العناصر التي تطلب من الجمهور.

1- التفاعل:

تفاعل الجمهور ضروري في كل قضية من القضايا التي تمسه سوائا كان يعيشها أو يعيش جزء من معطياتها ولذلك ينبغي إن يستفيد المجتمع من المنبر الحسيني في طرح القضايا التي تمسه من قريب أو بعيد وان يكون هذا الطرح شمولي كاف وشاف بحيث يترك الأثر المناسب داخل المجتمع كالتقبل والتصدي والتفاعل والجفاء.

2- التهيؤ:

عندما يقبل الإنسان على شيء ما ويريد أن ينجح فيه فعليه أن يتهيأ لذلك الشيء بأخذ كل الأدوات التي يحتاجها لذلك. وهذا مطلوب لدى المستمع فينبغي له أن يتهيأ للاستفادة بالنوم الكافي والتفرغ التام وتسجيل الملاحظات والأفكار الأساسية والتنويه على الإشكاليات الطارئة في الموضوع وطرحها للخطيب والبحث عنها في المصادر.

3- اختيار الوقت المناسب:

يقع الكثير في إشكالية التزاحم بسبب سوء اختيار الوقت وعدم التنسيق مع بقية المجالس الحسينية مما يؤدي إلى ضياع الكثير من المعلومات على المستمع وخاصة عندما يكون هذا التزاحم بين خطيبين مبدعين أو أكثر.

4- تهيئة المكان:

المجتمع مسئول عن تهيئة مكان كاف ومريح لجميع المستمعين للمحاضرة وكذلك أماكن الدخول والخروج ومواقف السيارات والتنسيق بين مخرج الرجال ومخرج النساء.

5- اختيار المواضيع:

أيضا تقع على المجتمع مسؤولية اختيار المواضيع فهو يشاطر الخطيب في هذا الحق ولا يمكنه التخلي عنه بل له نصيب الأسد فيه وعليه فينبغي من المجتمع اختيار المواضيع التي تناسبه ثم اختيار الخطيب الذي يناسب هذه المواضيع بحيث يستطيع طرحها وشرح أبعادها.

6- التصحيح:

ينبغي على المجتمع التنويه للخطيب عن أخطائه وتصحيحها وعدم التغاضي عنها حتى تعم الفائدة وتنكشف الشبهة ويصحح الخطأ.

ثالثا- الرسالة«المحاضرة»:

وتحتاج الرسالة إلى العوامل التالية:

1- التحقيق:

التاريخ كتاب مفتوح للجميع فينبغي تحقيقه بنزع كل ما وضع فيه من زيف بموضوعية مطلقة وحياد تام وذلك تحر للأمانة العلمية والموضوعية.

2- التكامل:

ينبغي أن تكون الرسالة متكاملة تلبي جميع الرغبات وتحقق كل الغايات موصلة الأفكار لجميع أطياف الحضور كل على حسب فهمه واستيعابه.

3- المنهجية:

وهي توزيع العناصر بحيث نغطي كل أبعاد الرسالة ويكون هذا التوزيع منتظما بحيث يبدى من الأساسيات حتى النتائج مرورا بكل ما يخص الموضوع من أسس وعوامل

4- المقاربة من المجتمع:

المقاربة هنا هي أن تكون الرسالة تمس الواقع الاجتماعي بحيث يستشعرها ويدرك أبعادها.

5- تحقيق الهدف:

الهدف من طرح الرسالة الوصول بالمجتمع إلى حالة من النضج تمكنه من إدراك الحقيقة فهي الغاية المنشودة.

هذه الكلمات هي الانطباع الناتج عن تمخض تجربة شملت مسحا عشوائيا تعددت فيه العناصر الثلاثة -الخطيب والمجتمع والمحاضرة - وهي بحاجة إلى قراءة اكثر شمولية حيث تدور مع حركة الاسلام وتتلائم مع متطلبات العصر وتتناغم مع الواقع الاجتماعي وترقى به إلى حضارة الله حيث تتجسد كل تعاليم السماء.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: mashhadalhassa