العدد 18-الصفحة الثامنة

  

 

 

 ندوة إيران والنظام الدولي سيناريوهات المستقبل

 

مصطفى أبوحلوة 

 

نظم مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ندوة :

'إيران والنظام الدولي'

شارك فيها نخبة متميزة من المفكرين والباحثين والدبلوماسيين والإعلاميين.

وقد استهلت الندوة أعمالها بكلمة افتتاحية للدكتورة نادية مصطفى مدير مركز البحوث والدراسات السياسية التى اعتبرت هذه الندوة ومثيلاتها تراكما مهما على مسار الاهتمام البحثى للمركز، حيث تكتسب هذه الندوة أهمية خاصة حيث تطرح لنا عدة إشكاليات، فى مقدمتها :

العلاقة بين القوة الإقليمية ومحاولات الهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية وتطرح التساؤل أيضا حول :

جدلية العلاقة بين الدور الإقليمي وتحدي النظام الدولي وكذلك إشكالية العلاقة بين القوة الصلبة والقوة الناعمة ومدى إمكانية تكرار التدخل الخارجي فى النظام الإقليمي، إذ لم يعد هناك فاصل بين النظام العربي والنظام الإقليمي. وقد طرحت الدكتورة نادية مصطفى العديد من التساؤلات، منها :

ماهى حقيقة معركة القدرة النووية الإيرانية، وما هى آثار التحدي الإيراني؟ ومستقبل النظام الإقليمي العربي؟

ومستقبل الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة؟

وكيفية تصور مصر لهذه التحديات؟

وقد دارت أعمال الندوة فى محاولات جادة للإجابة على هذه التساؤلات.

وأشادت د. منى البرادعى إلى أن هدف الندوة هو إلقاء الضوء على علاقة إيران بالنظام الدولي بما تمثله إيران من نموذج تحد للغرب وما يفرضه من تحديات على النظام الدولي، فنحن أمام فاعل إقليمي مهم يتمسك بحقه فى الحصول على الطاقة السلمية:

 فما هي حدود حركة الفعل الإقليمية فى مواجهة النظام الدولي؟

تلت ذلك كلمة للدكتور أنور عبدالملك، أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، الذى تطرق إلى :

تاريخية المحاولات العربية والإقليمية للاستحواذ على الطاقة النووية، ومنها مصر والعراق

 فالأولى أوقفت مشروعها الوطني النووي عقب معاهدة كامب ديفيد ونتيجة لها، فى حين أن الثانية دمرت إسرائيل مفاعلها النووي فى هجوم مفاجئ، فى حين تم غزو العراق من قبل الولايات المتحدة تحت زعم كاذب، مفاده سعى العراق لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. واليوم الولايات المتحدة تسعى فى اتجاه إيران، ولكن غدا من يدرى أين تتجه؟

وطرح تساؤلا مهما حول :

مدى قدرة الولايات المتحدة على محاربة إيران

 مجيبا بأن الجيش الأمريكي حاليا فى حالة خيبة أمل، فقد أقحم فى حرب لم تكن حربه، كما أن هناك جدلا صاخبا داخل الجيش حول مدى أهمية هذه الحرب وجدوى استمرار القوات الأمريكية فى العراق، ولكن ليس معنى ذلك أن احتمالات الحرب غير واردة، مختتما كلمته بقوله إن قوة إيران الصاعدة هى قوة للعرب جميعا، وقوة مصر هى قوة لإيران وقوة إيران هى قوة لمصر أيضا.

وفى مستهل أعمال الجلسة الأولى، قدمت د. باكينام الشرقاوي ورقتها التى جاءت تحت عنوان :

'الاستراتيجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة وتأثيرات الإطار الداخلي' حيث ظلت الاستراتيجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة محلا لجدل داخلي واسع تباينت مواقف أطرافه فى بعض الجوانب، وتلاقت فى جوانب أخرى كثيرة لكن اتجهت ملامح الاتفاق لتتغلب على ملامح الخلاف، خاصة فيما يخص قضايا السياسة الخارجية، فبالأخص مسألة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هذا المنطلق، تسعى الورقة البحثية إلى الإجابة على مستويين:

أولا: يختص بتبيان المعالم العامة الرئيسية للرؤية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة:

 لماذا اتجهت البيئة الداخلية للتوحد فى نظرتها وتعاملها مع الولايات المتحدة؟ وكيف؟

ثانيا: تناول الأهداف والسياسات والأدوات التى يتبناها صانع القرار الإيرانى فى تعامله مع الإدارة الأمريكية فى واشنطن. ويهتم كلا التساؤلين بالإطار الداخلى لصياغة الاستراتيجية الإيرانية، وتتعدد القضايا المثارة بين الولايات المتحدة وإيران، وتأتى على قمتها حاليا قضية البرنامج النووى الإيرانى الذى يعد أهم مصادر الإجماع الداخلى الوطنى، وقد أعلن الرئيس أحمدى نجاد أن بلاده لابد أن تستخدم كل مورد تمتلكه فى معركتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لمتابعة برنامجها للطاقة النووية السلمية.

وأضافت د. باكينام الشرقاوي أن الصراع بين إيران والولايات المتحدة خلاف استراتيجي هيكلي، لأن إيران نموذج مختلف للتهديد يجب عدم تكراره فى العالم الإسلامي، وهناك شعور بالاستقواء الداخلي الإيراني ممثلا فى الإرادة السياسية وله رؤية أيديولوجية وهدفه هو التحدي ولكن ليس الرد المتهور، فهناك دقة فى الحسابات وتصعيد محسوب. ومن ناحية الداخل الأمريكي هناك سيطرة لتيار المحافظين الجدد الذى يهدف باتجاه التصعيد ضد إيران. فى مقابل ذلك، هناك سيطرة لتيار المحافظين على الساحة الإيرانية، فهناك درجة عالية من التناغم والتوحد على مستوى القيادة الإيرانية.

وهناك توجه استراتيجي رسمى إيراني بانتقاد الأحادية القطبية، باعتبار أن القطب الأمريكي ليست لديه مؤهلات القيادة، لأن الولايات المتحدة لديها معايير مزدوجة وليست لها مصداقية. وتناولت د. باكينام الشرقاوي مسار وأدوات السياسة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة، حيث أكدت أن مسار العلاقات بين الدولتين متذبذب، مشيرة إلى حدوث تغيير مرحلى تكتيكي يتمثل فى خطاب إيراني تصعيدي يقابله تصعيد أمريكي. وتفسير التصعيد الإيراني أنه يعطي مزيدا من التوحد فى مواجهة الولايات المتحدة، هذا فضلا عن تداعيات فشل الولايات المتحدة فى أفغانستان والعراق، كما أن الخبرة الإيرانية تؤكد أن التهدئة ليست هى الأسلوب الأجدى للصالح الإيراني، فالهدف أمام إيران هو حماية نفسها، بجعل القرار الأمريكي بضرب إيران أكثر صعوبة، وذلك من خلال أدوات تستخدم فى اتجاه التصعيد المحسوب، منها أدوات ثقافية ممثلة فى حوار الحضارات، هذا فضلا عن قوة مادية صلبة، منها قيام الجيش الإيراني بمناورات بالصواريخ، وتقدم الجيش الإيراني، وتقدم البرنامج النووي، هذا فضلا عن قيادة موحدة تعلوها نبرة تصعيدية وتغير أدواتها بالهجوم من أجل الدفاع.

وتشير د. باكينام إلى أن العلاقات بين الطرفين لن تتحرك من الاستعداء للتحالف ولكن المتوقع فتح حوار وقتي مصلحى يتناول قضية معينة وليس حوارا استراتيجيا عميقا.

وعقب د. محمد سعيد عبدالمؤمن على هذه الورقة، مؤكدا أنها تشير إلى فهم عميق لطبيعة النظام الإيراني وسياساته إقليميا ودوليا فى ظل غياب الفهم الدقيق للدراسات الإيرانية، فالصورة التى رسمها الإعلام الغربي والصهيوني تؤثر على هذا الفهم، فهذه الصورة تجاهلت حقائق إيران تاريخيا وجغرافيا، فلقد أدارت إيران نصف العالم القديم أكثر من مرة.

وأضاف أن الثورة الإيرانية سعت لجعل الدولة تقوم على الدين والدولة فى إطار قيادة وإدارة ثورية تقوم أساسا على الإدارة العادلة وجدارة الشعب ولياقته.

واختتمت أعمال هذه الجلسة بتعقيب من السفير محمد رضا شيبانى القائم بالأعمال الإيرانى بالقاهرة، معتبرا التطورات الأخيرة حول الملف النووي الإيراني تنافسا بين منطق الحقوق الذى تمثله إيران ومنطق التسييس الذي تمثله الولايات المتحدة، مؤكدا أن البند الرابع من ميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية يشير إلى حق الدول الأعضاء فى الحصول على الطاقة الذرية السلمية، مؤكدا أن بلاده على استعداد للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن الأمريكيين غير مطمئنين إلى نيات إيران، فكيف يحاكم الشخص على نيته؟

ولكي يطمئن المجتمع الدولي، فقد عرضت إيران التعاون الكامل مع الوكالة الدولية والدول الأوروبية، وأبدت إيران استعدادا لقبول وجود دائم طوال 24 ساعة لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما دعت إيران أوروبا للمشاركة فى تخصيب اليوارنيوم، مشاركة علمية ومشاركة أيضا فى النفع الاقتصادى، ولكن الأوروبيين ومن خلفهم الأمريكيون يريدون وقفا كاملا للأنشطة النووية السلمية، وهذا شئ غير منطقي.

وأكد السفير الإيراني أن بلاده لا يمكن أن تتراجع بعد أن أصبح الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية مطلبا وطنيا وشعبيا. فبعد إعلان إيران توفيقها فى تخصيب اليورانيوم، عمت فرحة كبيرة كافة الأوساط الشعبية الإيرانية والمصرية أيضا، مشددا على أن قدرة إيران ستكون قدرة مضافة إلى الدول العربية والإسلامية والعكس صحيح.

وفى الجلسة الثانية، قدم د. محمد عبدالسلام ورقته التى جاءت تحت عنوان: 'البرنامج النووى الإيراني بين الاستخدامات السلمية والتوجهات العسكرية'، حيث طرح التساؤل المحوري الذى تدور حوله أزمة البرنامج النووي الإيرانى فى الوقت الحالي، وهو ما إذا كانت القدرات النووية الإيرانية تتسم فقط بملامح مدنية ترتبط بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية أم أنها تثير أيضا احتمالات عسكرية تتعلق بإمكانية امتلاك أسلحة نووية فى مرحلة تالية؟

وتتمثل مشكلة مثل هذه الأسئلة فى أنها عندما تطرح بتلك الطريقة المباشرة فإنه لا توجد عادة إجابات محددة مشيرا إلى أن القدرة النووية ترتبط فى الأساس بامتلاك بنية نووية تعمل للأغراض المدنية، مشيرا إلى أن هناك نقطتين مهمتين بهذا الشأن هما:

1- إن القدرات النووية تتعلق بعامل استراتيجي يمارس تأثيراته خارج نطاق كونها سلعة أو يمكن استخدامها وفقا لأنماط لا تقتصر على المنافع العادية ويتجاوز الاهتمام بها حدود النطاق الجغرافي للدولة التى تحوزها. ويتم التعامل معها وفقا لذلك تبعا لمنطق خاص، كما يثار تقليديا بشأن مورد النفط الذي يمكن استخدامه كسلاح للضغط على الأطراف الأخرى، أو محصول القمح الذى تميل الدول إلى التفكير فى الاكتفاء الذاتي منه، حتى لا تستخدم إمداداته فى الضغط عليها. وبالتالي، فإن كل ما يتعلق بالقدرات النووية يثير اهتمامات خارجية، ويتجاوز التعامل معها فكرة 'الحقوق القانونية' أو 'الجوانب الفنية' إلى التوجهات السياسية التى لا يمكن تجنبها فى كل الأحوال.

2- إن القدرة النووية تقع ضمن عناصر القدرة التكنولوجية والاقتصادية للدولة بصفة عامة، لكنها عند حد معين من تطورها يمكن أن تمثل قاعدة لبناء قوة عسكرية نووية خاصة فى ظل وجود ما اصطلح على تسميته 'المواد والمعدات الحساسة' أو المعدات والمواد النووية ذات الاستخدام المزدوج المدني - العسكري، والتكنولوجيا المتصلة بها والتي توجد قوائم تفصيلية لا نهاية لها تحددها وتفرض قيودا على الاتجار فيها. كما توجد تجمعات متعددة الأطراف مثل 'نادى لندن' ولجنة 'واسينار' تضع قواعد للسيطرة على إمداد الدول الأخرى بها، وبالتالي، تتم النظرة للقدرة النووية على أنها أحد العناصر المحتملة للقوة العسكرية ولو على مستوى أنها تتيح للدولة خيارا عسكريا نوويا.

ويشير د. محمد عبدالسلام إلى أن المحدد الرئيسي هنا لا يتعلق بمفهوم القدرات النووية بأبعادها المدنية - التكنولوجية المتصلة بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وإنما بالعلاقة بين امتلاك القدرات النووية وامتلاك الأسلحة النووية، أى الأبعاد الاستراتيجية لحيازة القدرات النووية، وفى هذا الصدد هناك مقولتان رئيسيتان:

الأولى: تشير إلى وجود علاقة مباشرة بين انتشار التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية وانتشار الأسلحة النووية فى العالم، إذ إن الجانبين يعتمدان تقريبا على نفس المنشآت والتكوينات والمواد، فلا توجد طاقة نووية سلمية وأخرى عسكرية وإنما توجد طاقة نووية واحدة.

المقولة الثانية: تؤكد أنه لا توجد علاقة مباشرة بين امتلاك القدرات النووية، وانتشار الأسلحة النووية، فالقدرة على إنتاج السلاح شئ، وإنتاجه شئ آخر، فامتلاك القدرات النووية يمكن أن يعجل من وتيرة إنتاج السلاح، إلا أن العلاقة بينهما ليست أوتوماتيكية، فهناك عوامل وسيطة تحكم العلاقة بين القدرة والإنتاج تمارس تأثيرها على القرارات الخاصة بالاتجاه نحو إنتاج الأسلحة النووية أو الامتناع عن إنتاجها. ووفقا لرؤية د. محمد عبدالسلام، فإنه فى الواقع تبدو المقولة الثانية صحيحة إلى حد كبير. فعلى الرغم من أن امتلاك القدرة النووية يسهل إلى حد ما السير فى طريق إنتاج السلاح النووي، إلا أنه لا يؤدي إليه ولا توجد علاقة مباشرة بين القدرة والقوة.

ثم قدم د. محمود عبدالظاهر دراسته حول :

'مسار القيود على البرنامج النووي الإيراني بين الفعل الخارجي ورد الفعل الإيراني'

والتى تناولت ثلاثة أجزاء:

 الأول منها طرح فيها إجابات لمجموعة من التساؤلات تعد اقترابا من الملف النووي الإيراني، منها:

هل البرنامج النووي الإيراني غاية قومية، أم مناورة سياسية لتوفير بعض مطالب الأمن القومي ويمكن التراجع عنها ؟

وطرح الإجابة التى جاءت على لسان على لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذى أكد بدوره أن السعى للطاقة النووية هو تفويض وطني لا يمكن التبرؤ منه.

 ثم تساءل عما إذا كانت طهران قد خرقت نظريا اتفاقاتها الدولية، فكانت إجابته قاطعة بأداة النفى البسيطة 'لا' لأن الضمانات الدولية تتيح لأى دولة الحصول على التكنولوجيا النووية، مادامت فى إطار المتابعة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الشرعية الدولية فى هذا المجال. ومن هنا، يبرز حرص إيران على متابعة إرسال إخطارات للوكالة الدولية بكل الخطوات والإجراءات التى اتخذتها، خاصة فى المنشآت التى فرضت عليها مراقبة ومتابعة من قبل الوكالة الدولية، فضلا عن توقيع إيران فى 21 أكتوبر 2003 على الملحق الإضافي الذي يتيح التفتيش المفاجئ من قبل الوكالة الدولية على هذه المنشآت تلبية لرغبة الترويكا الأوروبية ولتهدئة الحملة التى تشنها الولايات المتحدة ضد طهران.

