الإعلام الأميركي الموَجه بين الدعاية السياسية وغياب المصداقية

 

 

كيم أندرو إليوت

 

 

عندما بدأت إذاعة "صوت أميركا" في بث برامجها لأول مرة عام 1942، وعدت المحطةُ مستمعيها الألمان بالتالي: "قد تكون الأخبار سارة، وقد تكون محزنة ولكن مهما يكن، سنقول لكم دائماً الحقيقة".

ولأن "صوت أميركا" كانت تنقل الأخبار الدقيقة حتى عندما كانت تسوء الأمور بالنسبة للحلفاء وتصب في غير مصلحتهم، فقد صدق الجمهور أخبارها ووثق فيها عندما رجحت الكفة لصالح "الحلفاء" في الحرب.

ذلك أن إخبار الناس بالحقيقة يخلق المصداقية، التي تعد أهم شيء بالنسبة للبث الدولي.

وعلى هذه الخلفية، تنكبُّ "الحرة" اليوم على مراجعة القيمة الإخبارية لهذه المواضيع.

غير أنه مهما تكن نتيجة هذا التحقيق، أعتقد أنه لا يجب أن يحدث تغيير في مقاربة الولايات المتحدة الأساسية تجاه البث الدولي، مثلما اقترح بعض أعضاء الكونجرس.

وفي هذا الإطار، قال النائب "الجمهوري" مايك بانس (من ولاية إينديانا)، خلال جلسة استماع عقدتها مؤخراً إحدى لجان الكونجرس حول قناة "الحرة": "إنني أؤمن بحرية الصحافة واستقلاليتها.

غير أن الأمر هنا يتعلق بمهمة دبلوماسية للولايات المتحدة الأميركية.

ثم، هل شرحنا بطريقة عملية للموظفين أن هذه القناة ليست قناة من نوع "نحن ننقل، وأنتم تقررون"؟.

ومن جانبه، ألمح رئيس المؤسسة الأم المحتضنة لـ"الحرة"، بريان كونيف، إلى استعداده للانتقال إلى الاتجاه الذي دعا إليه النائب بانس إذ قال: "يجب أن نعلم أن الأمر لا يتعلق بمجرد صحافة عادية، وإنما بصحافة ذات مهمة".

لقد عملت في مجال البحث بخصوص جمهور البث الدولي على مدى الثلاثين عاماً المنصرمة.

والحقيقة أن الدراسات وعينات البحث توضح لنا أن الأشخاص يلتقطون القنوات أو الإذاعات الإخبارية الأجنبية من أجل متابعة أخبار أكثر مصداقية من تلك التي يتلقونها من وسائل الإعلام الإخبارية الداخلية التي تسيطر عليها الحكومة.

ذلك أنهم يرغبون في "صحافة عادية فقط". ثم إنهم يدركون ما إن كانت الأخبار التي يشاهدونها أو يستمعون إليها مشوبة بـ"مهمة" ما.

وبالتالي، فإن قناة تدافع دائماً عن السياسات الأميركية لن تجذب إليها بكل تأكيد مستمعين ومشاهدين كثيرين.

بل على العكس من ذلك تماماً؛ إذ سينفر منها الجمهور ويلجأ إلى قنوات أو محطات إذاعية أخرى من قبيل هيئة الإذاعة البريطانية الـ"بي بي سي"، التي من المرتقب أن تبدأ قناتها التلفزيونية الناطقة بالعربية في بث برامجها في وقت لاحق من هذا العام.

أما إذا كان الكونجرس يرغب في الترويج للبروباغندا، فما على الحكومة سوى أن تقوم بشراء مساحات إعلانية في الجرائد والقنوات التلفزيونية في البلدان المستهدفة.

من الناحية النظرية، سيكون من الأفضل لو يتم تسيير البث الدولي للولايات المتحدة من قبل القطاع الخاص.

وهو ما من شأنه أن يمنح المحطاتِ الاستقلاليةَ اللازمة للحفاظ على مصداقيتها. وعلاوة على ذلك، فلن يكلف ذلك دافع الضرائب الأميركي شيئاً. غير أن آفاق وحظوظ بث دولي بالعربية مكتفٍ ذاتياً من الناحية التجارية ضئيلة جداً، وتكاد تنعدم بالنسبة للمحطات الناطقة باللغات المنتشرة في منطقة آسيا الوسطى مثل "داري" والباشتو والفارسية والأوردو.

وعليه، فإنه يجب على الحكومة أن تدفع للمحطات، وتمنحها في الوقت نفسه الاستقلالية اللازمة لتقديم منتوج إخباري ذي مصداقية.

قد يختلف الجمهور مع سياسيات الولايات المتحدة وتصرفاتها، إلا أنه مما لاشك فيه أنه سيثمن عالياً أن تقدم الولايات المتحدة خدمة إخبارية دقيقة ومتوازنة.

أمام البروباغندا الرامية إلى تسويق السياسات التي لا تحظى بالتأييد الشعبي، فستمنح الجمهور سبباً آخر لكره الولايات المتحدة.

إن الأخبار الشاملة هي في الواقع مظهر من مظاهر الديمقراطية؛ فهي تعكس الصحافة المستقلة التي تعد ضرورية بالنسبة لنجاح وفعالية أي ديمقراطية على اعتبار أنها تغطي النقاش الدائر بين الحكومة والمعارضة.

وعلاوة على ذلك، سيتيح ذلك للجمهور أن يسمع بسياسيين -سياسيين أميركيين- ممن يتبنون آراءً ووجهات نظر تشبه أو تتطابق مع آرائهم.

وعليه، فحتى إن لم يرغم الجمهور على الاتفاق مع السياسات الأميركية في الأزمة الحالية، فإن من شأن تقديم أخبار شاملة أن يضمن على الأقل تراكماً لرصيد من المصداقية وحسن النوايا قد ينفعان في الأزمات المقبلة.

*محللة بـ"مكتب البث الدولي" التابع للحكومة الأميركية

و كل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"