ثم تساءل عما إذا كانت إيران على أعتاب إنتاج سلاح نووي فى حال توافر الإرادة السياسية لهذا الأمر، وجاء الرد بأن طهران ما زال أمامها جهد كبير وعمليات أكبر بكثير قد تستغرق سنوات، وأيضا تحتاج لمعدات أكثر وأكبر مما تم استخدامه حتى الآن، ويؤكد قاطعا أن التقنية التى وصلت إليها طهران تمكنها على المدى المتوسط من الوصول إلى كثير من غاياتها النووية، ولكن الكل يتحسب من نية إيران فى الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي مثلما فعلت كوريا الشمالية.

وتناول الجزء الثاني من الدراسة القيود الواردة على البرنامج النووي الإيراني، والتى تتمثل فى قيود الشرعية الدولية حتى وصول الملف الإيرانى لمجلس الأمن واستغلال الولايات المتحدة لذلك للإصرار على إصدار قرار من مجلس الأمن ضد طهران، هذا فضلا عن القيود المفروضة من القوى الدولية وعلى رأيها الدول الأعضاء الدائمة فى مجلس الأمن علاوة على ألمانيا، هذا فضلا عن القيود الإقليمية ممثلة فى دول الخليج وإسرائيل والهند وباكستان، إلى جانب القيود الداخلية، ومدى الإجماع على البرنامج النووى، وأخيرا القيود الاقتصادية والتكنولوجية والفنية والعلمية الخارجية.

وفى الجزء الثالث، استعرض د. محمود عبدالظاهر :

الواقع الحالى الذى تمت إحالة الملف النووي الإيراني فيه إلى مجلس الأمن واستعرض الخيارات المتاحة والسيناريوهات المستقبلية للأزمة.

وفى الجلسة الثالثة، طرحت د. أمل حمادة ورقتها التى جاءت تحت عنوان 'الدور الإيراني وخريطة التحالفات الإقليمية وعبر الإقليمية'

حيث أشارت بداية إلى أنه لكي نفهم الدور الإيراني فى هذه التحالفات، فلا بد من التعرض إلى ثلاث نقاط أساسية.

أولا: حدود الدور الإيراني أو بمعنى أدق محددات السياسة الخارجية الإيرانية التى تتمثل فى أربعة محددات:

1- الجغرافيا السياسية: حيث أحدثت الجغرافيا السياسية تأثيرين متعارضين، الأول يتعلق بالخوف من النفوذ الخارجي وهو الذي جعلها مطمعا من القوى الكبرى، وبخاصة الجار الروسي، والثاني ناتج عن قدرة إيران على التغلب على محاولات الاختراق الخارجية، وهذه القدرة أورثت الإيرانيين شعورا زائفا بالأهمية المبالغ فيها، وهذه المقومات التاريخية والجغرافيا جعلت إيران ترى أنها مؤهلة للعب دور على مستوى الخليج والشرق الأوسط، وأضافت إليه الثورة الإيرانية بعدا أيديولوجيا فأصبح التزامها بالقضايا الإسلامية أحد مصادر شرعيتها الداخلية وأساس دورها الخارجي.

2- التركيب الإثنى للدولة، حيث تشترك إيران مع جاراتها فى تعدد القوميات المكونة للدولة، فى مقدمتها القومية الفارسية والعرب والبلوشن والتركمان والأكراد، وعلى المستوى المذهبي هناك أغلبية شيعية بالإضافة للسنة والمسيحيين وبعض اليهود، وقد واجهت إيران رغم إرثها الإمبراطوري المركزي مشكلات مع الأقليات الإثنية، مما هدد فى أحيانا كثيرة الوحدة الإقليمية الإيرانية مثل محاولات الأكراد الانفصالية. وإلى جانب تواجد هذه الأقليات فى مناطق الأطراف الأفقر معيشيا وتصورهم بأن الحكومة تمارس تمييزا ضدهم، فإن هذه الأقليات تتميز بكونها قوميات عابرة للحدود، وهو الأمر الذى يزيد من تعقد عملية صنع السياسة الخارجية نظرا لتشابك العلاقات وحساسيتها.

3- النخبة الإيرانية: حيث تتسم النخبة الإيرانية الحالية بدرجة كبيرة من التوافق العام على مستوى السياسات والمواقف المعلنة وعلى مستوى التوجهات والقناعات وإدراكات صانعي ومنفذي السياسية الخارجية الإيرانية بعد سيطرة التيار المحافظ على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو الأمر الذى افتقدته السياسة الإيرانية طيلة التسعينيات، حيث تقاسم التياران الإصلاحي والمحافظ مقاليد السلطة، حيث كان هناك نوع من ازدواجية الخطاب السياسي عكست ازدواجية مقابلة فى مؤسسات صنع القرار السياسى الإيراني فى المجال الخارجي، وهذه الازدواجية سوف تفتقدها الدبلوماسية الإيرانية حاليا فى ظل التنسيق بين مختلف القوى فى داخل إيران.

4- المؤسسات ذات الصلة بصنع وتنفيذ السياسة الخارجة: وقد حددها الدستور فى المرشد ويتبعه مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء، بالإضافة لممثلي المرشد فى السفارات الإيرانية بالخارج ومجلس الشورى الإسلامى، ويوازيه مجلس صيانة الدستور والسلطة التنفيذية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والعديد من المؤسسات شبه الرسمية، ويلاحظ أن هذه المؤسسات ارتبطت بتنوع القضية محور التحرك الخارجي، فالحرب العراقية - الإيرانية كانت مسئولية المرشد، والعلاقات مع الدول مسئولية وزارة الخارجية والملف النووى حاليا يتبع مجلس الأمن القومي.

ثانيا: أجندة السياسة الخارجية الإيرانية: والتى تتضمن العديد من الأهداف، فى مقدمتها:

 الحفاظ على الذات، والحفاظ على النفوذ، ومحاولة كسر العزلة الدولية المفروضة على إيران منذ الثورة، وقد أدارت الدولة الإيرانية سياستها الخارجية من خلال عدد من الملفات والقضايا، منها الملف النووي الإيراني، والموقف من الصراع العربي - الإسرائيلي، وقضية العراق.

وأخيرا، تناولت الورقة خريطة التحالفات الموجودة فى المنطقة العربية، خاصة التحالفات التى تشكلت ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. وهناك مجموعتان من التحالفات:

الأولى: تلك التحالفات التى تكون إيران طرفا مباشرا فيها مثل: التحالف الإيراني - السوري، والإيراني - اللبناني، والإيراني - الفلسطيني، والخليجي - الإيراني.

والثانية: التحالفات التى لا تشترك فيها إيران، إما لامتيازات أيديولوجية أو غير ذلك كالتحالف الأمريكي - الإسرائيلي، والتحالفات اللبنانية - العربية، والتحالفات التى تكون مصر طرفا فيها، سواء مع أطراف عربية أو إقليمية.

ثم اختتمت أعمال الندوة بحلقة نقاشية على خلفية الورقة المقدمة من الدكتور مصطفى اللباد بعنوان

'إيران والنظام الدولي .. سيناريوهات المستقبل'.

القاهرة: (27 أبريل 2006) 

وكل ذلك نصاً ودون تعليق بحسب الكاتب في المصدر .

المصدر : http://www.siyassa.org.eg

 

نحو معادلة عسكرية جديدة فى الشرق الأوسط ؟ 

 

د. محمد عبد السلام

 

قد لا توجد أبدا إجابة نهائية وحاسمة حول السؤال الذي يتداوله الجميع: من الذي انتصر فى حرب لبنان؟

لكن بعيدا عن السجال القائم، شهدت تلك الحرب تطورات ميدانية قاسية، تشير القراءة الأولية لدلالاتها، إلى أن هناك معادلة عسكرية جديدة "قيد التشكيل" فى منطقة الشرق الأوسط.

قد لاتوجد أبدا إجابة نهائية حول سؤال: من انتصر فى حرب لبنان؟، إذ كان مفهوما منذ البداية أن المصطلحات التقليدية للنصر والهزيمة لاتنطبق على مثل هذه الحروب " غير المتماثلة"، وأن الحرب سوف تنتهي بمساحة رمادية يمكن أن يعتبر كل طرف فى ظلها أنه حقق نصرا " إستراتيجيا"، وهو ماحدث، لكن بعيدا عن ذلك، شهدت تلك الحرب تطورات ميدانية قاسية، تشير القراءة الأولية لدلالاتها، إلى أن هناك معادلة عسكرية جديدة " قيد التشكيل" فى منطقة الشرق الأوسط.

لقد بدأ الطرفان لعبة الحرب فى لبنان وإسرائيل بثقة شديدة فى أنهما سوف يحققان مايمكن أن يعتبر انتصارا بالمعنى المعروف فى الصراعات، فلدى حزب الله تجربة ساحقة فى دحر القوات الإسرائيلية عام 2000، ولدى إسرائيل مااعتقدت أنه قوة عسكرية قاهرة، ثم بدأ الجانبان يواجهان الحقائق الصعبة فى الميدان، لينكمش مفهوم النصر فى اتجاه إستراتيجيات غير محددة كتحجيم حزب الله من جانب والصمود للنهاية على الجانب الآخر، قبل أن يرهق الطرفان عسكريا لدرجة قررا معها "الاكتفاء" بما تحقق، فقد كان كل منهما يقدر أن ماهو قادم قد يكون الأسوأ، لذا قبل الطرفان وقف إطلاق النار.

حدث بالفعل

بعد أن توقف إطلاق النار، واجهت إسرائيل واحدا من أعقد الأوضاع العسكرية فى تاريخها القصير، فقد كانت قد تعرضت من قبل لعدة صدمات مربكة عبر حروب الماضي، رغم انتصاراتها العسكرية فى معظمها، إذ أجبرت عن التراجع عن أرض احتلتها عام 1956 بضغط دولي، لتفكر بعدها فى أنها يجب أن تثق فقط فى قوتها الذاتية كملاذ نهائى، كما أن قدرتها على تكبيد عدة دول عربية هزيمة ساحقة عام 1967 لم تؤد إلى "استسلام عربي"، وتمكنت القوات المصرية والسورية من مفاجأتها بقوة عام 1973، وتحقيق أول انتصار عربي ضدها، كما خاضت حربا مربكة دفعتها إلى تغيير نظريتها الأمنية عام 1982، رغم تمكنها من محاصرة عاصمة عربية لأول مرة.

فى كل تلك الحروب، باستثناء حرب أكتوبر 1973، كان أداء إسرائيل العسكري مقبولا من وجهة نظرها، لكن المشكلة كانت تتركز فى أن قياداتها السياسية لم تقدر وزن الضغط الدولي، أو عمق المشاعر الوطنية، أو قدرات الطرف الآخر، أو حدود القوة المسلحة، إلا أن ماحدث فى حرب لبنان كان مختلفا تماما، فقد كان الأداء العسكري الإسرائيلى ذاته يواجه أكثر الاختبارات حدة، وكانت النتيجة " كارثية" حسب التحليلات الإسرائيلية ذاتها، فماتحقق فى النهاية كان مرتبطا بالفجوة الطبيعية فى موازين القوة الهائلة، وليس بفعل أداء القوات الإسرائيلية فى المعركة وفقا لمبادئ الحرب.

إن القوات الجوية الإسرائيلية، وهى ذراع إسرائيل الطويلة، لم تتمكن من حسم المعركة رغم قيامها بتدمير كل هدف يحمل شبهة عسكرية فى لبنان، كما تم التردد طويلا فى استخدام القوات البرية، التى واجهت مقاومة مفزعة من جانب عناصر حزب الله، ولم تحقق إنجازا حقيقيا إلا فى نهاية الحرب عندما تم الدفع بحوالى 30 ألف عنصر منها، كما أن أسلحة إسرائيل المتطورة مثل " الدبابة ميركافا" قد فقدت حصانتها، وتم إسقاط طائرة هليوكبتر مسلحة، واستهداف زورق حربي، والنتيجة هى تأكيد أمام وسائل الإعلام الدولية بحدود قدرة إسرائيل العسكرية، وبأن ثمة أوهاما لاأساس لها، فإسرائيل يمكن أن تمس بشدة.

الأكثر أهمية، هو أن صواريخ كاتيوشا التى تعد سلاحا تكتيكيا لامعنى له بمنطق الحروب النظامية، قد اخترق أجواء إسرائيل بصورة غير مسبوقة، وتسبب فى إحداث تأثير نفسي مفزع فى الداخل الإسرائيلي، كما كانت هناك أسئلة بدون إجابة حول قدرة الاستخبارات الإسرائيلية على اكتشاف مايدور حولها، وقدرة إسرائيل على ممارسة أساليب الحروب الحديثة، المرتبطة ببعد فضائي، مع عناصر حزب الله، لكن الأهم أن القوات الإسرائيلية لم تقم بأية عملية يمكن أن تعتبر انعكاسا لفكرة الجيش الصغير الذكى الذى أعد نفسه جيدا لحروب المستقبل، واضطرت إسرائيل إلى القيام بعمليات عنيفة عسكريا غير مبررة سياسيا، كأى جيش بدائي، والنتيجة هي أن مستقبل الدولة فى المنطقة أصبح مرة أخرى محل نقاش.

إن إسرائيل بالطبع، تمثل قوة لايستهان بها، فهي لم تقم بتعبئة سوى 30 ألف عنصر من قواتها البالغة فى حالة الطوارئ القصوى 650 ألف جندي، وقد تمكنت من فرض موقف يتمثل فى دفع حزب الله ( ولو مؤقتا) إلى شمال الليطاني، وهو مايمثل إنجازا لها، وربما تمكنت من تكبيد حزب الله خسائر مادية وبشرية بدرجة ما، لكن الفكرة الأساسية هنا هي أن نظرية أمن إسرائيل قد انهارت، ووضح أن من الممكن إيذائها بشدة، ولم يتمكن جيشها من التصرف بالاحترافية التى كانت متصورة، وأنها لايمكن أن تضرب بدون ثمن أو أن تفرض أمرا واقعا بلانهاية، فإسرائيل والأطراف الإقليمية قد أدركت أن لقوتها حدودا، وأنه يمكن المساس بها بأسلحة وأساليب بسيطة، وسوف يغير ذلك كثير من العقائد العسكرية فى الفترة القادمة.

المخاطرة القصوى

بعد وقف إطلاق النار أيضا، واجه حزب الله نفس المأزق العسكري الذي واجهته إسرائيل، لكنه بطريقة ما كان قادرا على تجاوزه ( ولو مؤقتا)، فقد قامت عناصر حزب الله بإنجاز عسكري اعتبره الشارع العربي غير مسبوق، بل أن السيد حسن نصر الله نفسه أكد أن عناصره حققت مالم تحققه الجيوش النظامية العربية، فقد تمكنت تلك العناصر بالفعل من القيام بعمليات نوعية، كقصف الزورق المسلح " سعر"، وإسقاط طائرة هليوكبتر مسلحة وإغراق إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا، وتدمير دبابات ميركافا المتطورة، وتكبيد القوات البرية الإسرائيلية خسائر كبيرة، والصمود حتى النهاية، بل تحقيق مااعتبر عربيا انتصارا تاريخيا.

لقد أدت إدارة حزب الله لمعركته مع إسرائيل إلى سيطرة اتجاهات فى الشارع العربي تؤكد أن المقاومة هى السبيل الرئيسي لإدارة الصراع مع إسرائيل، فالسبل الأخرى ( المقصود المفاوضات) لم تحقق شيئا، بل أن تيارات وشخصيات عربية ذات ثقل قد دعت لحل الجيوش العربية النظامية واستبدالها بميليشيات شبه عسكرية يدربها حزب الله، وتحول السيد حسن نصر الله إلى زعيم " كاريزمي" عربى على غرار جمال عبد الناصر، وهو مامثل فى الحقيقة توجها شعبيا عاما، يتجاهل أيضا حقيقتان :

1 – أن كل عمليات حزب الله كانت تكتسب طابعا رمزيا شديد الأهمية، لكنها من الناحية العملياتية تخضع للنقاش، فتدمير زورق لم ينه حصار إسرائيل البحري للبنان وإسقاط طائرة لم يؤثر فى السيطرة الجوية الإسرائيلية، ومن بين كل 100 صاروخ كاتيوشا كان صاروخ واحد يؤدي إلى نتائج محددة، ولم يتم تدمير أعداد كبيرة من دبابات ميركافا، ولم تصل خسائر الجنود الإسرائيليين إلى الحد الذى يتجاوز خسائر التدريب المعتادة فى الجيوش، فقد كان أداء حزب الله فائقا، لكنه لم يمنع احتلال جنوب لبنان، إذ كانت هناك أيضا حدودا لقوة وأساليب حزب الله.

2 – أن قائمة الحسابات الختامية كانت تمس مباشرة مسألة التدمير الذي تعرضت له بنية الدولة اللبنانية، فمن الممكن لأية جماعة داخل أية دولة أن تقوم بأعمالا بطولية، ولن يتم التمكن من استهدافها بحكم طبيعة تشكيلها، لكن حجم الخسائر التي ستتكبدها الدولة نتيجة مثل تلك الأعمال قد يكون هائلا، ولو أن هناك قيادة واحدة تتحكم فى قرار الحرب وقرار السلام معا، ربما كانت ستدخل فى اعتباراتها خسائر الدولة، وليس مجرد خسائر العناصر المسلحة، كجزء من المعادلة، ومن هنا تأتي خطورة النقاش الدائر فى المنطقة.

لقد تمكن حزب الله بالفعل من تحقيق إنجاز عسكري كبير، لكنه ليس "غير مسبوق"، فهناك حرب أكتوبر 1973، التى كبد فيها جندي واحد اسمه "عبد العاطي" إسرائيل خسائر فى الدبابات بأكثر مما فعلت عناصر حزب الله ( 36 دبابة)، كما أنه تحقق بثمن هائل لحق ببنية الدولة اللبنانية، وفي النهاية تراجع إلى شمال الليطاني، وواجه مواقف حرجة مع الطوائف اللبنانية الأخرى، وكان عليه في النهاية أن يفسر ماحدث، وأن يحاول تعويض اللبنانيين عما لحق بهم، وأن يحاول تجاوز فكرة صعبة، وهى أن تلك الحرب كلها لم تنشب لاعتبارات غير لبنانية، وإن كان قد أثبت – وهو المهم بالنسبة للمعادلات العسكرية التالية – أن من الممكن مواجهة إسرائيل بأساليب أبسط مما يمكن أن يتخيله أحد، وأن هناك عناصر ضعف قاتلة فى بنية إسرائيل أيضا.

النهاية المحيرة

إن العنصر الأخير فى المعادلة يرتبط بالقضية الأهم التي لايمكن تجنب مناقشتها، وهى نتيجة المعركة، فطالما أن القوة المسلحة تستخدم لتنفيذ مهام عسكرية، وتحقيق أهداف سياسية، سيكون على كل دولة أن تدرس ماحدث جيدا، وماجرى هو أن الطرفين المباشرين للحرب ( حكومة إسرائيل وحزب الله) لم يستقبلا بأكاليل الغار فى بلديهما، بل على العكس يواجه كل منهما حسابا عسيرا معلنا أو غير معلن، عاجلا أو مؤجلا، فمن يشن حرب يمكنه أن يكون واثقا بأنه سيدفع ثمنا، حتى لو كان يعتقد أنه انتصر، أو على الأقل حقق أهدافا معقولة. فاحتفالات النصر جرت فى أماكن أخرى غير لبنان الجريح وإسرائيل المنكسرة.

لقد سبب هذا الموقف المحير ارتباكا لدى معظم المحللين، وأدى إلى إفراز تعبيرات جديدة، كالقول بأن أحدا لم ينتصر، وهناك فقط مستويات من الهزيمة، أو أنها حالة من اللانصر واللاهزيمة، أو أن إسرائيل لم تنصر وحزب الله لم يهزم، أو العكس. وقد ترك البعض الحكم على النتيجة للمستقبل القريب، على أساس أن من يخسر سياسيا داخل دولته، يفترض أن الخاسر عسكريا بأثر رجعي.

لكن بعيدا عن تقييمات أطراف العملية ذاتها، أو التيارات السياسية المنفعلة، أو الرأى العام المتحمس، أو الحكومات المصابة بالدوار، يعتبر الدرس الأساسى الذي سيمثل جوهر المعادلة الجديدة على خريطة الإقليم العسكرية، في أن كل دولة سيكون عليها أن تعيد التفكير فى مسألة استخدام القوة العسكرية من الأساس، أيا كانت تقديراتها الأولية، وهو نفس درس حرب العراق 2003، الذى كان بحاجة إلى التأكيد على ساحة الاختبار اللبنانية.

المشكلة هنا أن تاريخ الشرق الأوسط يفيد بأن هذا الدرس تحديدا لا يتم تعلمه، ففي الغالب لن تتوقف الصدامات المسلحة فى الإقليم، إذ عادة مايعتبر كل طرف مقدم على مشكلة أنه يتعامل مع "حالة خاصة"، لكن أحدا لن يمكنه تجاهل ماحدث فى حرب لبنان.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكورنصاً ودون تعليق .

المصدر: swissinfo- 27-8-2006

 

هزيمة التطرف بالشراكة مع الجاليات المسلمة

 

 

جون ريد

 

عادت قضية الإرهاب خلال الأسبوعين الماضيين للبروز بكل قوة في الصحافة البريطانية والعالمية، مما حمل تذكيرا آخر لنا بأننا نواجه تهديدا عالميا وجَّه ضرباته بشكل متكرر في صميم أوروبا والعالم الإسلامي، تاركا أجزاء قليلة جدا فحسب في العالم لم يصبها أي سوء. لهذا السبب، فإن التعاون الدولي ضروري وحيوي. وكان العديد من زملائي من الوزراء في الاتحاد الأوروبي واضحين جدا، خلال لقاء مثمر معهم، بأننا جميعا في الأمر سواء. وقد تمت إثارة العديد من المقترحات المفيدة للبناء على التقدم الذي تم إحرازه منذ وقوع الهجمات في مدريد عام 2004 ولندن العام الماضي.

إلا أن هذه ليست مشكلة يمكن حلها بالاعتماد فقط على الجهود المبذولة على مستوى الحكومات والأجهزة الأمنية، بل أنها تتطلب دعما ومساندة من المواطنين العاديين، بمن فيهم المسلمون في أوروبا البالغ عددهم 12 مليون مسلم. يتعين علينا معا أن نواجه مواجهة شاملة التحدي الكامن أمامنا جميعا: كيف يمكننا، كمجتمعات ديمقراطية ومنفتحة، أن نحارب بأكمل وجه الإرهاب بدون أن نضرّ بقيمنا التي نؤمن بها؟

كيف يمكننا الموازنة ما بين الحقوق الفردية التي نتمتع بها جميعا والحق الجماعي بأن ننعم بالسلامة والأمن اللذين نحتاج إليهما كمجتمع؟

لقد برز جليا خلال لقاءي مع أفراد من الجاليات المسلمة مدى عمق القلق الذي يشعر به المواطنون تجاه العواقب السلبية للتهديد الإرهابي على الجاليات التي ينتمون إليها. 

وفي هذا الوقت، حينما يكون هناك من يسعون لشق صفوفنا، فإن رعايتنا لروح الوحدة والتضامن والثقة المتبادلة عبر جميع الجاليات والأديان في أوروبا تحتل اليوم أهمية أكثر من أي وقت مضى. وكان مؤتمر المسلمين في أوروبا ـ الذي عُقد في اسطنبول بشهر يوليو (تموز) الماضي بدعم من الحكومة البريطانية ـ خطوة مهمة في تدارس التحديات والفرص أمام المسلمين في أوروبا اليوم. حيث اجتمع عدد من أشهر علماء الدين والمفكرين المسلمين من أوروبا وخارجها لمناقشة بعض من أهم القضايا وثيقة الصلة التي تواجه المجتمع الأوروبي فيما يتعلق بالجاليات المسلمة ـ ألا وهي قضية الهوية والمواطنة والدين والدور في الحياة العامة. وقد صدر عن هذا المؤتمر إعلان قوي يشجع على الانسجام الاجتماعي، ويدين الإرهاب، ويناشد الحكومات الأوروبية على تشجيع الحوار. مساهمات المسلمين كثيرة في تاريخ أوروبا، وما زالوا يساهمون في حاضرها، كما أنهم يشكلون عنصرا مهما بمستقبلها. وحقيقة أن المسلمين والأوروبيين استفادوا غاية الاستفادة من التقدم العلمي والثقافي لدى بعضهم البعض عبر القرون الماضية، مما يدحض الزعم القائل إن ثقافتينا لا تتوافقان مع بعضهما بعضا أو أنهما ثقافتان متعاديتان. لدينا اهتمام مشترك بالدفاع عن هذه القيم المشتركة ومعالجة التعصب والتطرف بجميع أشكالهما، بما في ذلك الرهاب من الإسلام.

لهذا السبب، أشعر بأشد الغضب تجاه أن الهجمات الإرهابية التي وقعت في نيويورك ومدريد ولندن والدار البيضاء والرياض، وهي من بين العديد في غيرها من المدن التي تعرضت لأعمال إرهابية، كانت أعمالا ارتكبها عدد ضئيل جدا من شعوبنا ممن يسعون لتدمير هذه القيم والخصائل المشتركة. إنهم يحاولون استغلال سياساتنا مبررا للأعمال الإرهابية الشنيعة التي ينفذونها. ليس لدينا أدنى نيّة لمحاولة استرضائهم عبر تغيير هذه السياسات، وقيامنا بذلك سيكون ضربا من العبث. ذلك لأن صراعهم ليس مع السياسات نفسها، بل أنهم يدّعون بكل سخافة وغباء بأن الحكومة التي تضع هذه السياسات منخرطة بنوع من الثأر المعتوه المعادي للإسلام، وبالتالي فإن كل ما تفعله هذه الحكومة يعتبر بحكم طبيعته مُضِرّا بالمسلمين. 

حينما يبذل العاملون بوزارتي والوزارات الأخرى الكثير من الجهود لتعزيز الانسجام ما بين الجاليات والأديان، فإن مثل هذا الادعاء بالكاد يستحق الرد عليه. إلا أن جزءا من حجة المتطرفين تستند إلى انتقاد التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب التي تبنيناها بغرض استهداف هؤلاء المتطرفين الذين يعتنقون العنف. أؤمن بشدة بأن الإجراءات التي نتخذها هي أقل الخطوات اللازمة التي يتعين على أي حكومة مسؤولة أن تتخذها للدفاع عن مواطنيها مهما كانت ديانتهم أو موطنهم الأصلي. إن الهجمات الإرهابية الوحشية التي يتم ارتكابها في جميع أنحاء العالم هي برهان ـ إن كان هناك أي لزوم لأي برهان ـ على أننا ما زلنا نواجه تهديدا حقيقيا كبيرا لا نهاية له، ونحتاج لتبني تدابير صارمة لا هوادة فيها لمكافحة هذا الإرهاب. 

إنني مدرك تمام الإدراك بأن أي إجراءات تعسفية وشديدة الوطأة تطال الأبرياء خلافا لما هو مرجوٌّ منها ـ بمن في ذلك مليونا مسلم من محبّي السلام يعيشون في بريطانيا ـ سيكون تأثيرها عكسيا وسيستغلها الإرهابيون أسوأ استغلال. لهذا السبب، فإننا ندرس بكل حذر الإجراءات التي نتخذها، كما أننا ننخرط في مشاورات واسعة النطاق مع ممثلي الجاليات نفسها لكي يتكون لديهم فهم كامل لما نفعله، ولأن تكون لديهم الفرصة للإدلاء بأفكارهم وآرائهم. ومن الضرورة بمكان ألا نسمح بانتشار أي سوء فهم لهذه السياسات. وفوق كل اعتبار، نحتاج للإسراع بجهودنا لمنع مواطنينا من التحول إلى الإرهاب، وذلك بأن نعمل على مشاركة خبراتنا تجاه التطرف وتجنيد المتطرفين من خلال بيئات اجتماعية كالمدارس وأماكن العبادة، أو عبر وسائل الإعلام. العمل جارٍ بالفعل على منع تأصل جذور العنف بين جيل الشباب، وذلك عن طريق تطوير فهم للتنوع الثقافي بأوروبا والقيم الأساسية المشتركة التي تؤمن بها؛ ويتعين علينا البناء على هذه الجهود. نحتاج بالنهاية لخلق مجتمع أوروبي شمولي يضم الجميع.  فقط من خلال الدفاع عن مواطنينا ضد الإرهاب دون تدمير الحريات التي تبنى عليها مجتمعاتنا، ومن خلال سعينا لهزيمة الإرهابيين بدون أن نؤدي لشعور المسلمين بأننا نستهدف الإسلام، ومن خلال معالجة المظالم المشروعة بالعالم الإسلامي بدون توثيق ادعاءات الإرهابيين، سيكون باستطاعتنا بناء بيئة يسودها التسامح والحرية؛ بيئة لا يستطيع الإرهاب أن يزدهر بها. إنني مدرك تماما لمدى عِظَم هذه التحديات، لكنني على ثقة تامة بأن أفضل السبل لهزيمة الإرهاب العالمي يمر عبر التعاون الدولي وتيقظ ودعم مواطنينا من جميع الأصول العرقية والمعتقدات الدينية ـ وهو أمر باستطاعتنا جميعا العمل على تحقيقه.

* وزير الداخلية البريطاني

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-28-8-2006

 

حلقة باكستان والإرهاب: الديمقراطية وحدها هي الحل

 

بي نظير بوتو

 

قد يرى البعض أن نمط العلاقة المقلق ما بين مؤامرات الإرهابيين وهجماتهم على الغرب وجمهورية باكستان الإسلامية محض مصادفة ولا قيمة له. لكن بالنسبة لي تمتلك هذه العلاقة أهمية كبيرة وهناك نتيجة مباشرة لسماح الغرب للأنظمة العسكرية الباكستانية بقمع الطموحات الديمقراطية للشعب الباكستاني، طالما أن هذه الديكتاتوريات تبدو ظاهريا وكأنها تدعم الأهداف السياسة الخاصة بالمجتمع الدولي.

في أواخر السبعينات من القرن الماضي تم إسقاط النظام المنتخب بطريقة ديمقراطية، والذي كان يتزعمه والدي ذو الفقار علي بوتو، من خلال انقلاب عسكري قاده الجنرال محمد ضياء الحق الذي كان آنذاك رئيسا لأركان الجيش.

طلب المجتمع الدولي أولا إعادة الديمقراطية وتنظيم انتخابات نزيهة. ووعد ضياء الحق الذي كان قد عين نفسه رئيسا، بإجراء انتخابات خلال 90 يوما، ثم أضاف 90 يوما أخرى، ثم عاما. وعبر الغرب عن ضيقه ونفاد صبره ، لكن بعد فترة قصيرة جاء الغزو السوفيتي لأفغانستان، فتلاشت الدعاوى بإعادة الديمقراطية إلى باكستان مع توفر فرصة للولايات المتحدة كي يعوِّق الاتحاد السوفيتي في جنوب غربي آسيا.

وبدأت الولايات المتحدة بتسريب المساعدة والتدريب إلى المجاهدين الأصوليين عبر باكستان، خصوصا من خلال وكالات الاستخبارات العسكرية الباكستانية التي أسسها ضياء الحق لتعزيز قبضة حكمه الحديدية.

ولم يجلب هذا التحالف أسلحة حديثة وتكنولوجيا إلى المجاهدين ، لكنه حوّل باكستان من بلد مسالم إلى آخر عنيف زاخر بأسلحة الكلاشينكوف، والإدمان على الهيرويين وتأويل أكثر تطرفا للإسلام. وأصبحت شوارع كراتشي مسرحا للأسلحة والاختطافات. وأدى تحويل التمويل من القطاع المدني للعسكري إلى نتائج سلبية متواصلة على المجتمع الباكستاني.

فمع تخلي الحكومة عن مسؤوليتها تجاه التعليم والصحة والسكن والخدمات الاجتماعية، أصبح الناس يبحثون عن أطراف أخرى كي تقدم لهم الدعم، وجاء انتشار «المدارس» الدينية عبر كل باكستان. وهذه المدارس تستغل اسم الدين لتعليم الطلاب التطرف والتعصب مع تدريب عسكري لهم. وأصبحت هذه المدارس أرض تفريخ للكراهية والخوف من الأجانب والتطرف والإرهاب.

وحالما غادر السوفيت أفغانستان تخلى الغرب عن الديمقراطية في أفغانستان تاركا إياها تحت رحمة العناصر المتطرفة من المجاهدين. وأصبحت باكستان وأفغانستان مصدرين للحركة المتطرفة على المستوى السياسي والديني، وليقود هذا الواقع إلى نشوء حركة طالبان ثم إلى القاعدة لاحقا.

والى ذلك تشكل «جماعة الدعوة» نسلا هجينا من المنظمة تجمع العملين الخيري والإرهابي معا، ولعلها استخدمت ـ حسب بعض التقارير الصحافية ـ نمط المدارس السياسي لإيصال التبرعات المخصصة للمتضررين بالزلزال الأخير في باكستان إلى المتآمرين الذين وضعوا مخططا إرهابيا تم الكشف عنه الأسبوع الماضي والذي كان يهدف تفجير طائرات ركاب فوق المحيط الأطلسي.

ومما يؤسف له، أنه بعد عقدين من انقلاب ضياء الحق ضد الديمقراطية في باكستان قام رئيس أركان آخر للجيش بانقلاب عسكري آخر على حكومة مدنية.

والى ذلك ظل برويز مشرف يعزف على الأوتار التي تروق للغرب، فهو يقدم من وقت لآخر وبطريقة محسوبة بدقة دعمه غير المخلص للحرب العالمية ضد الارهاب، وينجح بذلك في تفادي الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو يواصل عمليات اعتقال ونفي قادة المعارضة والقضاء على الأحزاب السياسية، ومواصلة الضغوط على الصحافة وإحباط قضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة في باكستان.

وبزعمه وجود أجزاء يتعذر حكمها من الأراضي الباكستانية، يكون نظام مشرّف قد تنازل عن مسؤوليته تجاه هذه الأجزاء لحركة طالبان وتنظيم «القاعدة». ومن هنا ليس ثمة غرابة في الفشل في إلقاء القبض على اسامة بن لادن، الذي وفر الأموال لإطاحة حكومتي. ويصدر اسامة بن لادن رسائل في شرائط مسجلة تحت مسمع الدكتاتورية العسكرية الباكستانية التي يحميها العسكريون المتشددون والجماعات المسلحة في مناطق وزيرستان القبلية التي فشل نظام مشرّف في السيطرة عليها.

فكرة ان هذه الأجزاء الواسعة من باكستان غير قابلة للسيطرة حديث لا معنى له. فخلال فترة عملي رئيسة للحكومة الباكستانية مرتين فرضت الحكومة سيادة الدولة من خلال الإدارة المدنية والقوات المسلحة.

تبدي دكتاتورية مشرّف تأييدا ظاهريا للحرب على الارهاب، وتقدم تأييدها ودعمها عند اللزوم بغرض الظهور بمظهر حسن أمام واشنطن، فيما تترأس مجتمعا يمكّن المتشددين على حساب المعتدلين. اما المدارس السياسية الخطيرة التي قضيت سنوات في تفكيكها عندما كنت رئيسة للحكومة، فقد انتعشت الآن وتنمو تحت ظل دكتاتورية اسلام أباد العسكرية.

لماذا يقود اقتفاء آثار النشاط الإرهابي باستمرار الى باكستان؟ ولماذا يستهوي هذا النمط من الإرهاب الجيل الثاني من المهاجرين الباكستانيين على وجه التحديد في كل أنحاء العالم اكثر من بقية المسلمين الذين يشعرون بالإحباط وخيبة الأمل؟ وما الذي يضع اسلام أباد دائما في قلب المخططات الارهابية ـ من ليدز الى لندن ومؤامرات تستهدف الطائرات والحافلات والقطارات، وقبل كل شيء، الناس الأبرياء؟

اعتقد ان النظم السياسية توجد ردود أفعال محددة داخل مواطنيها. في الدكتاتوريات العسكرية تنساب السلطة عبر البندقية وليس عبر القانون. الرسالة التي وجدت طريقها لأذهان الشباب الباكستاني على مدى عقود من جراء التدخل العسكري المتكرر، هي ان القوة هل الأفضل لوضع الامور في نصابها.

كما ان تأييد الغرب لقمع التطلعات الديمقراطية للشعب الباكستاني سمح بخلق حالة من التثبيت للأنظمة الدكتاتورية بالترويج لهذه الرسالة في اوساط الشباب المسلم. يضاف الى ما سبق ان استخدام المؤسسات المتطرفة لمعالجة بعض الاحتياجات الاجتماعية، يعتبر عنصرا اساسيا لفهم مسألة ربط اسلام أباد بالحوادث الارهابية.

الديمقراطيات لا تدخل في حرب ضد بعضها البعض. الحكومات الديمقراطية لا تحمي وتمكّن وتؤوي الارهابيين. المجتمعات الديمقراطية تنتج الى حد كبير مواطنين يفهمون أهمية القانون والتنوع والتسامح. ومن هنا فإيجاد نظام حكم ديمقراطي في باكستان خال من أي صلة بالدكتاتورية العسكرية سيضمن عدم استمرار باكستان في ان تكون مركزا عالميا للارهاب.

*رئيسة وزراء باكستان السابقة

و كل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور.

المصدر: الشرق الأوسط خدمة «تريبيون ميديا سيرفيسيز» خاص بـ«الشرق الأوسط»-28-8-2006

 

 

لماذا خسر لبنان قضيته في مجلس الأمن؟

 

محمود المبارك

 

المتابع لقضية لبنان الأخيرة في مجلس الأمن التي تمخض عنها القرار رقم 1701 قد يخلص إلى أن هذه المعركة كانت قضية رابحة في يد محامٍ فاشل.

ففي الوقت الذي كانت إسرائيل ترتكب فيه جرائم حرب بقتلها المدنيين العزل، وقصفها الأهداف المدنية والمطارات والجسور والمساجد والمدارس، واستخدامها الأسلحة المحرمة دولياً، وانتهاكها القوانين والأعراف الدولية، نجد الموقف العربي في مجلس الأمن - إما عن جهل أو عن دراية - تجنب اتهام الحكومة الإسرائيلية بالتهم القانونية المناسبة لأعمالها الإجرامية.

بيد أن قضية لبنان هذه ليست بدعة في التعامل العربي مع القضايا القانونية الدولية. بل إنها تأتي متناسبة مع تاريخ عربي عريق لم يول الجوانب القانونية الدولية حقها من الاكتراث المستحق. فعلى سبيل المثال، وأثناء مفاوضات أوسلو التي قادت إلى المعاهدة الدولية الشهيرة بين الإسرائيليين من جهة، ومنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها حينئذ الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني من جهة أخرى، تجلى الفهم القانوني للفريقين المتفاوضين في تشكيلة كل منهما. ففي حين خلا الوفد الفلسطيني المفاوض من خبراء في القانون الدولي في لقاءات هدفها توقيع معاهدة قانونية دولية! وتولى التفاوض القانوني في الجانب الفلسطيني سياسيون قدامى يرأسهم أبو عمار وأبو مازن وأبو... وأبو...، كان الوفد الإسرائيلي يحوي فريقاً كاملاً من القانونيين الدوليين والخبراء المختصين في توقيع المعاهدات الدولية.

القرار 1701 الذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع في جلسته رقم 5511 بتاريخ 11 آب (اغسطس)، مثال كلاسيكي آخر للدلالة على فشل الطريقة العربية في التعامل مع القضايا القانونية الدولية. ففي قراره الآنف الذكر، حمّل مجلس الأمن «حزب الله» المسؤولية المباشرة عن بدء الحرب الإسرائيلية – اللبنانية الأخيرة. إذ نص القرار في ديباجته على أن المجلس «يعرب عن بالغ قلقه إزاء استمرار تصعيد الأعمال القتالية في لبنان وإسرائيل منذ هجوم حزب الله على إسرائيل في 12 تموز (يوليو) التي تسببت في وقوع مئات من القتلى...».

هذه العبارة تعد تحميلاً قانونياً مباشراً لمسؤولية الطرف الذي بدأ الهجوم وهو أمر في غاية الأهمية، إذ تترتب عليه مسؤوليات قانونية شتى، قد تشمل تحمل دفع تعويضات للطرف المتضرر (إسرائيل في هذه الحال) في المستقبل.

القرار احتوى أيضاً على مغالطات قانونية خطيرة، إذ وصف وضع الجنديين الإسرائيليين بـ «المختطفين»، الأمر الذي يجرم عمل «حزب الله» بدايةً، إذ أن الاختطاف جرم قانوني. ولكنه في الوقت نفسه وصف المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية بـ «السجناء» وهو الأمر الذي يبرر إبقاءهم كذلك. القرار أيضاً وبالانحياز نفسه للجانب الإسرائيلي يشدد على سرعة إطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين، ولكنه يشجع «الجهود الرامية إلى تسوية مسألة السجناء اللبنانيين»!

إضافةً إلى ذلك، في فقرته الأولى، دعا القرار «حزب الله» إلى الوقف الفوري لجميع الهجمات ودعا إسرائيل إلى وقف العمليات العسكرية الهجومية، وكأن القرار بطريق غير مباشر يبيح لإسرائيل القيام بأعمال عسكرية يمكن تبريرها على أنها أعمال دفاعية وما أسهل ذلك. ولا شك أن التأثير الإسرائيلي عبر الوسيط الأميركي كان واضحاً في صوغ القرار الأممي. فالقرار تضمن وجوب تنفيذ جميع ما طالبت به الحكومة الإسرائيلية، ولكنه «أخذ علماً» بالنقاط السبع التي طالبت بها الحكومة اللبنانية!

يأتي هذا القرار كنتيجة مباشرة للمرافعات التي تمت في مجلس الأمن خلال جلستيه 5508 و5511 اللتين عبر فيهما الطرفان العربي والإسرائيلي عن آرائهما. ففي الوقت الذي ركزت فيه الخطابات العربية على المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، ولم تطالب الأطراف العربية حتى بمجرد شجب الأعمال الوحشية الإسرائيلية التي راح ضحيتها مئات الأبرياء من المدنيين وتشريد أكثر من مليون مواطن وتدمير كل البنية التحتية للبنان، جاء الخطاب الإسرائيلي ليضع النقاط على الحروف ويتهم «حزب الله» مباشرة بالإرهاب.

القراءة القانونية لخطابات المندوبين العرب في جلسة مجلس الأمن رقم 5508 التي عقدت يوم 8 آب، تطرح تساؤلاً عن سبب خلو كلمات مندوبي الدول العربية من أي اتهامات مباشرة لإسرائيل، إذ لم تشمل الكلمات السياسية الفضفاضة التي ترنم بها المندوبون العرب أي اتهام قانوني محدد للحكومة الإسرائيلية، كتعمدها على سبيل المثال قصف المدنيين أو ارتكابها «جرائم حرب» أو «جرائم إبادة» مثل تلك التي حدثت في قانا أو القاع أو غيرهما، أو استخدامها الأسلحة المحرمة دولياً، على رغم أن هذه الاتهامات صدرت من منظمات حقوق الإنسان الدولية وبعض الدول الغربية.

فخلو الخطابات العربية من هذه الاتهامات يعني أحد أمرين: الأول هو جهل المندوبين العرب بالجوانب القانونية لعمل مجلس الأمن. فالمجلس أقرب ما يكون إلى محكمة دولية يصدر أحكامه بحسب ما يعرض عليه من المدعي والمدعى عليه. فإذا كان المدعي جاهل لأهمية الجوانب القانونية الدولية وفاته عرضها على القاضي، فليس له أن يتوقع حكماً قضائياً منصفاً، وإن كانت قضيته واضحة، فالمحكمة حين تصدر قراراتها إنما تأخذ في حسبانها ما عرض في ساحتها بغض النظر عما وقع فعلاً.

ولعل حال عدم الاكتراث بالجوانب القانونية الدولية عند أمة العرب تجيء نتيجة ثقافتها الموروثة التي تولي أهمية أقل للقانون الدولي. ففي الوقت الذي تولي فيه حكومات الدول الغربية وإسرائيل اهتماماً خاصاً باجتذاب خبراء القانون الدولي في دوائر صنع السياسات الخارجية، نجد أن المتنفذين من أهل القانون الدولي في صنع السياسات الخارجية للدول العربية مجتمعين أقل من الخبراء القانونيين الدوليين المتوفرين لدى وزارة الخارجية الإسرائيلية وحدها.

وفي الوقت الذي نجد فيه أن جميع رؤساء الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية - باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة منهم الرئيس الحالي - وأن الغالبية العظمى من رجال الكونغرس الأميركي بشقيه وحكام الولايات هم من خريجي كليات الحقوق، نجد أنه لا يوجد حاكم عربي واحد يحمل شهادة حقوق، فضلاً عن شهادة تخصص في القانون الدولي!

ولكن، في وقت أصبحت المعلومة فيه ملكاً مشاعاً عبر الفضائيات والصحف والمجلات، قد يبدو من الصعب اليوم قبول منطق الجهل لدى الفريق العربي المتكفل بالدفاع عن حقوق الأمة العربية على منبر الأمم المتحدة.

ويبقى احتمال آخر وهو تعمد الجانب العربي إغفال إلصاق التهم القانونية بإسرائيل لسبب لا يخفى على الفطناء.

فقد كان الموقف العربي خالياً من أي صيغ قانونية مثيرة. بل إن مندوب الدولة العربية العضو في مجلس الأمن أساء - عن جهل أو عن قصد - إلى القضية اللبنانية واتهم المقاومة ضمناً بالإرهاب، حين أشار في كلمته التعقيبية في الجلسة 5508 إلى خطر تواصل رد فعل «الإرهابيين» في حال عدم اتخاذ إجراء حاسم من مجلس الأمن، إذ قال: «إن الإرهابيين يراقبون وسيزدادون جرأة في حال اعتماد مجلس الأمن طريق أنصاف الحلول...»، ثم أضاف: «أما إذا اعتمد المجلس طريق العمل... فسيعلم الإرهابيون وسادتهم في منطقتنا...». ولست أدري كيف يمكن تفسير هذا الاتهام على طريقة لا تقصد بها المقاومة الإسلامية في لبنان «حزب الله».

في المقابل، وصف مندوب الدولة العبرية ما قام به «حزب الله» بـ «العمل الإرهابي» وشجب دولاً أخرى كسورية وإيران لإعانتهما «حزب الله» على «أعماله الإرهابية». ولم يفت المندوب الإسرائيلي أن يندد بـ «حماس» ويربطها بـ «حزب الله» ويؤكد رباعية الشر: إيران وسورية و «حماس» و «حزب الله».

وفي تبريره لدفاع حكومته عن نفسها - تماشياً مع المادة 51 من الميثاق الذي يبيح لها الدفاع عن شعبها وأراضيها - قال المندوب الإسرائيلي إن «حزب الله» في حربه ضد إسرائيل «ألقى أكثر من 3500 قذيفة قاتلة مسددة بإجرام إلى الشعب الإسرائيلي، ونفذ بشراسة تهديداته على المدن الإسرائيلية والمدن المقدسة، واستهدف الرجال والأطفال والنساء اليهود والمسلمين والنصارى على حد سواء، مستخفاً بالتفرقة بين المدنيين وغير المدنيين».

الخاتمة إذاً أنه لا غرابة أن يصدر قرار مجلس الأمن منحازاً انحيازاً واضحاً الى الجانب الإسرائيلي، فقد يفشل محامٍ ما في إقناع قاضٍ منحاز أصلاً لأحد الخصمين في أية قضية، ولكن إذا كان القاضي والمحامي اتفقا على الحكم مسبقاً، فإن المسألة لم تعد مجرد قضية رابحة عند محامٍ فاشل، وإنما تكون قضية قاضٍ مجحف ومحامٍ متآمر!

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الحياة اللندنية- 27-8-2006

 

بعد الحديث عنه في هيئة المصالحة العراقية: العفو فــي الأحكــام الدســتورية والقــانونية

 

 

المحامي طارق حرب

 

العفو لغة القصد لتناول الشيء، يقال عفاه واعتفاه وعفوت عنه،قصدت أزالة ذنب صارفاً عنه  فالعفو هو التجافي عن الذنب وقد وردت كلمة عفو في آيات كثيرة (فمن عفا واصلح ـ وان تعفوا اقرب للتقوى ثم عفونا عنكم ـ ان نعف عن طائفة منكم ـ واعف عنهم واستغفر لهم ـ واعف عنا واغفر لنا وارحمنا) وقيل في معنى (خذ العفو) تعاطي العفو عن الناس وقوله (ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو) اي ما يسهل انفاقه وقولهم: اسألك العفو والعافية اي ترك العفو، ويعرف العفو قانونا هو التشريع الذي يصدر من الجهات ذات السلطة في الدولة الذي يترتب عليه ايقاف الاجراءات القانونية بحق المتهم او اجراءات المحاكمة او الغاء الحكم الصادر بحقه او ايقاف تنفيذ العقوبة مع ما يترتب على ذلك من سقوط جميع الاجراءات القانونية المتخذة او سقوط جميع او بعض العقوبات الاصلية والتبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية، واذا كان النظام السابق قبل 2003/4/9 قد اكثر من صدور قوانين وقرارات ومراسيم العفو وحتى احيانا يكون العفو بامر يصدر من رئيس الجمهورية السابق وكان اخر تشريع للعفو صدر قبل خمسة اشهر من سقوط النظام. حيث صدر قرار العفو العام الوارد بقرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) برقم 225 في 2005/10/20 الذي تم بموجبه اطلاق سراح جميع الموقوفين والمحكومين حتى ولو كانوا محكومين بالاعدام الامر الذي ادى الى عدم بقاء اي موقوف او محكوم وحتى لو كان المحكوم بالاعدام قد ارتكب جريمة قتل اكثر من شخص على الرغم من ان العفو على مثل هذا المحكوم يتطلب موافقة ورثة المجني عليه وقبولهم للصلح. وبما ان هذا العفو كان عاما شاملا مطلقا وبما ان ما قرره القانون الدولي هو عدم العفو عمن ارتكب جريمة تمس حقوق الانسان لذلك فان المادة (15) سادسا من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا 10 لسنة 2005 قضت بعدم سريان قرارات العفو الصادرة سابقا على المتهمين الذين تحاكمهم المحكمة المذكورة، لقد نظم الدستور الجديد العفو بشكل يختلف كليا عما كان سائداً سابقا والمبدأ في ذلك تقليص حق السلطة في اصدار العفو.

صلاحية رئيس مجلس الوزراء بالعفو

لقد تم تخويل رئيس الوزراء بموجب امر سلطة الائتلاف المؤقتة 99 في 2004/6/27 المنشور في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) 3985 تموز 2004 صلاحية رئاسة لجنة المعتقلين المشتركة التي تتولى تدقيق احوال المعتقلين ووضع سياسة بشأنهم واصدار تقاريرو توصيات بما فيها اخلاء سبيل المعتقلين اذ لابد من موافقة رئيس اللجنة وهو رئيس الوزراء على التوصية باطلاق السراح واخلاء السبيل، كما ان المادة (8) من امر (قانون) الدفاع عن السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004 الذي اصدرته الحكومة المؤقتة (حكومة الدكتور اياد علاوي) منحت رئيس الوزراء صلاحية حفظ الدعوى والافراج عن المتهمين قبل محاكمتهم او اثناء المحاكمة لضرورات تتعلق بالمصلحة العليا او لاسباب تتعلق بالامن والاستقرار شريطة موافقة مجلس الرئاسة وان تكون الجريمة ذات العلاقة بحالة الطوارىء.

صلاحية مجلس الرئاسة بالعفو

خولت المادة (73/ اولا) من الدستور مجلس الرئاسة صلاحية اصدار العفو الخاص بشروط كثيرة اولها صدور توصية من رئيس الوزراء باصدار العفو الخاص وبالتالي لا يجوز للمجلس المبادرة باصدار هذا العفو ما لم تكن هنالك هذه التوصية وثانيها استثناء عدد كبير من الجرائم من حق مجلس الرئاسة في اصدار عفو خاص وهي جرائم الحق الخاص اي الجرائم التي يترتب عليها حق لاخر تجاه مرتكب الجريمة نحو جريمة القتل او جريمة الاعتداء او السباب او الشتم او القذف وسوى ذلك من الجرائم التي يكون فيها المجنى عليه مواطن وليست الدولة، اما جرائم الحق العام فانه يجوز للمجلس اصدار عفو خاص بها كجريمة التزوير والجرائم السياسية وغيرها مما لا يترتب على ارتكابها حق خاص لاي انسان وكذلك لا يجوز لمجلس الرئاسة اصدار عفو في جرائم الارهاب وجرائم القانون الدولي وهي جريمة الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية كذلك ليس للمجلس العفو عمن ارتكب احدى الجرائم الارهابية وهي الجرائم الواردة في قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 ذلك ان هذا القانون حدد عدداً من الافعال الجرمية واعتبرها جرائم ارهابية وهي جرائم العنف والتهديد الذي يهدف الى القاء الرعب بين الناس وتعريض حياتهم وحريتهم وامنهم للخطر وتعريض الاموال والممتلكات والاموال للتلف وقيادة العصابات المسلحة الارهابية والعمل على اثارة الفتنة الطائفية او الحرب الاهلية او الاقتتال الطائفي او الاعتداء على الهيئات الدبلوماسية او استخدام المواد المتفجرة او الخطف للابتزاز المالي او اسباب سياسية او طائفية او قومية او دينية وكذلك ليس لمجلس الرئاسة اصدار عفو في جرائم الفساد المالي والاداري كاختلاس الاموال العامة والرشوة والتزوير واستغلال نفوذ الوظيفة واساءة استعمال السلطة، اما فيما عدا ذلك من الجرائم فان لمجلس الرئاسة صلاحية اصدار العفو الخاص، علما ان هذا العفو يترتب عليه سقوط العقوبات الاصلية (الاعدام والسجن مدى الحياة والسجن والحبس والغرامة) ولا يترتب عليه المساس بالرد (رد الاموال) او التعويض المحكوم به المتهم او المصادرة ولا يكون له أثر على ما سبق تنفيذه من العقوبة كما قضت بذلك المادة (154) من قانون العقوبات والمادة( 306) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، مع ملاحظة ان العفو هذا يجب ان يصدر بالاجماع اي بموافقة رئيس الجمهورية ونائبيه على وفق احكام المادة (138/ رابعا) من الدستور.

صلاحية مجلس النواب بالعفو

ومجلس النواب ذو صلاحية مطلقة وليست مقيدة وشاملة وليست مجزأة وعامة وليست مقيدة باصدار العفو عن جميع المتهمين والمحكومين وعن جميع الجرائم وفي هذه الحالة يجب ان يصدر العفو بقانون يسمى قانون العفو، ويتم تقديم مشروع (مسودة) قانون العفو اما من مجلس الرئاسة او مجلس الوزراء او من عشرة من اعضاء مجلس النواب او من احدى لجان مجلس النواب كما اوجبت ذلك المادة (60) من الدستور واذا تم تقديم مشروع قانون العفو من مجلس النواب فلابد ان يكون ذلك من اختصاص اللجنة القانونية كونها اللجنة الاقرب للاختصاص ولكن ذلك لا يمنع من اشتراك لجنة الامن والدفاع او سواها من اللجان الاخرى ذات العلاقة والتي تم تشكيلها في المجلس على وفق نظامه الداخلي ومن الطبيعي ان تتولى اللجنة او اللجان تحديد كل ما يتعلق بالعفو العام من حيث تحديد المشمولين به والجرائم المشمولة بالعفو وهل يشمل المتهمين ام المحكومين معهم وما هي العقوبات المحددة للجرائم المشمولة بالعفو والحق الخاص والمصادرة ورد الاموال في بعض الجرائم وهل يكون العفو شاملا لجميع الجرائم ام بعضها وكيفية تنفيذ قانون العفو وقد تكتفي المسودة (المشروع) بكونه عفواً عاماً وفي ذلك يشمل حتى الجرائم التي تبتعد عن الوجه السياسي لجرائم القتل بسبب جزائي وجرائم الخطف وجرائم الفساد الاداري، وفي ذلك لابد ان تتوقف اللجنة ومجلس النواب ايضا عند عرض المسودة عليه امام الفاظ وعبارات والمصطلحات العفو، اذ كما يقال ان تباين المصطلحات يقود الى تباين الفهوم (المفاهيم) القانونية واختلاف العبارات يؤدي الى اختلاف الاعتبارات وعند طرح مسودة القانون على مجلس النواب فيما ان الدستور لم يحدد اغلبية في صدور قراره بشان العفو واجازته لقانون العفو لذا فانه يجب اعتماد المادة (59) من الدستور اذ لابد من تحقق النصاب وهو حضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه وان تصدر الموافقة بالاغلبية البسيطة من اصوات اعضاء مجلس النواب، ولما كان عدد اعضاء مجلس النواب (275) فلابد من حضور (138) عضواً وصدور القرار بموافقة (69) صوتاً على الاقل كي يكون القانون قد نال الموافقة البرلمانية، غير اننا لابد ان نبادر ونقول ان مسألة اصدار قانون العفو مسألة كبيرة وخطيرة من حيث موضوعها ومن  يتم شموله بها لذا فان الموضوع لابد ان يكون محل عناية دقيقة بحيث يتم شمول المقصود من العفو وابعاد من لم يكن مقصودا ويتم شمول الجرائم المستهدفة بالعفو وابعاد الجرائم التي لا يستهدفها العفو وبشكل واضح يكون بعيدا عن التفسير والتأويل كي يحقق العفو غايته المطلوبة الا اذا كان القصد العفو العام عن جميع الجرائم وعن جميع المتهمين والمحكومين وهذه لايمكن قبولها من اعضاء مجلس النواب الذين يمثلون الشعب. وان كانت صلاحية السلطة التشريعية (مجلس النواب) مطلقة عامة شاملة على وفق احكام الدستور وعلى وفق احكام المادة (153) من قانون العقوبات والمادة (305) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، ولا بأس لمجلس النواب من الاستئناس برأي اصحاب الخبرة في هذه المسألة الدقيقة والمهمة بعد اكمال مسودة (مشروع) قانون العفو. اذ لا خاب قط من استشار ولا ضل من طلب فتوى ومن شاور القوم شاركهم في عقولهم كما يقول الامام علي (ع) لاسيما ان الرأي الذي يتم ابداؤه لا يكون ملزما لاعضاء مجلس النواب فكما يقال ان الفتوى اخبار من غير الزام، لما للعفو من اثار سياسية ومن اثار اجتماعية خاصة بالنسبة لمن كان متضررا من الجرائم ومن كان ضحية لها. لذا فان اتجاه هيئة المصالحة يوم 2006/8/15 اتجاه سليم ان تم احكام العفو بالسبيل المستقيم، لاعلاء شأن العراق الوطن والعراقي المواطن.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر نصاً ودون تعليق .

المصدر: جريدة الصباح-27-8-2006

 

الـدستور الـعراقي ؛ المـادة 142: الأولـويـة لـتعـديـل الـدستـور أم لـتأجـيل تعديله ؟

 

عبد الجبار خضير عباس

 

 

اولا- يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من اعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب، خلال مدة لا تتجاوز اربعة اشهر، يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور، وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها.

ثانيا- تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعة واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، وتعد مقرة بموافقة الاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس.

ثالثا- تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب وفقا لما ورد في البند(ثانيا) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها خلال مدة لا تزيد على الشهرين من تاريخ اقرار التعديل في مجلس النواب.

رابعا- يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين واذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات او اكثر.

خامسا- يستثنى ما ورد في هذه المادة من احكام المادة(126) المتعلقة بتعديل الدستور، الى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة.

تعمد واضعوا الدستور الجديد تأجيل البت في عدد من القضايا، وأحالوها الى مجلس النواب، الذي من المفترض ان يقوم بذلك، عن طريق اصدار قوانين جديدة لملء مساحات الفراغ الموجودة في الدستور ومن هذه القضايا ما هو أساسي متعلق بالكيان السياسي للدولة نفسها، ومنها ما هو تفصيلي يتعلق بآليات وطريقة تنفيذ امور نص عليها الدستور الدائم، ومنع الدستور من تعديل المواد الاساسية الواردة في الفصل الاول والثاني، الحقوق والحريات لدورتين انتخابيتين متعاقبتين أي 8 سنوات وربط امكانية التعديل بموافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب، وموافقة الشعب باستفتاء عام.. ولكن بسبب تأخير تشكيل الحكومة.. وتأثيرات الوضع الامني والظروف السياسية الشائكة والمعقدة واعطاء فرصة لمشروع المصالحة الوطنية.. كل هذه المسوغات اسهمت في تمديد المدة، وقد برر البعض ان مناقشة المواد الدستورية موضع الخلاف في ظل هذا الظرف سيجرنا الى تعقيدات نحن في غنى عنها ومنهم من يرى ان القضية من شأن الامة التي صوتت على الدستور، فمن المفترض ان يعرض الامر للاستفتاء عليه.. ومن أجل تسليط المزيد من الضوء بشأن موضوع التعديل.. كانت لنا هذه الوقفات مع اعضاء في مجلس النواب وحملنا لهم اسئلتنا التي تركزت بشأن الفقرات المرشحة للتعديل في الدستور العراقي وما مواقف الاطراف المختلفة من هذا التعديل.. وهل يتم تعديل فقرات مهمة في الدستور في ظل الظروف الامنية الصعبة والمعقدة واحتمالات انزلاق البلاد الى حرب أهلية؟ وهل من الضروري تحديد فترة اخرى للتمديد؟ وهل من الممكن اتفاق القوى السياسية الرئيسية بشأن موعد جديد للتعديل؟ ودور منظمات المجتمع المدني في التثقيف بالدستور، والاخذ بنظر الاعتبار دور الاقليات ومطالبهم في التعديلات والتساؤل بشأن الفيدرالية.

خالد العطية ، النائب الاول لرئيس مجلس النواب : بعض المواد بحاجة لإعادة صياغة 

ان هذا الدستور الذي كتب وجرى التصويت عليه وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلت لاعداده والمناقشات الكثيرة التي استغرقت فضلا عن المشاركة الواسعة الى حد ما من قبل منظمات المجتمع المدني ولكن مع ذلك قياسا لاهمية وضخامة العملية وصعوبتها كان الوقت غير كاف وكان الامر يتطلب وقتا اكثر من ذلك الا ان الظروف التي يمر بها العراق وضرورة اقرار دستور للبلاد مع اعتقاد راسخ بان يهيئ الدستور الاستقرار والامن للبلاد لذا جرى اقراره ضمن المدة ولم تستخدم الجمعية الوطنية السابقة صلاحيتها بموجب قانون ادارة الدولة للتمديد حرصا ان لا تعطي اشارة سلبية الى الداخل والخارج في عملية تأخير صياغته لذا فان الصياغة حصل فيها بعض الارتباك حتى على الصعيد اللغوي والفني وهناك بعض المواد اعتقد انها بحاجة الى اعادة صياغة لاسباب فنية ان لم تكن لاسباب سياسية او قانونية وثمة مواد وضعت موضع الاختلاف ولم يحصل بشأنها توافق او اجماع كاف ومن جملة هذه المواد المتعلقة بطبيعة الحال بالفدرالية وبالاجراءات والآليات التي تتم بموجبها ومواد متعلقة بهوية العراق العربية والمواد المتعلقة بالحقوق والحريات التي حددها الفصل الاول والثاني من الدستور من قبيل حق اكتساب الجنسية فضلا عن بعض التطورات المختلفة حول الثروات الطبيعية وفي طليعتها النفط والغاز وملكية هذه الثروات وما حدودها وما طبيعتها وخلافات بشأن الاجراءات المتعلقة بالنظام السابق ورجالاته والعناصر الاجرامية التي اسهمت في شقاء العراق واضطهاده من قبيل موضوع المادة التي تتعلق بحظر الفكر البعثي وعودة حزب البعث وممارسته العمل السياسي وخطره في المستقبل وما يتعلق باجتثاث البعث وهذه المواد بمجملها موضع اختلاف وجدل ولم يحصل بشأنها توافق وبذلك وضعت مادة في الدستور تنص على ان مجلس النواب الجديد وفي بدايةعمله يشكل لجنة مؤقتة لمراجعة الدستور واعادة صياغة بعض المواد ما عدا الفصل الاول والثاني فانهما غير خاضعين للمراجعة.فهذان الفصلان لن تجري مراجعتهما الا بعد مضي ثماني سنوات اي الا بعد دورتين ولكن بقية الفصول نص الدستور على امكانية مراجعتها والنظر بها وذلك من قبل لجنة تشكل خلال اربعة اشهر للقيام بهذه المهمة ولكن اجمعت القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية والكتل البرلمانية ان تؤجل هذه العملية الى اجل غير محدد ولم يتم الاتفاق على تحديد موعد حتى الان على تفعيل هذه اللجنة وتحديد بداية عملها وثمة رأي للبدء في الفصل التشريعي الثاني الذي سوف يبدأ في الاول من ايلول وربما يؤجل الى سنة، لا ادري بطبيعة الحال ان الامور تتعلق بقضايا حساسة ربما تكون مصدرا لاثارة الاختلافات والصراعات ويستحسن ان تمر التجربة النيابية بمدة زمنية كافية.

اما بشأن تشكيل الاقاليم فالدستور، ينص خلال مدة لا تتجاوز الستة اشهر يسن مجلس النواب قانونا يحدد بموجبه الآليات والاجراءات التي بموجبها تتشكل الاقاليم، اذ تنص المادة 118 على ان يسن مجلس النواب من تاريخ اول جلسة قانونا يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم بالاغلبية البسيطة للاعضاء الحاضرين.

اما علاقة ذلك بموضوع المصالحة المطروح فهذا لا يعني الاستجابة لاي شرط ولهذه المصالحة آليات قانونية واقتصادية وسياسية فمن يقبل الدخول في عملية المصالحة يدخل ضمن هذا الاطار وهذا التصور الذي ليس مفتوحا وتتم فيه الاستجابة لاي شرط فمن جملة بنود هذه المصالحة ما يتعلق بهيئة اجتثاث البعث وعلى ان هذه الهيئة يعاد النظر في هيكلتها وتشكيلها بالشكل الذي يجعلها هيئة قضائية قانونية تمارس العدالة والشفافية في اجراءاتها وان يكون عملها بعيدا عن التعسف والظلم وان لابطال عملها كل من انتسب لحزب البعث فالكثير بل مئات الالوف من البعثيين لم يكونوا بعثيين عقيدة او مشاركين في قتل الناس وتعذيبهم واضطهادهم بل لاهداف لا تخفى على احد والذي نريده من هذه الهيئة ان تطول عقوباتها واجراءاتها العناصر البعثية التي اسهمت مع النظام السابق في ايذاء الشعب العراقي دون سواهم وعدم منحهم الفرصة مرة ثانية للتسلق الى السلطة وذلك لمحاولاتهم العودة بالعراق للمرحلة السابقة.

اما فيما يتعلق بآلية التصويت في مجلس النواب فليس كل شيء في مجلس النواب ان يتم التصويت عليه بنسبة الثلثين، اذ ان القاعدة العامة في مجلس النواب ان يتم التصويت بالاغلبية البسيطة اي النصف +1 وثمة مساحة ضيقة ومحددة بالثلثين او الثلاثة ارباع، فليس كل قانون وليس كل اجراء يتخذه مجلس النواب بالثلثين اذ ان معظم القرارات والتشريعات والقوانين تمر في مجلس النواب من خلال الاغلبية البسيطة، وهذه هي اللعبة الديمقراطية وهذه قوانينها، ماذا نفعل هل نتجاهل رأي الاغلبية ومطاليبها في سبيل ارضاء الاقلية؟ فهذا غير ممكن اذ لا يمكن ارضاء جميع الفرقاء في جميع الحالات فأية مجموعة من خلال الديمقراطية وآلياتها تمارس العمل السياسي اهلا وسهلا بها واية مجموعة خارج هذا النظام الذي استفتي عليه الشعب العراقي وصوت عليه بالملايين وعلى الرغم من التحديات والظروف الصعبة اختاره لنفسه فمن يريد ان يعاكسه فانه يعاكس رغبة الشعب العراقي.

اما عن الثروة النفطية فان الدستور الحالي يفرض على ان تكون ادارة الثروة النفطية والغاز والحقول الحالية بيد الحكومة المركزية بالتعاون والتشاور مع حكومات الاقاليم هذا ما ينص عليه الدستور، اما بشأن الحقول التي لم تستكشف فهذه لم ينص عليها الدستور وانها من مهمات لجنة معالجة الدستور وانها تنطوي على حساسية والتباس حتى ان بعض الشركات الاجنبية غير مستعدة في التعامل مع الاقاليم وعليه فالشركات النفطية الكبرى تحجم عن الاستثمار ولا تقبل ان تتعامل مع الاقاليم وقانون ادارة الدولة لم يعد ساريا والدستور الدائم ينص على ان الحقول الحالية (مسكوت عنها) لكنها تخضع للسياسة الاقتصادية العامة وثمة سلطات حصرية للحكومة المركزية الفدرالية وصلاحيات مشتركة بين السلطة الفدرالية والسلطة الاقليمية وما عدا ذلك (مسكوت عنه) فهو موكول الى كل ما منصوص ضمن السلطات الحصرية للحكومة المركزية ومتروك لحكومات الاقاليم فالحقول التي لم تستكشف بعد لا يجري استثمارها حاليا لكنها ليست مسكوتا عنها بشكل مطلق وانما استثمار وانتاج النفط منها يخضع للسياسة العامة الاستراتيجية الحصرية للحكومة المركزية.

نحن الان في طور انتقال وتغيير، والفترات الانتقالية التي تحدث عادة ما يرافقها الارتباك والتشويش والغموض الى ان تستقر الامور نحن بحاجة الى مساحة زمنية.. الحقيقة اجد من الضروري ان تشكل لجنة لمراجعة الدستور في الحدود التي سمح فيها الدستور وعلى الاقل من ناحية صياغته ومن الناحية الفنية، اذ ان الكثير من الهيئات المستقلة الان، ذكر في الدستور انها مرتبطة بمجلس النواب بصيغ وتعابير مختلفة بعضها تقول انها تخضع لرقابة مجلس النواب وبعضها تقول انها ترتبط بمجلس النواب مثل حقوق الانسان والمفوضية العامة للانتخابات والبنك المركزي وهيئة النزاهة...الخ الحقيقة الدستور غامض في هذا المجال نحو ارتباطها بمجلس النواب وخضوعها لمجلس النواب كيف يكون هذا غير واضح وهذه امور يجب ان توضح وثمة الكثير من الامور التي فيها اختلاف وارتباك في الصياغة واللغة ولكن متى تبدأ اللجنة عملها في معالجة هذه الامور ومتى يكون الوقت ملائما لعملها ولكن المرحلة الحالية ربما تكون مبعثا لاثارة خلافات وصراعات نحن في غنى عنها وارى ان الكتل البرلمانية المختلفة غير مستعجلة في هذا الموضوع وترغب بتأجيله ربما الى الفصل التشريعي الثاني وربما الى ما بعده وهذا ما سوف نثبته في المرحلة المقبلة.

حميد مجيد موسى ، عضو مجلس النواب ولجنة كتابة الدستور: العلاقات الصعبة بين القوى السياسية سبب تأخر تعديل الدستور

الحوارات السياسية التي تمت قبل تشكيل الحكومة كانت تنص على تشكيل لجنة خلال اربعة اشهر بعد تشكيل الحكومة، تباشر بجرد الاراء والمقترحات لتعديل الدستور وتقدمها الى مجلس النواب للموافقة عليها، ويتم عرضها على الاستفتاء اذ ان تغيير الدستور يتم فقط من خلال عرض المقترحات من المجلس وعبر الاستفتاء لكن تأخر تشكيل الحكومة فضلا عن الكثير من المصاعب التي تحيط بعمل مجلس النواب تعكس الوضع العام والحالة الامنية والعلاقات الصعبة بين القوى السياسية، فاذا اردنا ان نعدل الدستور لابد من جو مناسب ومن علاقات هادئة طبيعية بين القوى السياسية بعيدا عن اجواء التوتر والتشنج كي تتوفر مساحات ومناخات صافية بالمنطقية والاقتراحات العقلانية.

اذ ان تعديل الدستور بطريقة ”اريد هذا واريد ذاك وهذا يقبل وذاك لا يقبل“ سيعقد الخريطة، فالهدف هو ان نعالج ما سبق ان افتقد وهو ان الدستور تم وضعه بسرعة فهل السرعة في التعديل مطلوبة؟ يجب ان تكون مـتأنية ناتج دراسة وقناعات، ففكرة التعديل مقبولة ولكن يبدو ان الجميع يتفهم خلفيات واسباب تأخير تشكيل اللجنة وعدم المباشرة بعد تشكيل الحكومة فمدة الاربعة اشهر اتفاق سياسي من حق من اتفقوا ان يحركوا هذا الاتجاه، ولكن عمليا وفعليا حصل التأخير بسبب عوامل ضاغطة سياسيا مثل ما اشرنا حالت دون تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وهذا امر طبيعي.

اما بشأن الاقاليم، اذا وضعنا الامور بطريقة دستورية، فقضية الاقاليم ينظمها قانون خاص وهذا القانون لم يقدم للبرلمان فالقانون الخاص بالاقاليم والفدرالية يجب ان يوضع ويصادق عليه في البرلمان وعلى اساسه تقدم المشاريع وهي ايضا محددة بالدستور تتطلب عدداً معيناً من المقترحات تقدم بنسبة معينة منها مجالس المحافظات المعنية او نسبة سكان معينة ويقتضي ان تحصل على اغلبية موصوفة نوعيا في الاستفتاء الذي سيحصل لحد الان حينما يقدم القانون عند ذلك سننظر فيه ملموسيات تشكيل الاقاليم، لذلك قلنا ان التعديلات يجب ان يجري التعامل معها بمنتهى الحذر والدقة، اذ يفترض ان تمثل توافقا وتراضيا والا لم تكن مسألة تمرير التعديلات سهلة ان لم تكن مستحيلة فهذا الامر يحتاج الى جهد سياسي والى علاقات افضل الى حد الاسترخاء بدل التوتر والتشنج واهتزاز العلاقات والثقة المتبادلة.

اما بقدر تعلق الامر بنا نرى ان مقدمة الدستور تحتاج الى اعادة نظر وقضية تشريعات يجب ان تجد الاشارة الخاصة بحقوق الانسان والتزام العراق بالمؤسسات الدولية ان تجد مثل حقوق المرأة يجب ان تصان وان يحافظ على ما اكتسبته سابقا وان توسع المؤسسات الديمقراطية فكلها تحتاج من وجهة نظرنا ما نسميه بتعميق الطابع الديمقراطي المدني للدستور، حينها يكون اكثر تجاوبا مع حقيقة المجتمع العراقي وتنوعه وتركيبته. ومنظمات المجتمع المدني يجب ان يكون لها دور ومساهمة فعلية، ونتوقع ونتمنى ان تكون كل المنظمات قد درست الدستور وصاغت مقترحات ملموسة تسهم في اعانة اللجنة المقبلة في ان تجري تعديلات مناسبة تعزز التوجه الديمقراطي في العراق وترسخ الطابع المؤسسي للدولة العراقية واحترام القانون. فالذين شاركوا في العملية السياسية انتقلوا الى مواقعها نتيجة ايمان وقناعة ان طريق العنف والسلاح طريق لا يفضي الى تحقيق اهداف عادلة وديمقراطية لذلك تم انتقالهم الى مواقع العمل السياسي الذي يحتاج ما يحتاج ايضا الى طول نفس وصبر وثقة، فان ما اعتقده صحيح سيحظى بقناعة الناس عاجلا ام آجلا سيأخذ طريقه للتنفيذ، فالعودة للسلاح مرفوضة ولا اظن ان قوى يعتد بها ستقبل مثل هكذا توجه، ولكن يجب ان يبذل جهد استثنائي وايجاد صياغات متوافق عليها كي تصل الى نتائج مقبولة من الجميع واعتماد المصالحة الوطنية كنهج جديد في حل المشاكل السياسية المستعصية عبر الحوار والاحترام المتبادل والتنازلات المتقابلة هو النهج الصحيح الوحيد الذي سيسهم في تسهيل عملية تعديل الدستور بطريقة سلسة ومتوافق عليها. فمثلا قضية اجتثاث البعث وبرنامج الحكومة في المصالحة الوطنية مثال على ضرورة اعادة النظر في الهيئة واعادة النظر في اية تجاوزات او انحياز او عدم عدالة وتفعيل القانون

 وتفعيل الاساليب القانونية لمعالجة هذه الامور، وليس اعتماد التصفيات السياسية والقرارات غير القانونية، والاخوة في التوافق شركاء في وضع برنامج الحكومة الذي اعلنه دولة رئيس الوزراء وشركاء في صياغة المبادرة وليس هناك شروط مسبقة وانما ثمة حاجة للتحرك المتوازي على كل الجبهات تخلق جواً ايجابياً يسهل مهمة المصالحة، ونسعى

 في الوقت ذاته الى تعميق الحوارات وايقاف الاعمال المسلحة وان يرافق ذلك عملية عفو سياسي وعمليات تعويض وثم اعادة النظر في بعض القرارات موضع الخلاف، ونزع سلاح الميليشيات وحل قضيتها هذه كلها حركات يجب ان تكون متوازية، لكي يفهم مشروع المصالحة كما هو، اذ ان فكرة المصالحة هي نهج وطريقة جديدة في التفكير

 واسلوب جديد في تناول الامور وليس عن طريق التخندق والرفض والامتناع بل عن

 طريق الحوار وطرح كل شيء هو النهج السليم الذي يحتاجه الوطن في ازمته الحالية.

والعاقل يستطيع ان يمسك بيده مواطن القوة، ويشخص نقاط ضعفه.

القاضي وائل عبداللطيف ، عضو مجلس النواب، ولجنة كتابة الدستور: إشكالية التعديل تكمن في الاستفتاء الشعبي عليه

اولا: المادة الواردة في الدستور تعتبر الزامية واجبة التطبيق، اذ نصت المادة 142 اولا على تشكيل لجنة من في مجلس النواب، من ممثلي المكونات الرئيسة. مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب خلال مدة لا تتجاوز 4 اشهر تتضمن توصية بالتعديلات الضرورية، التي يمكن اجراؤها على الدستور، تعرض هذه التعديلات دفعة واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، ومن ثم نطرح هذه المواد المعدلة على الشعب، للاستفتاء عليها. هذا نص المادة الاشكال ليس على التعديل وانما على الفقرة (رابعا) من المادة 142التي نصها يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين، واذا لم يرفضه ثلثا المصوتين من ثلاث محافظات او اكثر.

يقولون هذا قيد لا نستطيع تحقيقه هذا ما يقوله الاخوة العرب السنة.

ثانيا: المصالحة كان مؤتمرها من 19 الى 2005/21 في القاهرة وعلى امل ان تنعقد في شباط. ولم تنعقد بسبب تأخر تشكيل الحكومة، اذ انعقدت اول جلسة لمجلس النواب في 2006/3/16 ومن ثم كان المؤتمر الاخير المنعقد في القاهرة، هو مؤتمر (ترقيعي) من الناحية الفعلية لتجاوز المشكلة، التي وقعت فيها توصيات المؤتمر الاول، وبروز خلافات كبيرة بين قوى مكونة من مجموعة تيارات سياسية تطالب بالغاء الفدرالية وازالة الهيئة العليا لاجتثاث البعث وغيرها من المواد، في حين ان القوى السياسية المقابلة اكدت على الفدرالية (اي) الكونفدرالية والهيئة العليا لاجتثاث البعث، ضرورية جدا، اذ ان الصداميين واعوان النظام المباد  ما زالوا يفتكون بالشعب العراقي، ومن ثم لولا تدخل الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى واحتواء الموقف، فصدرت جملة من التوصيات عن المؤتمر ولم يحدد موعد لانعقاد مؤتمر المصالحة والحوار الوطني، ومن ثم انا اعتقد ان الدستور وثيقة استفتى عليها الشعب العراقي بنسبة 71/74 بـ(نعم) و22/21 بـ(لا) للدستور وهذه نسبة في كل المعايير الدولية تعتبر مقبولة.

ثالثا: ان جميع مكونات الشعب العراقي الآن تأتلف في حكومة وحدة وطنية، فهناك من يمثل العرب الشيعة والعرب السنة والكرد وبقية مكونات الشعب العراقي ومن ثم المصالحة والحوار جيدة في جميع النواحي وهي من الناحية الفعلية تلقي الحجة على من لم يشترك في العملية السياسية ويبرر (المقاومة المسلحة) بتواجد القوات الاجنبية وغيرها من الامور، في حين اختلط هذا الموضوع مع الارهاب بحيث لا يمكن الفصل بينهما. كما ان رحيل القوات الاجنبية، يتطلب بناء قوات الامن، والشرطة والجيش، هؤلاء اصبحوا اهدافا لما يسمى بـ (المقاومة المسلحة) انا اعتقد ان القاء السلاح والانخراط في العملية السياسية انفع للبلد، كي تفرز القوى التي لا تريد الدخول في العملية السياسية عند ذلك يجب تطبيق قانون مكافحة الارهاب وجميع القوانين العقابية على اعتبار ان هؤلاء يريدون فرض اراداتهم على امة وتغيير الدستور والنظام القائم وعودة الدولة المركزية والتسلط الفردي. كما لا اعتقد ان ذريعة الوضع الامني تبيح او تبرر هذا اذا كانوا اتفقوا على هذا المبدأ، وهم يمثلون اغلبية الشعب العراقي، قبل امكان اجراء تعديل على الدستور المادة (142) ومن ثم طرحه على الامة بغية الاستفتاء عليه.

الاقليات نظم لهم القانون مادة تفصيلية وحفظ حقوقهم الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية ومن ثم ما ينتظر من هذه المكونات والاقليات ان تعد تشريعاً يعرض على مجلس النواب (والامة) بغية اقرار الادارة المحلية لمناطقهم او حيث يتواجدون مثل التركمان والكلدان والاشوريين والشبك والصابئة والازيدية وسائر المكونات الاخرى وامر الموضوع مرتبط بهذه الاقليات والقوميات، وهذه المادة من المواد التي لا يوجد عليها خلاف.

اما بشأن الاقاليم فالدستور النافذ كفل للمحافظة او اكثر ان تكون اقليما ولم يحدد العدد، ومن ثم الطروحات التي يطرحها المجلس الاعلى تنسجم واحكام الدستور، ولكن طروحاتهم تطبق بثلاثة شروط.

الاول: ان يكون هناك قانون صادر عن مجلس النواب، يحدد كيفية تكوين الاقاليم، وهذا القانون لم يصدر حتى الان.

ثانيا: ان يكون هناك طلب من ثلث اعضاء المحافظة او المحافظات الراغبة بتكوين الاقاليم او من عشر سكان المحافظة او المحافظات الراغبة في تكوين الاقليم، هذان الطلبان، سواء كانا من مجلس المحافظة او من الشعب في المحافظات الراغبة في تكوين الاقاليم والرأي بعد ذلك رأي الشعب في تلك المحافظات، هذا هو العلاج الدستوري.

اما انا شخصيا فاعتقد ان كل محافظة تكون اقليما، والسبب هو اولا حق دستوري منحه الدستور، عندما نصت المادة (119) من الدستور (يحق لكل محافظة او اكثر..) وحيث ان العراق مقسم من الناحية الادارية الى 15 محافظة عدا اقليم كردستان وان الموضوع يرتبط بفن بناء الدولة او في ادارة الدولة. وتخفيف العبء عن كاهل الحكومة المركزية. ومغادرة الدولة المركزية واطمئنان العرب السنة وايقاف زحف الكرد على الاقضية والمدن، لذا اعتقد من الاوجب ان يكون لكل محافظة اقليم وهذا ما نلمسه من رغبة العديد من سكان المحافظات الوسطى والجنوبية. ولتطبيق الفدرالية في العراق علينا ان نمر باربع مراحل اساسية

1. تشريع قانون تكوين الاقاليم.

2. تشريع قانون محافظة بغداد (العاصمة بغداد)

3. تشريع قانون الادارات اللا مركزية للمحافظات غير المنتظمة في اقاليم

4. تشريع قانون الادارات المحلية للقوميات والاقليات وسائر مكونات الشعب العراقي

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر:جريدة الصباح-27-8-2006

 

العراق موضع خلاف مستمر بين قطبي الكونغرس الأميركي

 

 ترجمة: مرتضى صلاح الدين

 

اكدت تقارير صحفية اميركية ان خلافات مازالت تدور في الكونغرس بين الحزبين الرئيسين بشأن الحرب في العراق وانشطة القوات الاميركية فيه، وان اهدار الاموال والفساد هما ابرز العوامل التي اضاعت العديد من فرص اعادة بنائه واعماره.ففي تقرير لها قالت صحيفة كرستيان سانيس مونيتور: ان المناقشات والخلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي مازالت تدور في مبنى الكابيتول(الكونغرس) بشان الحرب والوضع في العراق منذ نيسان عام 2003 حتى الان وكذلك عن انشطة القوات الاميركية المنتشرة فيه منذ ذلك التاريخ.

وقالت الصحيفة: ان موضوع الحرب الاهلية وموقف القوات الاميركية منها هو نقطة الخلاف الجديدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، اذ يميل الجمهوريون الى تحليلات المسؤولين الاميركيين المدنيين الذين تمتلئ احاديثهم بالتفاؤل بعدم وقوع حرب اهلية فيما يتمسك الديمقراطيون بمخاوف وتحذيرات القادة العسكريين من الموضوع. واضافت في عددها الصادر يوم السبت ان السناتور الجمهوري جوزيف ليبرمان حسم موضوع الموقف العسكري الاميركي من احتمالات وقوع صراع في العراق بطلبه اللجوء الى موافقة الكونغرس للحصول على المزيد من الصلاحيات العسكرية في العراق.

وتقول الصحيفة ان رهان الديمقراطيين على فشل الجمهوريين في انتخابات الكونغرس القادمة منتصف تشرين الثاني المقبل يدفعهم الى تصور نتائج مختلفة عن الصراع في العراق تسمح بفرض سيطرتهم على مختلف الملفات الشائكة فيه والتي منها تكاليف الحرب ومرحلة ما بعد الحرب في العراق.

 وتقول الصحيفة: ان تكاليف الحرب في افغانستان والعراق قد بلغت 437 مليار دولار، حسب ما نقلته عن تقرير مكتب خدمات البحوث التابعة للكونغرس الصادر نهاية تموز الماضي. ويقول التقرير: ان الرئيس الاميركي يستطيع اضافة تكاليف اضافية لمدة عام اضافي حسب الصلاحيات الدستورية التي تحدد ضرورة الامن الوطني الاميركي فقط.

وتدخل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ليغير مسار الاندفاع لدى الديمقراطيين وضغوطهم بشان موضوع الانسحاب من العراق بالقول ان الحكومة العراقية بحاجة الى الدعم الاميركي القوي وهو برنامج القوات الاميركية الموجودة في العراق حاليا.

وتنقل الصحيفة عن مراقبين قولهم ان الكونغرس الاميركي لا يتعامل بحزم مع موضوع الصلاحيات العسكرية لتطويق احتمالات الصراع الطائفي في العراق فيما ينتظر اعضاؤه رأي الرئيس الاميركي في تعديل الصلاحيات القديمة ثم العودة الى مبنى الكابتول من جديد لمناقشة رأي الرئيس.

الى ذلك ذهبت صحيفة لوس انجلز تايمز في تقرير نشرته وقالت فيه: انه وبعد ثلاثة اعوام من تعهد الرئيس جورج بوش بتحويل العراق الى افضل بلد من ناحية البنية التحتية في المنطقة،  تراجعت تلك التصريحات والخطط لتصبح عبارة عن اهداف بايصال البلاد الى مرحلة نقطة الانطلاق نحو نهوض الاقتصاد، على لسان مسؤولين اميركيين، وقالت ان سوء الادارة واهدار الاموال والفساد هي العوامل التي اضاعت العديد من فرص اعادة اعمار العراق.

وانتقدت الصحيفة الاميركية الجهود الضائعة والاموال المبددة في العراق من دون الوصول الى هدف كبير بقولها ان الولايات المتحدة انفقت اكثر من 30 مليار دولار لغرض نقل العراق الى مرحلة الديمقراطية المزدهرة، ولكن العجلة الاقتصادية لم تتحرك في البلاد الى الآن،  مشيرة الى ان دورة انتاج وتصدير النفط الحالية لم تبلغ مستواها الذي كانت عليه قبل الحرب التي وقعت في عام 2003.

وقد قارنت الصحيفة بين خطة مارشال في اليابان واوروبا، وخصوصا المانيا، وما يجري في العراق قائلة ان الفرق هو عودة السلام والحركة الاقتصادية الى تلك البلدان بعد الحرب وعدم تحققها في العراق.

وقالت الصحيفة ان جميع الخدمات لم تشهد تحسنا في العراق بما فيها الكهرباء، وعلقت الصحيفة متهكمة بالقول: " الخطط الاميركية في العراق تبدو وكانها خطة مارشال ولكن من دون خطة. "

واضافت الصحيفة ان مخلفات المجاري تلقى مباشرة وبشكل مستمر في نهر دجلة، في وقت لم تتوقف دوامة العنف  عن حصد الابرياء والمدنيين.   وألقت الصحيفة بأسباب التعثر الاميركي في العراق الى قلة حجم القوة العسكرية المستخدمة في متابعة الشؤون العامة في البلاد واشارت الى تسرع بوش في اعلان انتهاء العمليات العسكرية والبدء بمرحلة ما بعد الحرب، التي لم تنته بحسب راي الصحيفة الى الآن.

واضافت الصحيفة ان البنتاغون وجد نفسه امام دورة العنف التي تحكم مشاريع البناء، حيث تأتي تلك الاعمال على ثلث الواردات العراقية، فطلب من شركات كبرى مواجهة الموقف في بلد لا يمكن العمل في مناطقه الساخنة، وقالت الصحيفة : لم يكن امام شركات كبيرة مثل بكتل، وفيلور، وبارسن بد من ان تستأجر شركات حماية امنية خاصة كبيرة التهمت ربع ميزانية المشاريع.

 وقالت : كان من الافضل تسليم اعمال الاعمار الى الجهد الهندسي في الجيش بدلا من الشركات التي تطلب مبالغ من المال عن كل خطوة تخطوها في العراق، ملقية باللائمة على بيروقراطية مكاتب الادارة الاميركية وشركات الاعمار.

وذكرت الصحيفة بقصة المليارات التسعة التي خصصتها الادارة الاميركية لوزارات (مجلس الحكم) والتي اختفت بدون تحقيق، فضلا عن اتهام مقاول اميركي باختلاس 82 مليون دولار في عملياته في العراق.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح- 28-8-2006

 

الأوروبيون قادمون الى لبنان ...لكن ماذا سيفعلون ؟

 

سعد محيو

الأوروبيون في لبنان: "مقامرة كبرى"؟

"الأوروبيون قادمون، لكن ماذا سيفعلون"؟

لا أحد في لبنان يملك إجابة على هذا السؤال، ولا أحد في أوروبا أيضاً.

وقد لخّـص سيرجي إيفانوف، وزير الدفاع الروسي هذه المعضلة اللبنانية - الأوروبية المشتركة بالكلمات المعّبرة الآتية: "ليس من الواضح بعد ما ستكون عليه وضعية قوات حفظ السلام في لبنان ولا حقوقها ولا ما يجب أن تفعل هناك ولا الصلاحيات التي منحت لها".

ماذا يعني هذا الغموض الذي يحيط بمهمة "اليونيفيل" الموسّـعة (قوات حفظ السلام الدولية)، التي قرّر الاتحاد الأوروبي، وبعد تردد كبير، تقديم نصف عددها الذي نصّ قرار مجلس الأمن رقم 1701 أن تكون بحدود 15 ألف جندي؟

شيء واحد: هذه ليست مهمة سلام أوروبية - دولية عادية جديدة، إنها مغامرة كبرى لا أحد يعرف بعد ما إذا كانت ستكون حفلة عرس أم ستنقلب إلى حفل عزاء.

لماذا؟

الجواب الشافي يمكن أن نجده لدى فرنسا، التي تُـعتبر الأب "الروحي" الحقيقي، ليس فقط للقرار 1701 الذي صدر لوقف "حرب الأسيرين" بين "حزب الله" المدعوم (من بعيد) سورياً وإيرانياً، وإسرائيل المدعومة (من قريب) أمريكياً.

ماذا في جعبة الموقف الفرنسي؟

بعد تقلّـبات مثيرة لباريس من الحماسة البالغة لإرسال 3000 جندي إلى لبنان ولقيادة القوات الدولية هناك إلى التراجع والاكتفاء في إيفاد 200 عسكري جلّـهم من المهندسين، حسم الرئيس الفرنسي جاك شيراك الموقف وأعلن عن إرسال 2000 جندي لخوض غِـمار مهمّـة، يَـعرف هو قبل غيره، أنها محفوفة بشتى المخاطر وكل أنواع الأعاصير.

التبريرات التي قدّمها شيراك لهذا التردّد بدَت مُـقنعة، وإن غير كافية: الحصول على "ضمانات من لبنان وإسرائيل بأن القوة الدولية ستتمكّـن من الاضطلاع بمهمتها" و"تقديم توضيحات من الأمم المتحدة حول تسلسل قيادة اليونفيل كي تكون متماسكة وفعالة" و"ضمان تمتّـع القوات الدولية بصلاحية استخدام القوة للدفاع عن نفسها ولحماية المدنيين".

فهذه (التبريرات) مُـقنعة لأن لفرنسا تاريخا أسود وذاكرة عاطفية أكثر سواداً مع تجارب حفظ السلام. فهي خسرت عام 1983 في لبنان 58 جندياً في الهجمات الانتحارية التي شنّـها آنذاك "حزب الله"، والتي أودَت أيضاً بحياة 241 جندياً أمريكياً، حيث دفعت ثمناً أعلى في البوسنة خلال مهمّـة حفظ السلام في التسعينات، حين قُـتل 84 عسكرياً فرنسياً لأنهم افتقدوا إلى صلاحيات الرّدع والدّفاع عن النفس.

لكنها غير كافية، لأنها لا توضّـح لماذا كانت فرنسا وراء البند المتعلق بتشكيل قوة دولية ضاربة ورادعة، ثم تراجعت عن الالتزام بقيادة هذه القوة قبل أن يعيدها شيراك إلى موقفها الأولي. ثمة هنا دوافع أخرى قيد العمل دفعت الرئيس الفرنسي إلى العمل أخيراً، أبرزها على الأرجح إثنان:

الأول، الحماسة الإيطالية المفاجئة لإرسال 3000 جندي إلى لبنان ولقيادة القوات الدولية هناك، وهو تطوّر قرع ولاشك عشرات أجراس الإنذار في باريس، التي خشيت أن تكون روما في وارد وراثة دورها التاريخي والثقافي المميّـز في لبنان وسوريا.

والثاني، التّـهديدات المبطنة التي أطلقتها واشنطن باتجاه باريس، من أنها قد تلغي كل الصّـفقات السريّـة التي عقدتها معها منذ عام 2004 والتي ولد من رحمها القراران 1559 و1701.

الرئيس الأمريكي بوش كان مهذباً حين وضع هذه التهديدات في قفازات حريرية، فاكتفى بـ "مناشدة" الرئيس شيراك حسم موقفه من مسألة قيادة اليونيفيل.

لكن صديقهما المشترك، جيم هوغلاند، الكاتب في "واشنطن بوست"، ناب عن بوش في صياغة التحذيرات المباشرة لشيراك على النحو الآتي: "الأمريكيون، الذين طالما جادلوا بأن لفرنسا وأوروبا دوراً بنّـاء وإيجابياً تلعبانه في الشؤون العالمية - بما في ذلك الشرق الأوسط - لديهم رهان ضخم على قراراتك. إن الفشل في اغتنام واستخدام الفرصة الخطرة في لبنان، والتي ساعدت فرنسا نفسها على تشكيلها، سيغرق كل الآمال لتحقيق هذا الدور إلى أجل غير مسمى".

ابتزاز على المكشوف؟

بالتأكيد. وهو يدل على أي حال، على مدى وحجم الطابع الإستراتيجي الرفيع الذي تضفيه أمريكا على إطلالتها على حرب لبنان. طابع يدفعها حتى إلى التهديد بنسف أثمن إنجازات إدارة بوش في السياسة الخارجية: التحالف الأمريكي - الفرنسي في الشرق الأوسط .

فرص أم مخاطر

الآن، وبعد قول كل شيء عن أبعاد الخطوة الفرنسية ومبرراتها، نأتي إلى السؤال الأهم:

هل سيؤدي انبعاث الروح مجدّداً في مشروع القوة الدولية "الفعّـالة والنشطة" والتي ترقص على تخوم الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (استخدام القوة لفرض السلام)، إلى خروج لبنان من حال الحرب ودخوله إلى حال السلام؟ وهل فرص نجاح اليونيفيل في حلّـتها الجديدة، ستكون أكبر من مخاطر فشلها؟

لا يبدو أن الأمر سيكون على هذا النحو، ليس تماماً على الأقل. لماذا؟ هذا السؤال الثاني يُـعيدنا إلى تساؤلنا الأولي: لماذا تعتبر مهمّـة اليونيفيل التي تأسّـست عام 1978 للإشراف على انسحاب القوات الإسرائيلية الغازية آنذاك والتي ستتوسّـع عام 2006 لتُـحاول فرض هُـدنة سلمية دائمة بين لبنان وإسرائيل، مغامرة أشبه بالمقامرة؟

لسبب غاية في البساطة: إذا لم يكن هدف "اليونيفيل" المعزّزة تجريد "حزب الله" من سلاحه، ولا منع إسرائيل بالقوة من خرق السيادة اللبنانية، ولا حتى حراسة الحدود اللبنانية مع سوريا وإسرائيل، فماذا ستكون مهمتها إذن"؟

يُـدرك الأوروبيون بالطبع المخاطر الجمّـة في هذا الغموض، لكن لعابهم سال للفُـرص المحتملة التي قد تبرز: لعب دور كبير جديد في الشؤون العالمية عبر الشرق الأوسط. لقاء ذلك، الأوروبيون يبدون مستعدين لتحمّـل بعض الأكلاف البشرية والكثير من الأكـلاف المالية.

الرهان هنا واضح: إذا ما نجحت القوة الدولية اليوم في تهدئة لبنان، فستقفز غداً إلى غزّة وربما إلى الضفة للقيام بمهمة مماثلة. وحينها ستجلس أوروبا إلى طاولة المفاوضات لتقاسم الأغنام والمسؤوليات على قدم المساواة مع أمريكا في الشرق الأوسط، لا بل أكثر: بسبب علاقات بروكسل المديدة مع طهران، ربما تتمكّـن الأولى من لعب دور الوسيط، لكن على الأرض هذه المرة، بين الإيرانيين والأمريكيين المُـتصارعين على النفوذ في المنطقة.

طموحات كبيرة حقاً. لكن، هل هي قابلة للتنفيذ؟

معضلة الأوروبيين الكُـبرى ستتمثّـل في عدم قُـدرتهم على تشكيل أحداث الشرق الأوسط أو على الأقل التأثير فيها. كل شيء سيعتمد على المسار الذي ستسير فيه المجابهة الإيرانية - الأمريكية: فإذا ما نحت المجابهة نحو التسوية، سيزدهر المشروع الأوروبي وستتحوّل القوة الدولية في لبنان إلى رأس جِـسر لعبور (بل عودة) أوروبي تاريخي نحو الضفاف الشرقية للبحر المتوسط.

لكن، إذا ما ارتفعت حرارة هذه المجابهة وانفجر بُـركانها، فسيكون على هذا المشروع الأوروبي، إمّـا وقاية نفسه من حممها اللاهبة أو لملمة أغراضه والرحيل بأسرع ما يمكن.

الدهاء (أو الخبث بنظر البعض) الفارسي والتهوّر (بل الإندفاع برأي كثيرين) الأمريكي سيلعبان هنا الدور الأهم في تحديد مصير هذا المشروع، وهو دور لا يبدو أنه سيكون إيجابياً البتّـة بالنسبة للأوروبيين.

فطهران وافقت على قُـوات فصل بينها وبين إسرائيل على الحدود اللبنانية، لأنها على الأرجح تحسب على النحو الآتي: طالما أن القوات الأوروبية لن تتصدّى لحزب الله ولا لعملية إعادة تسليحه وتعزيزه، فسيكون الجنود الأوروبيون الـ 7000 في جنوب لبنان، عاجلاً أم آجلاً، "سبايا" في يدها، تماماً كما انقلب الجنود الأمريكيون الـ 150 ألفاً في العراق "رهائن" لديها.

في المقابل، ترى واشنطن في هذا الوجود العسكري الأوروبي في لبنان فرصة ذهبية لخدمة هدفين ثمينين إثنين: الأول، منع إيران من فتح جبهة لبنان ضدّها وضدّ إسرائيل. والثاني، توريط بروكسل مباشرة في الصّـراع مع طهران، خاصة إذا ما وصل رذاذ الصِّـدام الأمريكي- الإيراني المحتمل إلى العواصم الأوروبية في شكل عمليات إرهابية.

كما هو واضح، رحلة "يونفيل شيراك" إلى بلاد الأرز لن تكون نُـزهة مرحة في يوم ربيعي جميل. إنها بالأحرى رحلة نحو "شراك" لا حصر لها. شيراك يُـدرك تماماً طبيعة هذه الشراك. لكن ضرورات الدور العالمي الأوروبي أباحت لديه محظورات القيام بثاني مغامرة حفظ سلام في لبنان منذ عام 1983. فهل ينجح هذه المرة أم يخرج دامياً مجدداً؟

في باريس هناك كاتدرائية شهيرة إسمها نوتردام، ربما يفعل الرئيس الفرنسي خيراًً إذا ما توجّـه إليها كل صباح ليتضرّع إلى السماء كي لا تتكرّر على الأرض تجارب الماضي القريب!

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر نصاً ودون تعليق .

المصدر: swissinfo- 1- 9-2006

 

الـصـحّـة للـجـمـيـع.. بين الممكن والمستحيل

 

 

على مدى ثلاثة أيام، شهدت جنيف انعقاد مؤتمر دولي بعنوان "نحو الوصول الي الصحة العالمية" ناقش فيه خبراء سويسريون وأجانب مختلف التحديات التي تواجه قطاع الصحة، بعد أن تحول إلى ملف عابر للحدود يعكس سلبياته على الجميع.

وعلى الرغم من مشاركة أطراف متنوعة، إلا أن الجانب النظري فيه طغى على المقترحات العملية.

يتفق الخبراء على أن العولمة لا تلقي بظلالها فقط على الجوانب الإقتصادية، بل أيضا على مختلف الملفات التي أصبحت متداخلة بشكل لا يمكن فصل واحد منها عن الآخر بسهولة، مع اختلاف هذا التأثير من بقعة إلى أخرى من العالم.

وقد يكون الحديث عن "العولمة الصحية" مفهوما جديدا لدى البعض، لكن خبراء التنمية وعلم الإجتماع والأطباء يرون بأن هذا المصطلح نتيجة طبيعية لما يشهده العالم من تحولات كبيرة في قطاعات مختلفة، فلم يكن سهلا استثناء الصحة العامة وما يرتبط بها من ملفات مثل الدواء وصناعته وغيرها، من الوقوع تحت هذا التأثير، الذي تختلف تبعاته من منطقة إلى أخرى بالطبع.

وقد عبرت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-راي عن هذا الوضع في كلمتها التي ألقتها في نهاية أعمال اليوم الأول للمؤتمر (30 أغسطس)، حيث قالت إن قائمة المشكلات الصحية الملتهبة التي يواجهها العالم ضخمة، وأشارت إلى استمرار الفقر واللامساواة بين الجنسين، وزيادة الظلم والامراض المعدية مثل السل وفيروس نقص المناعة المكتسبة والملاريا والكوليرا، التي كان من المفترض أن يتم القضاء عليها بعد ما وصل إليه العالم من معرفة وتقنيات متطورة وثراء.

مداخلات اليوم الأول في المؤتمر ركزت على محاولة وضع صورة جديدة لمفهوم "الصحة العامة" الآن، إذ استعرض الخبراء كيف يختلف التعامل مع الملف الصحي من منطقة إلى أخرى، والعوامل التي تتحكم في هذا الإختلاف.

فقد وجد ايوغينيو فيلار الخبير السويسري في منظمة الصحة العالمية، بأن السويد هي الدولة الأكثر حرصا على ربط الملف الصحي بالحالة الإجتماعية مقارنة مع دول الإتحاد الأوروبي، في حين أن دولا أخرى لم يسمها، ترغب في فصل مسؤولية الدولة عن الملف الصحي بأكلمه، على أن يتحمل الفرد مسؤوليته بنفسه وفقا لإمكانياته المالية.

كما قدم فيلار صورة عامة حول الإختلافات الثقافية في التعامل مع ملف الصحة العامة، التي تشترك في أهمية العناية بصحة الفرد، ولكن كل على طريقته، وإن كان العصر الحالي يدعو إلى تكوين شبكة متكاملة تجمع بين المبادئ الأساسية الهامة للصحة العامة والجديد والحديث في هذا المجال، وكيف يمكن الإستفادة منه حسب الإحتياجات والضرورات.

تناقض بين الشمال والجنوب

الورقة التي استعرضها البروفيسور برونو غريسليس من معهد الأمراض الإستوائية في بلجيكا، كشفت عن بعد آخر للملف الصحي العولمي مثير للإهتمام، إذ قال بأن نسبة كبيرة من سكان الشمال أصبحوا من كبار السن، بفضل العلاج المتقدم ومستوى المعيشة المرتفع ولكنهم يحتاجون في الوقت نفسه إلى رعاية صحية متوالية، تكبد خزائن شركات التأمين مصروفات هائلة، في مقابل ارتفاع تعداد السكان في الجنوب، الذين لا تجد نسبة كبيرة منهم الحد الأدنى من العلاج، فضلا عن عدم توفر مبادئ الثقافة الصحية العامة، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض المختلفة.

وتضع تلك الصورة ملف العولمة الصحية على شكل شمال غني عجوز هرم يحرص سكانه على الحصول على أدق سبل العلاج لإطالة العمر حتى آخر ثانية ممكنة، وجنوب فقير، لا يجد أغلب سكانه أبسط سبل الرعاية الصحية، أو الأدوبة الضرورية الهامة، وهو تناقض واضح يدعو إلى وقفة للتأمل استعدادا للبحث عن حل.

هذه الصورة عبرت عنها أيضا وزيرة الخارجية السويسرية في كلمتها بأسلوب مختلف، إذ قالت بأن "نسبة كبيرة من سكان العالم يواجهون الآن نفس التحديات والمشكلات التي واجهتها سويسرا قبل 150 عاما، مشيرة إلى المشكلات الصحية للمرأة والطفل في دول نامية مختلفة، وأنه من غير المقبول في العالم المتقدم أن يرضى بهذا الوضع غير المنطقي".

مشكلة واحدة وأدوار مختلفة

وانطلاقا من هذه الصورة غير المتوازنة، يقول برنار غروسون رئيس المكتب التنفيذي لمستشفي جامعة جنيف، بأن أهمية هذا المؤتمر تتركز في أنه يدعم البحث عن كيفية وصول الجميع إلى صحة عامة متكاملة إلى حد ما، بغض النظر عن الفقر أوالثراء، وهذا يتطلب أجوبة عن أسئلة كثيرة؛ مثل كيفية فصل تمويل القطاع الصحي عن الإهتمامات الإقتصادية، والتحديات التي تفرضها شراكة محتملة بين رأس المال الخاص والدولة ككفيل إجتماعي، والضمانات التي يجب أن تتوفر للحيلولة دون وقوع مآس إنسانية، بسبب غياب اللقاحات الأساسية وعدم التشخيص الصحيح للأمراض.

فالمؤتمر يدرس على سبيل المثال الدور الذي يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعبه في تدشين مبادرات على الصعد المحلية أو الإقليمية وربما أيضا الدولية، إما لتوعية صناع القرار السياسي بخطورة مشكلة تدهور الأوضاع الصحية في بعض مناطق العالم، أو من خلال الوساطة بين اهتمامات القطاع الإقتصادي الخاص في صناعة الدواء، والحاجة الملحة للأدوية والعقاقير الأساسية لأكثر مناطق العالم فقرا.

وريما استطاع جاكوب كللينبرغر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن يعبر عن دور منظمات المجتمع المدني، عندما وضع الحاضرين في حفل الإفتتاح أمام الصورة الواقعية القاسية لحالات المرض والفقر وربط في مداخلته بين انتشار الصراعات المسلحة والحالة المتدنية للصحة العامة في العالم، مثلما هو الحال في أفريقيا على سبيل المثال، مؤكدا على أنه لا يمكن إنكار الربط بين الصراعات وانتشار الأمراض.

الحاجة إلى آليات تنسيق وقرار سياسي

ويقول الدكتور سليم سلامة، عضو اللجنة المنظمة للمؤتمر لسويس أنفو، بأن تحسين وسائل الرعاية الصحية تحتاج إلى أساليب جديدة، من ناحية لتسهيل الوصول إليها، ومن ناحية أخرى لتعدد الإهتمامات وتداخل الملفات الذي يكون في أغلب الأحوال طبقا للمصالح الخاصة، على حساب المسؤولية الجماعية الإنسانية.

ويؤكد الطبيب السويسري (من أصل تونسي) الشاب، بأن العلماء والخبراء والمتخصصين لديهم الآن حصيلة غير عادية من المعلومات والمعارف، وتقنيات متفوقة إلى اقصى ما يمكن أن يتخيله العقل البشري، وفي الوقت نفسه هناك حاجة إلى منظومة تضع آليات للتنسيق بين كل هذه الإمكانيات، لتعميم الفائدة، والتعرف بشكل أوضح على نقاط الضعف والخلل في ملفات الصحة العامة.

في الوقت نفسه لا يرى الدكتور سلامة بأن هناك فشل في مجال الصحة العالمية، بقدر ما هو تغيير جوهري في أسلوب التعامل مع مفهموم الصحة العامة، كنتيجة حتمية تفرضها عوامل التاريخ والإقتصاد والسياسية، وبالتالي فلابد من التعامل مع الملف الصحي من منظور جديد يتماشى مع هذه الظروف، مع وضع الخصوصية الثقافية والدينية محل الإعتبار عند البحث عن حل جماعي، حسب رأيه.

ويتطابق هذا الرأي مع ما أعلنته مفوضة الأمم المتحدة السامية السابقة لحقوق الإنسان ماري روبنسون، التي قالت في مداخلتها"إن النظام الصحي لأية أمة هو بمثابة قوة الحياة"، ونوهت إلى أن "الحق في الصحة لا يزال غير معترف به عالميا كأحد حقوق الإنسان الأساسية، مثل غيره من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية".

وربما لخصت ماري روبنسون التي تترأس حاليا "مبادرة العولمة الأخلاقية لدعم الحقوق الأساسية" الخطوة الحقيقية التي يجب اتخاذها وصولا إلى صحة عالمية متاحة للجميع، في أنها تتطلب قيادة ملتزمة ومشاركة حقيقية من الجميع مع عدم استبعاد وتهميش الدول التي تعاني بشدة من غياب ليس فقط ثقافة الصحة العامة، بل أيضا من الحد الأدنى من الوقاية من أبسط الأمراض، وهذا أيضا يحتاج إلى قرار سياسي.

الـسـيـاق

المؤتمر هو جزء من الاحتفال بالذكري 150 لإنشاء مستشفي كانتون جنيف، وهي مؤسسة لها باع طويل في التعاون الدولي والانساني في مختلف الانشطة ومع العديد من دول العالم، من بينها مناطق أفريقيا جنوب الصحراء والدول المغاربية، وحاليا أيضا في لبنان.

يشترك في تنظيم المؤتمر كل من جامعة جنيف ومستشفي كلية الطب في جامعة جنيف، بالتعاون مع منظمات الدولية مختلفة في مجالات الصحة والعمل والمهاجرين وشؤون العالم الثالث.

تابع أشغال المؤتمر حوالي 1000 خبير يعملون في مجالات الرعاية والتخطيط وتقديم الخدمات الصحية والتعليم الطبي، وصناعة الادوية واللقاحات إضافة إلى عدد من واضعي السياسات وممثلي المنظمات الانسانية الدولية والأخرى غير الحكومية والمجتمع المدني.

معلومات أساسية

- 50% من الفقراء في افريقيا وآسيا لا يستطيعون الحصول علي الادوية الاساسية.

- يتلقى حوالي 20 ٪ من المصابين بالأيدز (سيدا) في أفريقيا عقاقير بديلة عوضا عن العلاج الحقيقي.

- يلقى اكثر من نصف الاطفال في جميع انحاء العالم حتفهم بسبب نقص التغذية.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: swissinfo- 1-9-2006